رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب: (أنغام) التي أنغمتنا

شريف عبد الوهاب يكتب: (أنغام) التي أنغمتنا
كان عليها أن تُثبت أنها صاحبة موهبة حقيقية وليست مجرد ابنة لموسيقار

بقلم الإذاعي الكاتب: شريف عبد الوهاب *

في تاريخ الغناء المصري والعربي، هناك أصوات تترك أثرًا عابرًا، وأخرى تتحول إلى علامات مضيئة تبقى في الوجدان مهما تغيّرت الأزمنة. من بين هذه الأصوات، يظل اسم الفنانة (أنغام) حاضرًا كأحد أهم الأصوات التي صاغت ملامح الأغنية المصرية الحديثة، صوتٌ استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الطرب العريق وروح الحداثة، حتى صارت بحق (نجمة نجوم الغناء) في العالم العربي.

وُلدت (أنغام) في بيت فني؛ فهي ابنة الموسيقار محمد علي سليمان.. هذه البداية لم تكن طريقًا سهلاً كما قد يتصور البعض، بل كانت تحديًا كبيرًا، إذ كان عليها أن تُثبت أنها صاحبة موهبة حقيقية وليست مجرد ابنة لموسيقار.

أولى خطوات (أنغام) جاءت في منتصف الثمانينيات، حين قدّمت أغانٍ خفيفة الطابع مثل (لما نقولك بحبك)، فلفتت الأنظار بصوتها المختلف وأدائها المليء بالعاطفة، لتضع قدمها الأولى في طريق طويل نحو النجومية.

شريف عبد الوهاب يكتب: (أنغام) التي أنغمتنا
في عقد التسعينيات، تحولت (أنغام) إلى ظاهرة غنائية متكاملة

التسعينيات.. مرحلة التأسيس

في عقد التسعينيات، تحولت (أنغام) إلى ظاهرة غنائية متكاملة.. ألبومات مثل (ليالي، بعيد عنك، بتحب مين)، صنعت لها مكانة خاصة بين جمهور واسع من الشباب الذين وجدوا فيها صوتًا يعبر عن مشاعرهم بلغة معاصرة، وفي الوقت نفسه استحقت احترام محبي الطرب الأصيل. هذا المزيج بين الحداثة والجذور جعلها في موقع فني لا يشبه أحدًا.

مع دخول الألفية، أثبتت (أنغام) أنها ليست مجرد مطربة ناجحة، بل صاحبة مشروع فني متجدد.. ألبوم (عمره ما يغيب) كان علامة فارقة، تلاه (كل ما نقرب، نفسي، أحبك)، حيث أظهرت قدرة استثنائية على التنويع بين الألوان الغنائية، دون أن تفقد هويتها المميزة.. في هذه المرحلة، لم تعد (أنغام) مجرد مطربة جماهيرية، بل صارت نموذجًا للفنانة التي تعرف كيف تدير مشوارها بحكمة ووعي.

شريف عبد الوهاب يكتب: (أنغام) التي أنغمتنا
صوتها في الحفلات لا يقل إبهارًا عن تسجيلاتها، بل يزيدها صدقًا وقوة

حفلات لا تُنسى

الحضور على خشبة المسرح كان أحد أسرار نجاح (أنغام) فصوتها في الحفلات لا يقل إبهارًا عن تسجيلاتها، بل يزيدها صدقًا وقوة. سواء في دار الأوبرا المصرية أو في مهرجانات عربية وخليجية، كانت أنغام دائمًا نجمة الليلة.. تكفي لحظة استماع إلى أدائها في (سيدي وصالك) أو (حالة خاصة جدًا)، ليدرك المتابع أنه أمام فنانة حقيقية تعرف كيف تُطرب وتُشجي وتُلهب مشاعر الجمهور.

لم تتعامل (أنغام) مع الغناء كترف فني، بل كجزء من حياة كاملة.. أغانيها دائمًا ما حملت رسائل وجدانية صادقة.. في (مهزومة) التقت مع آلام جمهورها، وفي (اتجاه واحد) جسّدت لحظة اتخاذ القرار الحاسم، بينما تحولت (حالة خاصة جدًا) إلى نشيد للحب الصادق.. هذه الأغاني جعلت الجمهور يشعر أن أنغام تغني قصصه الشخصية، لا مجرد كلمات مكتوبة على ورق.

على الرغم من نجاحها الكبير في الأغنية الحديثة، لم تتخلّ (أنغام) عن جذورها الطربية.. فهي قادرة على أداء الموشحات والقصائد بروح عالية، ما جعلها قريبة من مدرسة الكبار مثل أم كلثوم ووردة ونجاة، وفي الوقت ذاته قريبة من جيل جديد يبحث عن الأغنية السريعة والمعاصرة.. هذه المزاوجة هي سر تفردها واستمراريتها.

إلى جانب الغناء، خاضت (أنغام) بعض التجارب الدرامية والإعلامية.. مشاركتها في مسلسل (غمضة عين) أظهرت قدرتها على الحضور أمام الكاميرا، بينما قدّمت في برنامج (صولا) تجربة إنسانية وفنية لاقت إعجاب الجمهور، حيث جمعت كبار المطربين في جلسات غنائية عفوية.

شريف عبد الوهاب يكتب: (أنغام) التي أنغمتنا
الأزمة الصحية الأخيرة التي مرت بها (أنغام) كانت بمثابة جرس إنذار لجمهورها

المرض.. لحظة القلق

الأزمة الصحية الأخيرة التي مرت بها (أنغام) كانت بمثابة جرس إنذار لجمهورها، الذي أدرك فجأة أن احتمال غياب هذا الصوت أمر وارد. مشاعر القلق التي سادت حينها لم تكن خوفًا على فنانة وحسب، بل على جزء من الوجدان الجمعي. دعوات المحبين لم تتوقف، وعندما عادت أنغام إلى جمهورها، شعر الكثيرون بأن الغناء استعاد عافيته معها.

نجاح (أنغام) لم يكن وليد صدفة، بل نتاج وعي فني كبير. فقد عرفت كيف تختار كلماتها وألحانها، وكيف تتعامل مع جمهورها باحترام وذكاء.. لم تسعَ إلى الاستسهال أو المجاملة الفنية، بل حافظت دائمًا على خطها الذي يجمع بين الجودة والجماهيرية. لذلك، فهي اليوم مدرسة في الاستمرارية، وقدوة لفنانات الجيل الجديد.

(أنغام) اليوم ليست فقط مطربة مصرية ناجحة، بل هي رمز عربي للغناء الراقي. ألهمت أجيالًا من المطربات الشابات، وأثبتت أن الصوت الحقيقي لا تغلبه موجات الموضة العابرة. وفي زمن يكثر فيه الضجيج، بقي صوتها شاهدًا على أن الغناء الأصيل ما زال قادرًا على الوصول إلى القلوب.

خاتمة:

منذ بداياتها وحتى اليوم، ظلت (أنغام) في رحلة متواصلة مع الجمهور، رحلة حملت النجاح والتحديات، الطرب والحداثة، الصحة والمرض.. لكنها في كل محطة أثبتت أنها (أنغام التي أنغمتنا)، الصوت الذي يزيدنا طربًا ونغماً، والفنانة التي جعلت من الغناء حياة كاملة.

* رئيس الشعبة العامة للإذاعيين العرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.