رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام – 22.. الكاتب الصحفي (محمد مصطفي)

حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام - 22.. الكاتب الصحفي (محمد مصطفي)
أسست خلالها العديد من المشاريع الإعلامية والإدارية الكبيرة في الوزارة الاتحادية

* (نبيل الصحافة) ونجوم الصحافة والفن بالعصر الذهبي للإعلام..!

بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري *

بداية: كان من الطبيعي افتتاح مكتب للجريدة في القاهرة، وتعيين الأستاذ (محمد مصطفى) مديرًا له، في عام 1974، اتخذت قرارًا هاما في مسيرتي المهنية عندما استقالت من وزارة الداخلية في دولة الإمارات.. كنت قد توليت رئاسة تحرير المجلة الخاصة بالوزارة وأشرفت على نشاطها الإعلامي لمدة تزيد عن ثلاث سنوات.

حيث أسست خلالها العديد من المشاريع الإعلامية والإدارية الكبيرة في الوزارة الاتحادية، وقبل تأسيس الدولة بقيادة الشرطة بأبوظبي.

ورغم الإنجازات التي حققتها، إلا أنني لم أتمكن من تحقيق الهدف الأساسي من انتقالي من القاهرة لأبو ظبي، وهو تكوين رأس المال اللازم لتحقيق حلمي في إنشاء مشاريعي الخاصة في القطاع الخاص.

وانتقلت لتأسيس مؤسسة الظواهر للطباعة والنشر في أبو ظبي وتعتبر الظواهر أول مشروع لي بالمجتمع المدني.. ظهرت هذه المؤسسة في هذا التوقيت الذي يشهد حراكًا إعلاميًا واسعًا في منطقة الخليج، أبرز معالمه انتشار جريدة السياسة الكويتية التي كان يرأس تحريرها الأستاذ أحمد الجار الله، رحمة الله عليه وتُطبع بالكويت وتوزّع في عواصم الخليج.

في الوقت ذاته، كنت قد سبقت كل المطابع العربية الرسمية والخاصة في إدخال التقنية الحديثة إلى العمل الصحفي، حيث قمت بشراء أول كمبيوتر لجمع الحروف الصحفية، وهو جهاز ضخم يملأ غرفة كاملة، ملحق بها غرفة مظلمة لتحميض الأفلام.

وقد استلمته أولًا باللغة الإنجليزية قبل أن يُجرى تعريبه وتعديل لوحة مفاتيحه لتناسب اللغة العربية. أثار هذا الحدث اهتمامًا واسعًا في الأوساط الإعلامية الخليجية، وكان من أبرز المهتمين به الأستاذ أحمد الجار الله.

حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام - 22.. الكاتب الصحفي (محمد مصطفي)
عبد الله النويس

الأستاذ عبد الله النويس

جمعنا لقاء عابر في مكتب الأستاذ عبد الله النويس، وكيل وزارة الإعلام في الإمارات آنذاك، حيث اتفقنا على فكرة رائدة: طباعة جريدة السياسة في الكويت وأبو ظبي بالتوقيت نفسه، على أن نخصّص جزءًا من الصفحة الأولى وصفحة داخلية كاملة لأخبار الإمارات.

بالفعل بدأنا خطوات تنفيذ المشروع، وذهبنا معًا إلى لندن لمقابلة الشركة المنتجة للكمبيوتر بغرض تجهيز المعدات اللازمة، غير أن طول فترة المفاوضات وعدم اكتمال الترتيبات حال دون تنفيذ المشروع.

ورغم ذلك، ظلّت العلاقة المهنية والإنسانية مع أحمد الجار الله ممتدة لسنوات طويلة، ومع تطور توجهات جريدة السياسة، أصبح اهتمامها متزايدًا بالشأن المصري – سياسيًا واجتماعيًا – وذلك بفضل عمق صلات رئيس تحريرها مع مؤسسة الرئاسة في مصر. ومن ثمّ، كان من الطبيعي افتتاح مكتب للجريدة في القاهرة، وتعيين الأستاذ (محمد مصطفى) مديرًا له.

الكاتب الصحفي والتليفزيوني (محمد مصطفى) الذي عرفتُه عن قرب، كان بحق “نبيل الصحافة”. لم يكن هذا اللقب من فراغ، بل جاء من رقّة مشاعره واتساع مساحاته الإنسانية التي أحاط بها كل من اقترب منه. كان صديقًا لا يبخل يومًا بموقف، ولا يتأخر عن وقفة رجولية في مواجهة المحن التي تعصف بأصدقائه.

رحمه الله عليه، فقد كان حضوره إنسانيًا قبل أن يكون مهنيًا، وكانت معرفتي الأولى به نقطة تحولية في حياتي، إذ اكتشفت فيه الإنسان قبل الصحفي، والصديق قبل الإعلامي.

في إحدى ليالي الجيزة المضيئة، كان الفندق الفاخر يعجّ بالحركة والأنوار بمناسبة افتتاح مكتب جريدة السياسة الكويتية في القاهرة.. كان الحفل يشي بروح البدايات الجديدة، حيث اجتمع فيه رجال الصحافة والإعلام والسياسة، ليشهدوا ميلاد صفحة جديدة من صفحات التواصل العربي.

عرفت صاحب الدعوة أول الأمر من خلال مقالاته التي كنت أتابعها في إحدى الجرائد القومية، لكن اللقاء هذه المرة أتاح لي أن أتعرف إليه عن قرب. وقد كان لشقيقي، الكاتب الصحفي (وجيه إبوذكري)، دور كبير في هذا التعارف، حين قدّمني إليه وأوصى بأن أكون قريبًا من ترتيبات الحدث .

لم يطل الوقت حتى كُلّفت بمهمة خاصة: تجهيز سيارة النقل التليفزيوني التابعة لشركة أفلام الشاطئ   بالقاهرة، لتكون على أتم الاستعداد لتصوير وقائع الحفل. كانت مسؤولية كبيرة في ليلة لا تحتمل التأجيل، لكن الحماس الذي ملأ القاعة انعكس عليّ.

فشعرت أنني جزء من صناعة لحظة تاريخية، ستظل عالقة في الذاكرة بوصفها احتفالاً بالصحافة والفكر والكلمة الحرة حيث توليت اخراج فقرات وتسجيل هذا الحدث.

حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام - 22.. الكاتب الصحفي (محمد مصطفي)
أحمد الجار الله

أحمد الجار الله

(تمضي الأيام في صمتها الرتيب، تحملنا على أجنحتها دون أن نعلم أين سترسو بنا.. لم أكن أظن أن يجمع القدر خيوطًا متباعدة في لحظة واحدة، فإذا باللقاء يأتي على غير موعد، كأنما هو مشهد كُتب منذ زمن بعيد.

في هذا الحفل  وكما يقولون: اجتمع الشامي على المغربي، لتتلاقى دروب الصداقة القديمة مع أحمد الجار الله، وتتشابك بخيوط الصداقة الحديثة مع (محمد مصطفى).. لحظة كان لها في القلب وقع خاص، كأنها جسر يصل بين ماضٍ مضى وحاضر يولد من جديد).

كان مقدم الحفل هو الكاتب الصحفي والتليفزيوني (محمد مصطفى)، الذي احتفى بافتتاح مكتب جريدة السياسة الكويتية بالقاهرة.. تابعته بعين المنتج وهو يقدّم فقرات الحفل بنفسه، وأدهشني حضوره أمام الجمهور. للوهلة الأولى خُيّل إليّ أنه يجرّب الإمساك بالميكروفون للمرة الأولى، غير أن سرعان ما تكشّف لي ما يتمتع به من قبول وبساطة، وهما مفتاحان أساسيان لأي نجاح على الشاشة.

(كنت أتابعه من زاويتي كمنتج، لا بعين الحرفة وحدها، بل بعين تتلمس إشارات القدر. حديثي مع الجار الله كان يجري في هدوء)، فيما تتجه أنظارنا إلى (محمد مصطفى) وهو ينساب في تقديمه بعفوية صافية، يحاول أن يقترب من دفء أسلوب سمير صبري، لكن بروحٍ تخصه، محكومة بذوقه وتحفظاته التي تليق بتمثيله لدولة خليجية.

أمامه جلس الجار الله، بملامح من يُدرك أنه أحسن الاختيار، يتابعه بإعجاب الأب الذي يرى في ابنه امتدادًا لرؤيته.. وفي تلك اللحظة، كأنما أضاء في داخلي برقٌ خاطف: لمَ لا أفتح له بابًا جديدًا؟ لمَ لا أصنع له منبرًا يليق بحضوره؟

(عندها ولدت الفكرة واضحة، أن أقدّم له برنامجًا حواريًا من إنتاجي وإخراجي.. فقد رأيت فيه ليس مجرد صحفي ناجح، بل خامة إنسانية وإعلامية صافية، قادرة أن تملأ الشاشة بحضورها، تمامًا كما ملأت الصحافة بسطوع كلمتها.. كان المشهد كله كأنه لقاء رتّبته الأقدار ليُقال بعده: هكذا تُكتب البدايات الاستثنائية).

ولتكن التجربة الأولي له مع صديق مشترك يتحمل منها أخطاء التقديم بتجربته الاولي ولم نجد يتوفر فيه النجومية والمخزون الثقافي والصحفي ويقف علي جبل من الإنجازات الصحفية. ولم نجد أفضل من شقيقي، الكاتب الصحفي (وجيه أبوذكري)، الذي كان بين ضيوف الحفل.

وهو الوحيد القادر على تقبّل هذه المغامرة كأول حلقة في برنامج اقترحناه سويًا بعنوان من نجوم الصحافة معتمدين علي انه الصديق المقرب لـ (محمد مصطفي) وفي نفس الوقت صديقي وشقيقي.

حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام - 22.. الكاتب الصحفي (محمد مصطفي)
وجيه أبو ذكري

وجيه أبوذكري

حين وصلت الفكرة إلى الكاتبة (حسن شاة)، لم تُخفِ حماسها، بل تفاعلت معها وانضمت إلينا في ما يشبه دورة تدريبية صغيرة غير رسمية، كان أعضاؤها جميعًا من الأصدقاء. جلسنا نتبادل الأدوار ونصقل المحاولات الأولى للتقديم التلفزيوني، وكأننا نرسم معًا الخطوط الأولى لمشروع واعد يجمع الصحافة بالتلفزيون، الكلمة بالصوت والصورة.

ولكي نمنح الفكرة حقها من التطبيق العملي، قررنا إقامة ما يشبه (المعسكر التدريبي) في مزرعتي بالإسماعيلية.. اصطحبنا معنا طاقم تصوير صغير بكاميرا محمولة وقليل من معدات الإضاءة والصوت.. كنا أربعة فقط: أنا مخرج التجربة، ومعي ثلاثة من كبار الصحافة: (محمد مصطفى، وجيه أبوذكري، وحسن شاة). لعبوا دور فريق الإعداد، بينما توليت أنا مهمة الإخراج.

على مدى سبعة أيام كاملة، سجّلنا حلقتين: الأولى مع حسن شاة، والثانية مع وجيه أبوذكري.. وعندما خرجت الحلقات إلى النور، كُتب على الشارة: نجوم الصحافةإعداد وتقديم (محمد مصطفى)إخراج إبراهيم أبوذكري.

كانت تجربة ناجحة بكل المقاييس، فتوالت بعدها الحلقات حتى تجاوزت الخمسين حلقة، استضفنا خلالها نخبة من كبار الكتّاب والصحفيين، ليصبح البرنامج واحدًا من التجارب الرائدة في الجمع بين الصحافة المكتوبة وشاشة التلفزيون.

حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام - 22.. الكاتب الصحفي (محمد مصطفي)
أنا ومحمد مصطفي وابراهيم سعدة

محمد مصطفى.. المخلص الوفي

وتدور الأيام، فإذا بالمرض الخبيث يداهم جسد (محمد مصطفى) فجأة.. اكتشفنا الأمر على غير توقع، فسارعنا به إلى المستشفى. كان الطبيب قلقًا، صارحنا بالحقيقة، لكنه لم يفقد الأمل حتى اللحظة الأخيرة.. لم أصدق عينيّ: أهذا هو (محمد مصطفى) الذي كان وجهه دومًا ينبض بالتفاؤل والحيوية؟ كيف حدث ذلك، ومتى، ولماذا؟!

كانت زوجته العزيزة السيدة كوثر، وابنتاه أماني وإيمان، وشقيقه سعيد، وبقية أشقائه وأصدقاؤه يحيطون به في صمت يملؤه الذهول.. حاول كلٌّ منا أن يتمسّك بخيط أمل، لكن القدر كان أسرع.

يا الله.. حين جاء الخبر جلست جانبًا لا نقوى على التصديق.. لقد رحل صديقي وأخي وحبيبي، المخلص الوفي، الصافي النقي.. رحل (محمد مصطفى).

ذلك هو الكاتب الصحفي والتليفزيوني (محمد مصطفى)، الذي سيظل حاضرًا في ذاكرتي مهما امتد الزمن. منذ أن تعارفنا، أصبحنا أخوة وأصدقاء، نتقاسم الجلسات في بيته، نتحاور، ونخطط، ونسافر معًا.. كم من رحلة داخلية عشناها سويًا، تركت في النفس أثرًا لا يُمحى.

حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام - 22.. الكاتب الصحفي (محمد مصطفي)
الفريق يوسف عفيفي

الفريق يوسف عفيفي

كان (محمد مصطفى) صديقًا وفيًا لكثير من الرموز، وكنا مجموعة صغيرة لا يتجاوز عددها أصابع اليد، أطلق علينا (أصدقاء الوزراء) ضمت هذه المجموعة شقيقي وجيه أبوذكري، والكاتب يوسف الشريف، والصحفي مصطفى بكري، والدكتور سامي هاشم، إلى جانب (محمد مصطفى).. كنا مجموعة متجانسة، جمعتنا الأخوة قبل الزمالة، والصدق قبل المصلحة، حتى غدت تلك الصحبة من أجمل محطات العمر.

ومجموعة اخري بالعموم من العديد من الوزراء والمسؤولين السابقين وفي مقدمتهم وزير الداخلية زكي بدر كان من العاشقين لمحمد مصطفي وجلساته معنا لا تنضب من الطرائف وايضاً كواليس السياسة وكم كان (الفريق يوسف عفيفي) أيام كان محافظا بالبحر الاحمر وأيضاً اكثر التواجد والتمتع بمذكراته الحربية.

وكم التقيت في منزله بالكثير من رموز السياسة والقوات المسلحة والشرطة والسياسة والصحافة كانت له موهبه خاصه في لم شمل الجميع، الفريق سعد أبو ريدة، الدكتور ممدوح البلتاجي، صلاح منتصر، إسماعيل منتصر، اللواء حمدي عبد الكريم، اللواء علي رضا، حسنين كروم، الراحل البطل محمد نسيم، محمد الشبه، الراحل الدكتور سامي الدهشور هاشم، وغيرهم كثيرون.

كان (محمد مصطفى) وفيًّا لأصدقائه على الدوام. يهتم بهم حتى بعد أن يغادروا مناصبهم، ويدعوهم إلى منزله تكريمًا لهم. كان الإخلاص عنوانه في كل موقف، وفي كل أزمة أجده إلى جواري، سندًا لا يتأخر.

لقد عمل (محمد مصطفى) بالصحافة عقودًا طويلة، أجرى خلالها حوارات مع الرؤساء وكبار المسؤولين في الصحافة والفضائيات.. ألّف العديد من الكتب، وأسس المركز العربي للإعلام، وظل حتى أيامه الأخيرة يكتب المقالات في الصحف كأنه يسابق الزمن ليقول كلمته.

كان من المستحيل أن أكتب حكاياتي مع الإعلام وصنّاعه، دون أن أخصّ الكاتب النبيل (محمد مصطفى) بمساحة تليق بمكانته في قلبي وفي تاريخنا المهني. ورغم أن سنوات طويلة قد مرّت على فراقه، إلا أنه لا يزال حاضرًا بيننا؛ نسمع صوته في سطور مقالاته، ونشعر بوقع قلمه في أعيننا وقلوبنا.

مضى أخي وصديقي إلى مثواه الأخير، رحل (محمد مصطفى) وتركنا، وغدًا سنلحق به جميعًا.. رحم الله الإنسان الوفي، والصديق العزيز، وبارك في أسرته وأهله وأحبائه.

* رئيس اتحاد المنتجين العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.