رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم أبو ذكري يكتب: (حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام 19).. حلم (صفوت الشريف)

إبراهيم أبو ذكري يكتب: (حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام 19).. حلم (صفوت الشريف)
تُجمع فيها المهن والتخصصات المتباينة تحت لافتة واحدة، بلا معايير مهنية

* قرون مضت وتحقق حلم صفوت الشريف وصدر قانون نقابة لمهنة اخترعتها السلطة

* شهادة خاصة في زمن إعلام بلا ملامح..!

* كيف وُلد مسمى (الإعلامي)؟، وكيف تحوّل إلى غطاء سياسي ومهني هشّ؟

بقلم الدكتور: إبراهيم ابوذكري *

في جلسة خاصة جمعتني بالوزير أسامة هيكل، بعد أن أنهى مهمته في رئاسة لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، وبعد صدور القانون المنظم لما أُطلق عليه (نقابة الإعلاميين)، دار بيننا حوار صريح حول المسمى المهني الجديد الذي شغل المشهد الإعلامي دون أن يكون له أصل أو تعريف واضح.

تحدثت إليه بمنتهى الصراحة، وقلت له: في الوقت الذي يتجه فيه العالم كله نحو التخصص الدقيق، حتى وصلنا إلى التعامل مع الفيمتو ثانية، نُفاجأ نحن بإصدار قانون كان في إدراج ماسبيرو بتوقيع (صفوت الشريف) ويصدر كما كتبه منذ عدة قرون ويتحقق حلمه بعد وفاته والهدف الذي كان يقصده ويبتكر مهنة لا وجود لها بهذا الاسم.

تُجمع فيها المهن والتخصصات المتباينة تحت لافتة واحدة، بلا معايير مهنية، ولا توصيف واضح، ولا مرجعية نقابية مستقرة. مهنةٌ يمكن أن تفتح الباب لمن لا مهنة له، وتساوي بين المجتهد والعابر، وبين المتخصص والعابر سبيل، تحت اسم واحد إعلامي.”

استمع الوزير (أسامة هيكل) بهدوئه المعهود، وعبّر عن وجهة نظره، وما جعله أن يتبني اصدار هذا القانون ولن أذكر رده نصًا احترامًا له، ولآرائه التي رغم اختلافي معه في بعض وجهات النظر أحيانًا، التي كانت دومًا نابعة من غيرته الحقيقية على هذه الصناعة الحيوية، صناعة الإعلام، التي شهد على أطوارها، وشارك في مراحل من تطويرها.

ولا يُخفى على أحد أن (أسامة هيكل) كان حريصًا على إعادة الانضباط إلى المشهد الإعلامي، رغم ما واجهه من ضغوط ومعوقات، ربما كانت سببًا في قصر مدة توليه وزارة الدولة للإعلام، وهي أقصر مدة قضاها وزير مصري في هذا المنصب، بعد أن أثارت مواقفه الجادة ردود فعل واسعة داخل بعض دوائر الإدارة الإعلامية، ممن أرادوا استمرار الفوضى، وأصروا على العبث.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: (حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام 19).. حلم (صفوت الشريف)
(أسامة هيكل) كان حريصًا على إعادة الانضباط إلى المشهد الإعلامي

كيف وُلد مسمى (الإعلامي)

وقد أطلق البعض، مجازًا، على من قادوا هذا العبث أو تستروا عليه، وصفًا لا يخلو من دلالة: (حانوتي ماسبيرو)، في إشارة إلى أن ما جرى لم يكن مجرد إدارة سيئة، بل كان أقرب إلى شهادة دفن لمؤسسة إعلامية كانت يومًا ما منارة للمنطقة كلها وأصبح عودة ريادتها من المستحيلات بل تحاج الي انشاء منظومه إبداعية لا إدارية من أصحاب الخبرة والمهنة.

من هذه الخلفية، تنطلق هذه الصفحة من صفحاتي في هذه الحكايات بكواليس صناعة الاعلام لتروي كيف وُلد مسمى (الإعلامي)، وكيف تحوّل إلى غطاء سياسي ومهني هشّ، استُخدم في محاولة للالتفاف على نقابة الصحفيين، لا لخلق كيان مهني مستقل، وهي الحكاية التي تبدأ من قلب أزمة قانون 93 لسنة 1995.

قصة ظهور وصف (الإعلامي) بوصفه مهنة مستقلة تعود إلى واحدة من أهم معارك حرية الصحافة في مصر، معركة قانون 93 لسنة 1995، ذلك القانون الذي أصدره نظام مبارك فجأة لتقييد الصحافة والصحفيين، في وقت كانت فيه نقابة الصحفيين أحد أهم حصون الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.

في هذا السياق، وجّه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، رسالة إلى الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التي هبّت لمواجهة القانون، قال فيها إن نظام مبارك (سلطة شاخت على مقاعدها)، في تعبير صار أحد أشهر ما كُتب عن طبيعة السلطة في ذلك العهد.

ورغم أن هذا القانون لم يصمد سوى عام واحد، فإن المعركة التي دارت حوله كشفت عن أدوات نظام مبارك في الالتفاف على الأزمات وتفريغها من مضمونها: الاحتواء، ترك الهوامش، تدوير الوجوه، وتقديم النظام كـ”حَكَم” بينما هو الفاعل الأصلي.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: (حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام 19).. حلم (صفوت الشريف)
ينسَ (صفوت الشريف) إهانته، وفكّر في إنشاء كيان نقابي موازٍ

صفوت الشريف والمواجهة

حين تصاعد غضب الصحفيين، ورفض الرئيس مبارك الاستجابة لمطالبهم، قال قولته الشهيرة في مجلس الوزراء: (إحنا ما بنبعش ترمس!)، وهي إشارة إلى رفضه اعتبار مطالب النقابة جادة أو واجبة الاعتبار.

لكن خلف الكواليس، كان الدكتور أسامة الباز، المستشار السياسي لمبارك، يتحرك بحذر في محاولة لامتصاص الغضب، ففتح قنوات حوار مع رموز نقابية وصحفية مؤثرة. وفي الوقت نفسه، دخل صفوت الشريف، وزير الإعلام حينها، على الخط، محاولًا ترضية النقابة عبر ترتيب لقاء مع الرئيس.

ورغم هذه التحركات، اكتشف الصحفيون أن خطة (صفوت الشريف) لم تكن حلًّا بل التفافًا، ما دفع مجلس النقابة إلى تقديم استقالة جماعية، تبعهم فيها النقيب إبراهيم نافع، ليصل الصدام إلى ذروته، خاصة بعد فشل كل محاولات التهدئة من رئيس الوزراء (عاطف صدقي، ثم الجنزوري)، ورئيسي مجلس الشعب (فتحي سرور) والشورى (مصطفى كمال حلمي)، ووزير الداخلية (حسن الألفي).

عُقد لقاء ثانٍ بين مبارك وأعضاء النقابة بحضور أسماء مرموقة مثل: (حافظ محمود، كامل زهيري، مكرم محمد أحمد، جلال عارف، محمود المراغي، مصطفى نبيل، صلاح عيسى، حسين عبد الرازق).

وبعد عام كامل من النضال من رمز الصحافة والصحفيين، سقط القانون ٩٣، وصدر بديلًا له القانون ٩٦ لسنة ١٩٩٦، المعروف بقانون تنظيم الصحافة.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: (حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام 19).. حلم (صفوت الشريف)
رأى (صفوت الشريف) في المعدين والمقدمين في التلفزيون المصري (ماسبيرو) فرصة ذهبية

فكرة (الإعلاميين).. البديل الزائف

بعد هذا الفشل الذريع أمام نقابة الصحفيين، لم ينسَ (صفوت الشريف) إهانته، وفكّر في إنشاء كيان نقابي موازٍ، يمنحه القدرة على تمرير السياسات التي عجز عن فرضها داخل النقابة.

رأى (صفوت الشريف) في المعدين والمقدمين في التلفزيون المصري (ماسبيرو) فرصة ذهبية.. أراد إدخالهم جماعيًا إلى عضوية نقابة الصحفيين، ليضمن السيطرة على جمعيتها العمومية.

لكن الصحفيين تصدّوا له.. أدركوا أن ما يُراد هو تفريغ النقابة من هويتها المهنية والنضالية، وتحويلها إلى واجهة مطواعة.

فشلت خطة (صفوت الشريف) بعكس ما حدث مع نقابة السينمائيين التي اجتاحتها عضويات بالعشرات من ماسبيرو، حتى فقدت هويتها السينمائية وتاهت ما بين الفن السينمائي والتلفزيون إلى أن دخل عالم الديجيتال فأصبحت المهن السينمائية تحتاج الي المهن التليفزيونية في عالم الديجيتال والان الذكاء الصناعي الحصان الرابح في كل المهن.

وعندما أدرك (صفوت الشريف) استحالة السيطرة على نقابة الصحفيين، قرر إنشاء نقابة جديدة بالكامل، تحت مسمى (نقابة الإعلاميين)، تكون لها جمعية عمومية أوسع وأكثر خضوعًا للسلطة، وتكون في مواجهة مباشرة مع نقابة الصحفيين.. قدم المشروع لمجلس الشعب، محاولًا تمريره بدعم حكومي، لكنه فشل، لأن النقابة وقتها كانت ما تزال عامرة بالرجال الشجعان المستقلين الذين رفضوا الخضوع.

ورغم أن  (صفوت الشريف) تولى رئاسة مجلس الشورى لاحقًا، فإنه لم ينجح قط في تمرير هذا المشروع، ولا في إحياء النقابة التي أرادها أداة انتقام من الصحفيين.

وزاد الطين بلة أن الدكتور ممدوح البلتاجي، الذي تولى وزارة الإعلام لاحقًا، أبعد  (صفوت الشريف) عن أي تأثير على ماسبيرو، واستطاع الإطاحة به من موقع النفوذ بعد عام واحد فقط.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: (حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام 19).. حلم (صفوت الشريف)
تعبير (إعلامي) لم يكن يومًا توصيفًا مهنيًا دقيقًا، بل توصيفًا سياسيًا انتقاميًا

لا وجود لمهنة اسمها (إعلامي)

هذه الحكاية تشرح بوضوح أن تعبير (إعلامي) لم يكن يومًا توصيفًا مهنيًا دقيقًا، بل توصيفًا سياسيًا انتقاميًا، استخدمته السلطة لصناعة كيان يوازي نقابة الصحفيين ويتجاوزها.

في الأصل، لا توجد مهنة بهذا الاسم، تمامًا كما لا يوجد شخص تُسميه فقط (علمي) أو (أدبي).. فالمسميات المهنية يجب أن تُعبّر عن التخصص والوظيفة.

نقول: (صحفي، كاتب، مذيع، مقدم برامج، محرر، ناقد، معلق، متحدث رسمي، خبير إعلامي)، وكل هؤلاء ينتمون إلى (مجال الإعلام، أو الحالة الإعلامية، أو صناعة الاعلام، أو منتمي للإعلام)، لكن لا أحد منهم اسمه (إعلامي) فقط.

حتى الدول المتقدمة، تخلّت عن مصطلحات من نوع (الإعلام، و الإعلامي)، لصالح مفاهيم أكثر علمية وواقعية: (عالم الاتصال – علم التواصل الجماهيري – وسائط الإعلام – المحتوى الرقمي – الإعلام التفاعلي – الصحافة المتعددة المنصات.. إلخ.

إبراهيم أبو ذكري يكتب: (حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام 19).. حلم (صفوت الشريف)
تعبير (عيد الإعلاميين) يبدو مبهمًا ومشوّهًا، لا نعرف من هم أصحابه

(عيد الإعلاميين).. مصطلح مشوش

ومن هنا، فإن تعبير (عيد الإعلاميين) يبدو مبهمًا ومشوّهًا، لا نعرف من هم أصحابه، ولا ما هي حدود تخصصهم.. ربما يكون الأفضل ان نطلق عليه عيد الإعلام المصري” أو، كما اتفق عليه مجلس وزراء الاعلام العرب، أن نُطلق عليه: (عيد الإعلام العربي).

ويتم فيه تكريم المتميزين في صناعة الإعلام، بكل تخصصاتها: من (صحفيين، وكتّاب، ومصورين، ومذيعين، وفنيين، ومخرجين، ومهندسي بث، ومبدعي محتوى رقمي).

أما تعبير (إعلامي) الذي صار يطلق اليوم على كل من يمتلك كاميرا وباقة إنترنت، فهو وصف عشوائي، يُساوي بين الكاتب المخضرم والهاوي العابث، ويُفرغ المجال من مهنيته وهيبته.

إن (الإعلامي) بهذا الشكل ليس إلا مهنة عبثية، لا تعريف لها ، ولا أصل، ولا حتى اعتراف نقابي أو قانوني جاد بها.. إنها اختراع سياسي، ومصطلح فارغ المضمون، ووسيلة لتزييف التخصصات وطمس الفروق المهنية والدليل ما ورد بالقانون الذي جعله مصطلح للمسمى “الإعلامي” كما ورد في قانون نقابة الإعلاميين رقم 93 لسنة 2016:

 (الإعلامي: كل من يُقَيَّد في النقابة ويباشر نشاطًا إعلاميًا في إحدى الوسائل الإعلامية، بناءً على رابطة قانونية – أي عقد – تُقيَّد بأن يعمل لصالح تلك الوسيلة الإعلامية).

كما تحدد المادة السادسة من القانون:

  • ضرورة تقدّم كل من يباشر نشاطًا إعلاميًا، وفقًا لهذا التعريف، بطلب إلى لجنة التأسيس للنقابة خلال ثلاثة أشهر من بدء العمل الفعلي.
  • وأن يكون عمله خاضعًا لميثاق شرف إعلامي، يُعدّه مجلس الإدارة ويُقرّ بقرار من الجمعية العمومية بعُشر ثلثي الأعضاء، وينشر في الجريدة الرسمية.

كما يُلزم القانون الإعلامي بـ:

  • الالتزام بالقيم المهنية مثل الشرف والأمانة والنزاهة، لضمان الممارسة الإعلامية بمسؤولية.

قراءتي القانونية للمصطلح:

  • تعريف واسع جدًا وعام: لا يشير إلى المهام الفعلية أو للأدوار المهنية مثل: صحفي، محرِّر، مذيع، مصوّر، منتج، أو إعلام رقمي.
  • يعتمد فقط على علاقة تعاقدية، دون ضرورة وجود مؤهل أكاديمي أو خبرة مهنية أو تدريب.
  • يفتح الباب أمام ضم فئات كثيرة لا تمتلك التاريخ المهني الإعلامي، وهو ما لا يتناسب مع مفهوم نقابي أو مهني دقيق.

وهنا أحببت أن أستشعر حقيقة ما كتبت حول هذه المهنة بسؤال الذكاء الصناعي عن التعريف لهذه المهنة التي احتكرته مصر؟، وهل موجودة هذه المهنة بالعالم؟ أم ان ما وصفته وحللته صحيحا ولا توجد مهنة اعلامي في الكون؟

وأقارن هذا التعريف بالتعريفات أو الضوابط المهنية المتبعة في دول أخرى وتعريف “الإعلامي” في القانون المصري (الذي يفتقر إلى دقة التوصيف المهني) مع ما هو معمول به في عدد من الدول المتقدمة التي تمتلك تقاليد إعلامية ومهنية قوية وكانت الإجابة مطوله كل دولة فقرة شارحة طويلة، لا أري مجالا لها هنا واكتفيت هنا بسؤالي له وبالخلاصة كما وردت الي من الذكاء الصناعي:

الخلاصة:

هل يوجد مهنة اسمها (إعلامي) بالعالم؟

الدولة: التعريف المهني المعتمد.

مصر: نعم قانونيًا فقط.. تعريف فضفاض بلا توصيف دقيق.

أمريكا: لاحسب التخصص: (صحفي، مذيع، محلل)..

بريطانيا: لا Journalist, Reporter, Presenter.

فرنسا: لا تعريفات صارمة + بطاقة مهنية.

ألمانيا: لا توصيفات دقيقة وتدريب رسمي.

كندا: لا يعتمد على المسمى الوظيفي والتخصص.

هولندا: لا توصيفات مهنية محددة ومسارات أكاديمية.

* رئيس اتحاد المنتجين العرب

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.