رأي طه حسين، وهيكل، والعقاد، الحكيم في ظهور فيلم عن (سيدنا محمد)

إعداد: أحمد السماحي
منذ العشرينات وتصوير فيلم عن (سيدنا محمد) – عليه الصلاة والسلام، حلم يرواد الكثيرين، وفي العشرينات وبالتحديد عام 1926 بدأ بالفعل (يوسف وهبي) مع المخرج وداد عرفي، الإستعداد لهذا الفيلم، لكن الجهات المسئولة منعت ظهوره.
وفي الخمسينات جدد الكاتب (حلمي سلام) رئيس تحرير مجلة (التحرير) الفكرة، وأثار موضوعا كان موضع إهتمام جميع الأوساط العلمية والفنية.
فقد اقترح إخراج فيلم عن (سيدنا محمد) يمثل عظمة محمد عليه الصلاة والسلام، وجهاده وتضحيته، على أن يكون في قوة الأفلام التى أخرجتها الأمم الغربية عن عظمة السيد المسيح وأمجاد المسيحية.
وبمناسبة احتفال العالم الإسلامي خلال الأيام المقبلة بذكرى ميلاد (سيدنا محمد) الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلك الأيام العطرة التي ينتظرها المسلمون من كافة أنحاء العالم الإسلامي.
نستعرض رأي أربعة من أعلام الفكر والأدب في العالم العربي في إقتراح (حلمي سلام)، وهؤلاء الأربعة هم عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين).
والكاتب الكبير (محمد حسين هيكل) صاحب فيلم (زينب)، والكاتب والمفكر (عباس محمود العقاد)، والكاتب والمفكر الكبير توفيق الحكيم.

أتيحوا الفرصة للكتاب
في البداية يقول عميد الأدب العربي الدكتور (طه حسين): أرى الأستاذ (حلمي سلام) قد وفق كل التوفيق في دعوته إلى إخراج فيلم يصور ما كان من جهاد رائع وانتصار باهر لـ (سيدنا محمد) – صلى الله عليه وسلم، ودعوته الكريمة السمحة.
وليس من شك في أن المسيحيين قد نجحوا في محاولاتهم الكثيرة لإظهار ما كان من جهاد المسيح عليه الصلام، ومن صبره، واحتماله، ودعوته التى لم تنتصر إلا بعد خطوب شداد طوال.
وقد احتاج إنتصارها قرون، فكيف بالدعوة الإسلمية التى لم تحتج إلى أكثر من ثلاثة وعشرين سنة لتؤمن بها جزيرة العرب كلها، ولم تحتج بعد ذلك إلى أكثر من عشر سنين أو خمس عشرة سنة لتملأ الأرض نورا في أسيا وأفريقيا.
ولتنهار لها دولة (الفرس) على عظمتها، وضخامتها، وتفقد لها دولة (الروم) أعظم ما كانت تسيطر عليه من الأقاليم.
وليس من شك عندي في أن المحاولات المسيحية الكثيرة في المسرح والموسيقى والسينما إنما صدرت عن إيمان عميق على رغم ما توصف به أوربا وأمريكا من التأثر الشديد بالمادية الحديثة.
فكيف بنا نحن وإيماننا والحمد لله لم يزل كاملا موفورا متأصلا في القلوب والنفوس، متغلغلا في أعماق الضمائر، ولم يتأثر بالمادية الحديثة تأثرا يذكر.
وما أشك لحظة في أن الأدباء والكتاب الذين اتقنوا درس العصر الإسلامي الأول لن يترددوا، ولن يقصروا إذا إتيحت لهم الفرصة لأداء الواجب الذي تفرضه عليهم قلوبهم وعقولهم جميعا.

كتابنا وهذه المهمة الجليلة
أما الكاتب الكبير محمد حسين هيكل صاحب فيلم (زينب) فيقول : لاشك أن السينما قد أصبحت من أقرب وسائل الإذاعة في الوقت الحاضر، والأفلام التاريخية تصور فيها على نحو يقربها من الجماهير.
ولا شك أيضا أن من مصلحة العالم الإسلامي أن يفهم الناس في أرجاء الأرض المختلفة المبادئ الإسلامية، وسيرة (سيدنا محمد) الرسول عليه السلام خير ما تفهم عن طريقة هذه التعاليم، خصوصا إذا رؤي الجانب الروحي.
وهذا يقتضي ممن يضع القصة والسيناريو دقة في التصوير، وشيئا غير قليل من سعة الخيال، فلقد بالغ كثيرون في تصوير جانب الوقائع والغزوات، والأعمال العسكرية في سبيل نشر الإسلام.
مع أن التاريخ يدل على أن الإسلام كانت له من قوته الروحية وسيلة للإنتشار أهم بكثير من القوة العسكرية.
وفي الكتب التى راجعتها وكتبها الأفرنج كانت المبالغة في تصوير الجانب الحربي تخفي الجلال الروحي والسعة الفكرية في الرسالة الإسلامية، صحيح أن تصوير هذا الجانب الروحي لإبرازه من الناحية السينمائية يحتاج إلى براعة كثيرا.
ولكن الكثير من المشتغلين بالفن السينمائي في مصر يستطعون أن يقوموا بهذه المهمة، إذ هم قرأوا في تاريخ المسلمين والمسلمات في العصور الإسلامية الزاهية القراءة التى تمتلئ بها نفوسهم وتجعلهم يصورون ما يقرأونه التصوير الذي تستطيع شاشة السينما أن تحتمله.
إن روايات مثل (كوفاديس) و(الرداء) قد أبرزت المسيحية في جلال سماحتها على خيرنحو، ولن يعجز كتابنا القصصيون والمسرحيون والسنمائيون عن أن يقوموا بمثل هذه المهمة الجليلة بالنسبة لديننا العظيم القويم.

ظهور الأنبياء مسألة شائكة
الكاتب والمفكر الكبير (توفيق الحكيم) يقول: أصبحت السينما اليوم أداة من قوى الأدوات الفعالة عند الجماهير في نشر الدعوات، وقد إلتجأت إليها الدول في الحروب الأخيرة لدعاياتها، فأصبحت بذلك سلاحا خطيرا من أسلحة الحرب والسياسة.
وها نحن أولا نرى اتجاها جديدا عند شركات السينما الكبرى في العالم، وهو استخدام السينما في الدعوات الدينية والأخلاقية، وكانت من نتيجة ذلك الأثر العميق الذي تركته في النفوس القصص السينمائية التى صورت المسيحية أروع تصوير.
فخرج المشاهدون على إختلاف أديانهم وهم مأخوذون بروعة ما شاهدوا، فحرام أذن أن نترك هذه الأداة الفعالة في نشر الدعوة والتأثير في نفوس ملايين الجماهير دون أن نفيد منها الدين الإسلامي.
ولقد كان (سيدنا محمد) صلى الله عليه وسلم يستخدم أداة الدعاية الموجودة في عصره لنشر دينه، والأداة التى كانت معروفة وقتئذ هي الشعر، ولذلك كان كثيرا ما يكلف (حسان بن ثابت) أن يدافع بشعره عن الإسلام، وينوه بمزاياه وفضائله.
بقيت المسألة الشائكة الدقيقة وهي ظهور صور الأنبياء والرسل في الأشرطة السينمائية، وهذا أمر يحتاج إلى أن يبحثه جماعة من رجال الدين المفكرين، ويهتدوا فيه إلى رأي يكون فيه نفع للدين.
على أن المسألة في حقيقتها ليست في ظهور الأنبياء والرسل ظهورا غير كامل، وهذا قد يمكن تلافيه أو التصرف فيه بالتصوير عن بعد دون أن يظهر وجه الفنان الذي يجسد (سيدنا محمد) على الشاشة.
ولكن الصعوبة هي في الأبطال المتصلين بالدين أمثال الخلفاء الراشدين والصحابة في الإسلام، والقديسين في المسيحية! وهم الذين لابد من ظهورهم لإبراز روعة الجهاد الديني.
أما في الأفلام المسيحية فقد حلت المشكلة لأنهم سمحوا لظهور القديسين جميعا، وبقى رأي جماعة المسلمين في أمر ظهور الخلفاء والصحابة.
ثم تأتي بعد ذلك المشكلة الكبرى وهي مشكلة وسائل إخراج فيلم سينمائي عن الإسلام، وكيف يسمح بإخراج أفلام هزيلة ضعيفة بالقياس إلى ما تصنعه هوليود، وفي هذه الحالة يكون الأفضل السكوت والأحجام.

أرمزوا لصورة النبي من بعيد
أما المفكر الكبير عباس محمود العقاد فكان له وجهة نظر خاصة فقال: لا أقر فكرة تمثيل (سيدنا محمد) النبي عليه السلام في صورة تعرض على اللوحة البيضاء!.
ولا أظن أن هناك ممثلا يستطيع أن يعطي هذه الصورة حقها من الوقار الواجب لها عند كل مقدر لعظمتها سواء من المسلمين أو غير المسلمين.
ولا بأس من أن يرمز للصور من بعيد دون أن تبرز للعيان بشكل مميز لأن كل هذا يتعثر تحقيقه على الوجه الأكمل.
ولا بأس من تمثيل الحوادث التاريخية التى لا تستدعي إبراز شخص النبي عليه السلام في صورة جلية تتميز بملامحها الواضحة، فإن هذا كما أسلفت لن يتأتى في الأحوال التى نعلمها عن التمثيل السينمائي.