رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة
مر أكثر من ستة أشهر على دعوة الرئيس (عبد الفتاح السيسي)
كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة
محمد حبوشة

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة

راحت السكرة وجاءت الفكرة.. فقد مر أكثر من ستة أشهر على دعوة الرئيس (عبد الفتاح السيسي) في رمضان الماضي، صناع (الدراما)، إلى تقديم (دراما إيجابية) باعتبارها عنصرا فعالا في تشكيل الوعي المجتمعي وتقديم رسائل بناءة تدعم تطور الوطن، مؤكدا على ضرورة ألا يكون المحتوى المقدم للجمهور مقتصراً على الغث أو الهزل فقط، أو ما لا يساهم في بناء الأمة.

تحدث الرئيس السيسي عن ضرورة إسهام الأعمال الدرامية والإعلام في تعزيز الأخلاق والقيم المصرية الأصيلة، مشيرا إلى (أدوار أخرى للفن وليس مجرد وسيلة للتسلية)، وطالب السيسي صناع الفن بـ (عدم رعاية الغث والهزل فقط)، داعيا للبحث عن الصالح ودعمه.

شكلت لجان لبحث مستقبل (الدراما) التلفزيونية، بهدف مناقشة سبل تطوير المحتوى الفني، بما يواكب التحديات المجتمعية، ويتماشى مع رؤية الدولة في تعزيز القيم الوطنية ولكنها لم تنفذ خططها حتى الآن.

لكن الشركة (المتحدة للخدمات الإعلامية) المعنية بإنتاج (الدراما) لم تبدي أي نوع من الجدية حتى الآن، ويبدو لي أنها عاجزة عن تفعيل أدوات الصناعة وتعديل مسارها الصحيح، بعدما أساءت كثير إلى (الدراما) المصرية خلال السنوات العشر الماضية.

واستجابة لما قلته مرارا وتكرار لابد من مشاركة الشركات الخاصة في دعم إنتاج (الدراما)، تم التعاقد مع بعض الشركات – على استحياء – وكرد فعل سريع على تصريحات الرئيس استجابت تلك الشركات الخاصة في إبداء حسن النية، وجاء (موسم الصيف) بأعمال تلامس الواقع المصري إلى حد ما، بحيث تم عرض عدة مسلسلات ربما لاتعد على أصابع اليد الواحدة تصنف بجيدة المستوى.

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة
يبدو لي أن (كريم أبو ذكري) اهتم بهذه بالرسائل الرئاسية الصريحة والمباشرة

من صناعة إلى تجارة

ولعل أبرز تلك الأعمال كانت (مما تاره ليس كما يبدو) للمنتج الشاب (كريم أبو ذكري) الذي أكد أن (ابن الوز عوام) في هذه السلسلة التي لفتت أنظار الجمهور المصري الذي تفاعل معاها، رغم أنه تمت صناعتها بأدوات وإمكانا بسيطة، فقد ركزت على المحتوى، ولم تركز على النجوم الأكثر شهرة، فضلا عن مخرجين يعدون شبابا بين مخرجي (الدراما) هذه الأيام.

ربما أوضح الرئيس: (أنه إذا كانت تكلفة صناعة الدراما تصل إلى 30 مليار جنيه فإن تأثيرها على المجتمع يبلغ أرقامًا كبيرة للغاية تنفقها الدولة في أشياء أخري، وكان الرئيس واضحا حينما قال إن الموضوع تحول من صناعة إلى تجارة مع الوضع فى الاعتبار أنه من الممكن تحقيق أرباح لو كانت الأعمال جيدة، مضيفا أنه يخشى على الذوق العام للمصريين).

لكن (كريم أبو ذكري) استطاع حقيق حلم الرئيس بملايين قليلة من خلال سلسلة (ماتراه ليس كمايبدو)، وأمكنه معالجة  هذا الخلل لكي تكون (الدراما) بحق أداة من أدوات تعزيز الهوية الوطنية لا إهدارها وتدميرها، خاصة في الوقت الذي تتعرض له مصر لهذا الكم من الأخطار، وهذه التحديات التي يجب على الجميع أن يتكاتف لمواجهتها.

يبدو لي أن (كريم أبو ذكري) اهتم بهذه بالرسائل الرئاسية الصريحة والمباشرة وبعيدا عن تشكيل لجان متخصصة لبحث كيفية تطوير الدراما، بحيث تكون بالفعل أداة من أدوات القوي الناعمة المصرية، وتمكن بإمكاناته البسيطة أن ينتج (الدرما الحقيقية)، من خلال عمل واقعي يبرز مسالب السلوك الاجتماعي الطارئ على المجتمع المصري، دون جرح المشاعر أو الإسفاف بحوار بغيض، أوالمساس بالقيم والتقاليد الراسخة في وجدان الجمهور المصري.

 آمن (كريم أبو ذكري) في إنتاجه الدرامي الرائع بمسلمات رئيسية أولها إنه لا يهدف إلى تقييد حرية الإبداع والفكر، وإنما تقديم دراما تعبر بصدق عن الواقع المصري، وتتناول قضايا المجتمع بأسلوب احترافي يعزز الهوية الوطنية والانتماء، مع التزام بالثوابت الأخلاقية والحضارية.

والحقيقة عند مراجعة المشهد الدرامي الحالي (موسم الصيف)، ينبغي القول إحقاقا للحق أن هناك عدد من أعمال (الدراما) متميزة في (موسم الصيف) الذي دشن لأول مرة هذا العام، حيث بها جهدا طيبا واضحا وتعالج مشكلات حقيقية في المجتمع  وبها  تمير في التمثيل والإخراج  ومحاولات جادة للتفاعل والتعاطي مع المجتمع .

ولكنها تظل أعمالا قليلة إذا ما قورنت بالعدد الأكبر من الأعمال التي تقدم مضامين بها تشويه لصورة المجتمع المصري وتشجع علي العنف والجريمة والفتن  والأمور السطحية  .

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة
تراجع مستوي جودة إنتاج (الدراما) وضعف النصوص والبناء الدرامي

تراجع مستوى جودة الإنتاج

تشير الدراسات إلي أن  هناك عدد من المتغيرات تؤثر في هذا الانتاج الدرامي وجودته وفي مقدمتها أنواع وأنماط ملكية شركات إنتاج (الدراما)، سواء المصري منها أو غير المصري ويمكن للمتابع بوضوح أن يتبين قوة هذا المتغير بتحليل أعمال درامية بعينها  تنتجها إحدي الشركات غير المصرية وما تقدمه من مضامين سلبية .

ومن المتغيرات المؤثرة أيضا في تراجع مستوي جودة إنتاج (الدراما) وضعف النصوص والبناء الدرامي، وغياب الحبكة المتماسكة، والاستخدام المتكرر للقوالب والموضوعات النمطية، مع تغليب البعد التجاري على الإبداع الفني وغياب البحث والتوثيق وضعف أداء بعض الممثلين.

ولكن المؤكد  رغم وجود أعمال قليلة إيجابية مثل (ما تراه ليس كمايبدو)، وكثيرة سلبية أن المشهد الدرامي الآن يحتاج الي إعادة ترتيب  للخروج بالمأمول منه في  دعم مسيرة التنمية والبناء في الجمهورية الجديدة .

وهنا ينبغي للمهتمين بحال الدراما المصرية الاستفادة من تجربة (كريم أبو ذكري) والعمل على محورين رئيسين للحركة: الأول هو: وضع رؤية واضحة للإنتاج الدرامي والأهداف المرجوة منه في تعزيز الهوية المصرية والعربية، والثاني: هو تحديد آليات التطبيق الفعلية التي من شأنها تنفيذ هذه الرؤية بشكل علمي ومنضبط ودقيق واحترافي  .

والمحور الأول يستهدف وضع رؤية استراتيجية تتبناها الدولة المصرية لإنتاج الدراما من خلال (المتحدة) بالتكاتف مع الشركات الخاصة، ليناسب قيم المجتمع المصري ويتوافق مع تطلعاته وأحلامه وآماله.

فمعظم هذا الإنتاج الدرامي الكثيف يتحرك بدون رؤية واضحة وغير محدد فيه  أولويات حقيقية  للمحتوي وبلا هدف واضح يهتم بالتماسك المجتمعي وبناء الوطن، على أن تكون الأعمال المقدمة غرار (ماتراه ليس كما يبدو)، وأهدافه من منطلق دور الإعلام والدراما فى تشكيل الوعى المجتمعى وتعزيز الأخلاق والقيم المصرية الراسخة.

لما للإعلام والفن من دور أساسى فى بناء الشخصية المصرية حيث تلعب (الدراما) دورا محوريا في تشكيل وعي المجتمع  وحمايته  بعيد عن العنف والعشوائية وترسيخ القيم السلبية القائمة على الفوضى وضرب القيم المجتمعية.

والمحور الثاني: يتعلق بوضع آليات واضحة للتطبيق في تنفيذ هذا الانتاج الدرامي  الذي نستهدفه ليكون قوة من القوي الناعمة لمصر، كما كان دائما عبر تاريخ الإعلام العربي من خلال أدوات متطورة بما يتواكب مع متغيرات العصر في ظل عالم سريع التغيير تسيطر فيه تكنولوجيا الإعلام الجديد والذكاء الاصطناعي على مراحل انتاجه الإعلامي والدرامي.

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة

كريم أبو ذكري.. منتج يغرد خارج سرب (الدراما) القبيحة
تمكنت بعض الشركات الصغيرة مثل (كريم أبو ذكري) من جذب صناع الدراما من مخرجين وكتاب وممثلين إليها

من أجل صالح مصر 

ياسادة: (إن مصر العظيمة صاحب التاريخ الطويل في الريادة الإعلامية والدرامية تستحق في هذه المرحلة مشهد درامي وإعلامي يليق بها وشعبها وكفاءاتها ورأس مالها الاجتماعي الضخم من العقول والمواهب التي تستطيع ان تساهم بإخلاص في إعادة تشكيل الخريطة الدرامية والإعلامية   لتعبر عن هوية مصر العظيمة .

وهذه لابد أن تكون دعوة مفتوحة لكي يشارك كل المتخصصين والخبراء في هذا الحوار  المجتمعي الوطني الهام، شريطة أن يكون الحوار قائما علي علم ورؤية ومهنية ويكون بعيدا عن العشوائية وعدم التخصص وعدم تقدير كل الكفاءات والتي اضطرت بالمشهد المصري  الذي يتسع للجميع من أجل صالح مصر وبناء الجمهورية الجديدة  .

تمكنت بعض الشركات الصغيرة مثل (كريم أبو ذكري) من جذب صناع الدراما من مخرجين وكتاب وممثلين إليها، في ظل تراجع واضح للشركات ذات الرأسمال المتواضع التي انتهى دورها في مصرنا العزيزة.

أثبت (أبو ذكري) أنه قادر على كسر احتكار (الشركة المتحدة للخدمات الاعلامية) على  الحصة الأكبر من سوق الانتاج الدرامي، ويرى بعض النقاد وصناع (الدراما) أن سيطرة جهة إنتاجية واحدة يؤثر في الإبداع الدرامي وتنوعه، وفي هذا الإطار أكد (كريم أبو ذكري) أن التنوع يخلق ثراء والرؤى المختلفة لشركات الإنتاج التي تعبر كل منها عن موقف محدد وذوق معين تصب في مصلحة الدراما والمشاهد.

يذكرني مشهد (الدراما) الحالي ببيان وزارة الثقافة الذي توراى شيئا فشيئا، ولم يعد له وجود فعلي الآن: (تفعيلا لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لأهمية تطوير الدراما لخدمة متطلباتنا التنموية وترسيخ هويتنا الوطنية، وتفعيل دور الدراما كأداة محورية في تشكيل وجدان المواطن وتعزيز الانتماء الوطني في ظل التحديات الفكرية والاجتماعية الراهنة.

معايير صارمة في الإنتاج

وأكد وزير الثقافة أن الدراما المصرية قادرة على تقديم محتوى درامي يجمع بين الأصالة والحداثة، يعبر عن هوية متجذرة لبلد عريق، مشيرا إلى أن صناعة الدراما تستلهم الجمال وفق قواعده المعرفية، وتنسج بمواهب صناعها في الكتابة، والإخراج، والتصوير، والمونتاج، والديكور، وهندسة الصوت، والإنتاج، لتقدم شكلاً جماليًا يرتقي بذوق المشاهد ويصونه.

كلام الوزير رائع وجميل، ولكن أين هو على أرض الواقع الحالي؟

هل تم اتخاذ معايير صارمة في إنتاج واختيار (الدراما) التلفزيونية، دائما ما يقفز هذا السؤال مع مواسم الازدهار الدرامي وعادة يكون ذلك في (شهر رمضان) المبارك الذي تحشد فيه عشرات الأعمال الدرامية والتي يغلب عليها الكم أكثر من الكيف لمجرد التواجد على الشاشة في شهر رمضان حتى لو كان ذلك على حساب رداءة النص المكتوب.

ونحن بصدد موسم (رمضان 2026) هل تم وضع خطة واضحة لملامح هذا الموسم، أم أنه ماتزال تخضع معايير الإنتاج على التقديرات الشخصية للقائم على العملية الإنتاجية أو على متابعات لوسائل الإعلام الأخرى كالصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي التي في معظمها تأتي بمعلومات وأرقام غير صحيحة وممنهجة.

فما زالت الأعمال تدور حول فلك واحد يتكرر باستمرار، فدائما نلاحظ أغلب الأحداث تدور حول شركة وخلافات بين الأخوان عليها أو عقوق للوالدين أو شاب طائش يشرب الكحول ويتعاطى المخدرات في صورة تكررت منذ زمن بعيد ومللنا منها ومن الخوض فيها وأصبحت هذه الأعمال مفعمة بالحزن، وكأن حياتنا الواقعية كلها أحزان ومآسي.

نريد أعمال تصور واقعنا الذي نعيشه بعيدا عن التكلف ومحاكاة غير الواقع، فضلا عن الأخطاء البدائية في هذه الأعمال والتي زادت في الفترة الأخيرة وبشكل واضح وفاضح وأصبحت هذه الأخطاء علامة بارزة، فلا يخلو عمل إلا وبه الكثير من السقطات الإخراجية للأسف.

والآن نريد أعمال سهلة الوصول للمتلقي وتلبي احتياجه ورغباته على شاكلة (ماتراه ليس كما يبدو)، وهذا ما فقد في الأعمال الدرامية كافة، التي بالغت في وصف المشاهد بطريقة لا تطاق وبعيدة عن المجتمعات الموجه لها وكأنهم أتوا من مجتمع وواقع غير واقعهم فالمشاهد يريد أن يرى نفسه في هذه الأعمال بعد أن مل من قصص الخيال المميتة التي تتكرر كل عام وبدون جدوى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.