
بقلم الكاتبة الصحفية: منى عشماوي
منذ اللحظة الأولى لفيلم (هابي بيرث داي)، تتخيل أن الطفلتين (توحة ونيللي) كل منهما ثمان سنوات هما أختان، لقطات متسارعة للعبهما مع بعض وتمشيط احداهما لشعر الأخرى والاستعداد لحفل عيد ميلاد تحلم به (نيللي) التي انفصل والداها.
لكن سرعان ما تفاجئ أن الطفلة (توحة) هي خادمة المنزل بينما (نيللي) هى ابنة صاحبة المنزل، واحدة تذهب الى المدرسة والأخرى تجلس للعمل في المنزل والنظافة والخدمة!
تطلب (توحة) من (نيللي) أمنية أن تطفئ معها شمعة واحدة لتتمنى من الدنيا طلبا واحدا.. توافق (نيللي) التي تتطلع لحفل عيد ميلاد لها يضاهي حفلها السنة الماضية قبل تغير الظروف وافتراق الأب والأم، لذا تفعل (توحة) كل حيلة لتجعل والد (نيللي) يكلم والدتها ويتفقا على عيد ميلاد في المساء.
فيلم (هابي بيرث داي)، يصور بأريحية كل التفاصيل ماذا تشتغل أم توحه كام أخت وأخ لها أبوها الذي مات في النهر، وهو يصطاد بضع سمكات ليترك عائلة كبيرة من خلفه وخيال للمآته تلبسه أم توحه جلابية زوجها ليحرسها مع أطفالها!
كل حلم (توحة) أن تحضر عيد ميلاد (نيللي) لتطفء شمعة واحدة من شمعات (نيللي) وتطلب أمنية لنعرف أن الأمنية أن تعيش حياة (نيللي) وتبتعد عن أهلها وفقرهم وحياتهم التعيسة!
فيلم (هابي بيرث داي)، رغم مدته التي تتجاوز التسعين دقيقة استطاع رسم كثير من التفاصيل الخاصة بعالم عمالة الأطفال في مصر، بينما يسكن أطفال أهل ايجيبت في كومبوندات مغلقة عليهم لايدخلها دخيل أو سائل أو متطفل دون اذن سابق!.. يسكن أطفال الفقراء في العشوائيات المزدحمة لايسأل عنهم سائل ولا يحفظهم الا ستر الله!
ربما يؤخذ على فيلم (هابي بيرث داي) أن به بعض اللقطات التي أخذت وقتا طويلا على الشاشة بينما كان من الممكن اختزالها للابتعاد عن الملل الذي من الممكن أن يشعر به المشاهد.
الفيلم الذي هو فكرة واخراج سارة جوهر وانتاج أحمد الدسوقي وأحمد بدوي وأحمد عباس بالاضافة الى مشاركة من شركتي (داتاري ترنر و جيمي فوكس).

(الجراج) سنة 1995
الحقيقة تشعر منذ اللحظة الأولى للفيلم أنه يتبع نمط الأفلام المستقلة حتى وان كانت كل من (نيللي كريم وحنان مطاوع) من النجوم الكبار المشاركين فيه الا أن عفويته تشعرك بأنه فيلم يبسط فكرته بعيدا عن مغازلة شباك تذاكر يحقق من خلاله أفضل مبيعات! الفيلم لايبحث عن هوس تجاري بقدر سرد معاناة أطفال الفقراء في مصر بالصورة والدهشة والكلمة !
تحكي مخرجة فيلم (هابي بيرث داي)، أن الفيلم يتم انجازه منذ سنوات وهو عن تجربة حقيقية عاشتها في طفولتها، إلا أنه وجد النور أخيرا بفضل كثير من العوامل المساعدة منها بطلة الفيلم (توحة) ومساعدة زوجها المؤلف والمخرج محمد دياب في الكتابة السينمائية للفيلم في أول عمل سينمائي لها.. لينتظر الفيلم عدة مشاركات ومحافل دولية لعل من ضمنها أن يكون فيلم الافتتاح بمهرجان الجونة السينمائي.
حسب آخر إحصائية عن عمالة الأطفال في مصر هناك حوالي مليون ونصف طفل يعملون في حرف ومهن خطيرة بالنسبة لأعمارهم وتحديدا من خمس سنوات حتى 17 سنة، وأغلبهم إما لايجييد القراءة ولا الكتابة أو خرج من دائرة التعليم الأساسي بل أكثر من 900 ألف يعملون في ظروف خطيرة تعرضهم للتحرش والاغتصاب والعنف والقتل !
بالطبع هذه الاحصاءات غير دقيقة لكثير من العوامل أهمها أنه لايوجد جهة مؤسساتيه مصرية تستطيع الوقوف على عدد حقيقي لعمالة الأطفال وسط انكار وتكذيب من قبل الأهل في كثير من الأحيان.
كثير من الأفلام في تاريخ السينما المصرية تحدثت عن عمالة الأطفال مثل فيلم (الجراج) سنة 1995 للفنانة نجلاء فتحي، والذي تحدث عن قضية الاطفال المشردين والمستغلين في أعمال وبيئات قاسية.
آثار الفيلم جدلا كبيرا في ذلك الوقت كذلك سنجد أفلام مثل (السفيرة عزيزة) سنة 1961، وفيلم (كريستال) سنة 1993، والذي عرض نماذج من حياة الأطفال في الشوارع وتعرضهم لكل خطر.. سنجد أيضا أن فيلم مثل (حين ميسرة)، والذي تناول حياة المهمشين في السينما وركز بوضوح على حياة العشوائيات وتطرق أيضا الى عمالة الأطفال وتشريدهم في الشوارع.
كذلك أظهر فيلم (إبراهيم الأبيض) سنة 2009 معاناة الأطفال وما يتعرضون له من استغلال جنسي.. نعم ورغم السرد في هذه الأفلام وغيرها عن هذه المشكلة الخطيرة التي يعيشها الأطفال الفقراء المهمشين في مصر.. إلا أن هذه المشكلة مازالت دون حل حقيقي جذري يوفر لهم مظلة آمنة خلال طفولتهم!

يمثل مصر في جوائز الأوسكار
فاز (فيلم هابي بيرث داي) للمخرجة سارة جوهر بعدة جوائز في مهرجان تريبيكا السينمائي منها أفضل فيلم دولي وأفضل سيناريو وأفضل إخراج لمخرجة، وقد تم ترشيح الفيلم رسميا ليمثل مصر في جوائز الأوسكار لعام 2025 ضمن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية.
فيلم (هابي بيرث داي) فيلم يعتد بكدراته بل يجدها لغة في حد ذاتها لتتنوع اللقطات ويقل معها الاعتماد على السيناريو والحوار ليتمكن المشاهد شيئا فشئ في تصور ماحدث وفهمه بالتدريج.
ورغم وجود أبطال كبار في الفيلم إلا أن الفيلم لم يبرز فيه الا بطلته الحقيقية (توحة) الطفلة (ضحى رمضان) الذي كان تمثيلها عفوي طفولي، وفي ذات الوقت محترف يفهم أين يقف، وكيف النظر للكاميرا والإحساس بالشخصية لتتماهى معها تماما ليحدثنا كل ذلك أننا قد نكون أمام بطلة ونجمة من نجمات المستقبل أكيد!
ينتهي الفيلم نهايته الواقعية لتذهب (توحة) مع أمها وتترك عيد الميلاد مع بقايا من التورته وشمعة واحدة محترقة!
الا أنها تصر وهى تجلس بجانب أمها التي فقدت كل حظ لها في الحياة تصر أن تغرس الشمعة وتشعلها من أجل أمنية واحدة فقط تمنتها (توحة) من القدر لتزرف دموعها وتضيئ شمعتها ويخبرك كل ذلك لعل هناك أمل وفرصة نجاة لها في هذه الحياة.. ربما!