منى عشماوي تكتب: فيلم (صوت هند رجب).. استغاثة إلى العالم الحر!


بقلم الكاتبة الصحفية: منى عشماوي
ضجة كبيرة يحدثها الفيلم الوثائقي (صوت هند رجب)، والذي ينقل الساعات الأخيرة المؤلمة في حياة الطفلة الفلسطينية (هند رجب) التي كانت في الخامسة من عمرها حين قتلت مع أفراد عائلتها في قطاع غزة في يناير 2024 حين تلقت هند وأهلها أمرا بالنزوح من غرب مدينة غزة.
بحسب أحداث فيلم (صوت هند رجب) ركبت هند السيارة مع عمها وخالتها وأبناء عمومتها بهدف الوصول لمكان آمن وفجأة وجدوا أنفسهم محاصرين بدبابات الاحتلال وأطلقوا النار عليهم تم اصابة الجميع ماعدا هند التي كانت تستغيث من هاتف موبايل بالاسعاف الفلسطيني.
تم التنسيق لوصول المسعفين لمكان (هند) التي أوضحت أنها وحدها على قيد الحياة، وبعد ساعات تم رصد سيارة الإسعاف محترقة وكل من فيها من طاقم مسعفين احترق بداخلها رغم حصولهم عللى الموافقة المسبقة من قوات الاحتلال والتنسيق الكامل للتحرك لنجدة (هند)!.. وبعد قرابة أسبوعين تم العثور على (هند) وكل أقاربها في السيارة مقتولين!
فيلم (صوت هند رجب) فيلم روائي طويل قرابة 89 دقيقة من إخراج المخرجة التونسية (كوثر بن هنية) التي كان لها فيلمين سابقين أحدهما الرجل الذي باع ظله وآخر بعنوان (بنات ألفة)، الفيلم يعد إنتاج تونسي فرنسي حيث حصل على دعم من صندوق التشجيع على الانتاج الفني والأدبي التابع لوزارة الشؤون الثقافية التونسية.
من ناحية أخرى أثار فيلم (صوت هند رجب) زوبعة كبيرة في هوليوود بعد أن انضم كل من (براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا) وغيرهم لدعم إنتاج الفيلم في ثورة انتاجية توضح لنا مدى التعاطف اليوم حول مايحدث للمدنيين في غزة لاسيما في هوليوود معقل اللوبي الصهيوني وشركات الانتاج الصهيونية الكبيرة.


الاحتلال الإسرائيلي وتربصه بالمدنيين
كذلك يكشف فيلم (صوت هند رجب) الذي اعتمد على التسجيلات الصوتية الحقيقية بين الطفلة هند والهلال الفلسطيني يكشف مدى تعمد الاحتلال الاسرائيلي وتربصه بالمدنيين، لاسيما الأطفال حيث أكدت الطفلة (هند) في أكثر من اتصال أنها وحدها بين الجثث، وأيضا مدى التعمد والتربص بسيارات الاسعاف في كل مناطق القطاع.
من المفترض أن يتم عرض الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي القادم في دورته 82 في الثالث من هذا الشهر، حيث ينافس ضمن المسابقة الرسمية على جائزة الأسد الذهبي.
من جهة أخرى تم ترشيح الفيلم ليمثل تونس رسميا في فئة أفضل فيلم دولي ضمن الدورة الـ 98 من جوائز الأوسكار.
واجه فيلم (صوت هند رجب) الكثير من المشكلات، لعل أبرزها صعوبة التوثيق لأن غزة محاصرة من قبل إسرائيل، لذا كان من الصعب الدخول إلى المكان الذي تم فيه اغتيال (هند) وعائلتها، واعتمدت المخرجة على التسجيلات الصوتية لاستغاثة (هند).
واجه الفيلم أيضا الكثير من الضغوط السياسية لمنع خروجه إلى النور ونقل الحقائق وسط تضارب كبير للأخبار من هنا وهناك.
فيلم (صوت هند رجب) هو فيلم مستقل لم يكن تمويله سهلا في البداية لكثير من الاعتبارات التي ذكرتها، حيث قام الفيلم بالتواصل مع كثيرين من داخل فلسطين وغزة وظهروا بالصوت والصورة الأمر الذي جعلهم في دائرة الخطر.
حقق الفيلم المعادلة الصعبة وذلك التوازن بين التوثيق الدرامي للحدث بشكل فني محترف والجانب الإنساني العاطفي.

رمزا لجحيم الحرب
مأساة الطفلة (هند) كتب عنها العديد من الجرائد والمجلات حول العالم واعتبرتها (الجارديان) رمزا لجحيم الحرب الذي يعيشه الأطفال في غزة.
الحقيقة ما يحدث في قطاع غزة على مدار عامين بما يحمله من عشرات الآلاف من القصص، كل قصة تستحق أن تكون فيلما في حد ذاتها لكشف كل ما تعرض له القطاع من الابادة الجماعية والقتل المتعمد للأطفال والنساء والمرضى وهذا التجويع المقصود منه إهلاك الناس وإهلاك صمودهم وتمسكهم بأرضهم!
وللحق لطالما كانت القوة الناعمة هى المتسع لكشف كل الظلم والجور ومايحدث من قصص في الحروب حول العالم بل كانت هي العين الثاقبة التي ترصد وتنقل وتدين،
لذا بات من الضروري أن يكون لدينا في عالمنا العربي جهات مستقلة تقوم بدعم مثل هذه الأفلام التي لاتستهدف الربح بقدر استهدافها لابراز الحقيقة، وخروج الحق للعلن ونقله الى كل أنحاء العالم.
وكيف لا وقد تعمد اليهود الصهاينة في نقل ماتعرضوا له من اضطهاد إلى العالم عبر أفلام ومسلسلات ووثائقيات ومسرحيات وروايات مكتوبة ومترجمة وحتى اليوم يتم انتاج عشرات المواد للتحدث عن سردية المحرقة.
في الوقت الذي لدينا في غزة محرقة وإبادة ومجاعة وتجويع وقتل وحرق واغتيال للصحافة والاسعاف وأطقم المساعدات الطبية والغذائية، كل هذا يحدث على مدار عامين بما يحمله من قصص ورسائل بل ومستقبل لغزة والمنطقة بأسرها تجد معه أنه من الضروري، بل لزاما علينا أن ننقل كل ماحدث ويحدث لمن يعيشون اليوم ولأجيال قادمة بكل أشكال القوة الناعمة حتى لايضيع الحق ولا تضيع الأرض.