
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
بمجرد تسرب خبر استقالة الدكتور (أحمد البهي) الشفوية أو التليفونية من رئاسة الهيئة العامة للكتاب، امتلأت صفحات التواصل الاجتماعى بالفرحة وكأنه انتصار لكل شخص تناول هذه الاستقالة، وعندما تأكد خبر تقديمه لاستقالة مكتوبة لم تعد الفرحة هي المسيطرة بل انفجرت موجات من السخط والغضب تجاه الرجل غير مسبوقة تمتزج بحالة من التشفى لأنه سيغادر منصبه.
وبرغم أن كثيرين كتبوا (اللهم لا شماته) إلا أن شماتة رهيبة كانت تنضح من كلماتهم وكأن الرجل قد طُرد من الجنة، وفي وسط تلك الموجة ظهرت قليل من الأصوات التي حاولت أن تبدو موضوعية و تعدد أخطاء (أحمد البهي) و تتهمه بتقزيم دور هيئة الكتاب بعد رؤسائها العظام مثل الدكتور سمير سرحان والدكتور أحمد مجاهد والدكتور هيثم الحاج علي.
و لكن هذه الأصوات لم يتخذ أصحابها أي موقف اثناء وجود الرجل في منصبه، وبالتالى فأصحابها يحملون وزر كتم الشهادة والتقاعس عن محاولة تغيير الخطأ بنقدهم البناء، وفي خضم صرخات الشامتين والساخطين بأثر رجعى ضاعت أصوات حاولت أن تعطى للرجل حقه بأن تذكر ماله بعد أن ذكر الجميع ما عليه.
والحقيقة اننى لست في معرض الدفاع عن الدكتور (أحمد البهي)، لأسباب كثيرة منها أن لى موقف من هيئة الكتاب في عصره آثرت بعده أن أمتنع عن المشاركة في أي أنشطة تخص الهيئة أثناء وجوده، فلقد كان لى كتاب هو (اعتصام المثقفين) دفعت به لأحد دور النشر الخاصة منذ خمس سنوات.
ولكن الدكتورة إيناس عبد الدايم (وزيرة الثقافة في ذلك الحين) عندما قرأت أجزاءً منه، طلبت نشره في الهيئة العامة للكتاب حتى يتوفر للجمهور بسعر مناسب، و بالفعل سحبت الكتاب من الدار الخاصة و تم تقديمه لهيئة الكتاب فتحمس له الدكتور هيثم الحاج على (رئيس الهيئة في ذلك الوقت) وتم الاتفاق على نشره في يونيو 2022.
ولكن بسبب أزمة طارئة في ورق الطباعة تم التأجيل الى دورة معرض الكتاب التي ستنعقد في فبراير 2023.

مغادرة الدكتور هيثم الحاج علي
وبمجرد مغادرة الدكتور هيثم لمنصبه وتولى نائبه الدكتور (أحمد البهي) للمنصب إختفت أخبار الكتاب – برغم انه كان معدا للنشر وانتهت بروفاته ووقعت عليها – وعبثا حاولت معرفة أسباب إختفاء الكتاب، ولكن كان الهمس يدور حول أن الدكتور (أحمد) البهى أمر بأن يعرض عليه الكتاب شخصيا قبل طبعه.
وانتظرت طويلا ولم أتلق إجابة من المسئول عن النشر فاتصلت بالدكتور (أحمد البهي) و رد في المرة الأولى ثم تجاهل تماما اتصالاتى ورسائلى برغم أننى لم أطلب منه سوى حسم الأمر: هل سينشر الكتاب أم لا، فلدى ناشرين آخرين يريدونه؟، ولكن لا حياة لمن تنادي!
اكتشفت أثناء تلك الفترة أن كتاب (اعتصام المثقفين) لم يكن الوحيد الذى اختفى، فمعظم ما تم الاتفاق على نشره في عصر الدكتور هيثم الحاج لم يتم تنفيذه، برغم أن من ضمنها كتب عن حرب أكتوبر في فروع عدة، ودواوين شعرية هامة، وهنا أدركت أننى أمام مسئول يحب أن يمحو ما صنعه السابقون!
ولم يقف الأمر عند الكتب، فهناك مشروعات أخرى توقفت مثل مكتبة الطفل بالشروق التي تقع على مساحة 4000 متر وتتيح استقبال كل الأنشطة الفنية والثقافية، والتي كانت معدة للافتتاح، لم يفتتح منها سوى منفذ بيع الكتب، و74 كشك لبيع الكتب في القرى كانت جاهزة و لم تفتتح حتى لا تنسب لقيادة الهيئة السابقة.
وجاءت الكارثة الأكبر بتوقف بيع الكتب على المنصة الإلكترونية لهيئة الكتاب في زمن يسعى فيه الجميع الى استغلال التكنولوجيا في التسويق.
لم انتظر طويلا و نشرت كتابى في (دار سما) وقررت أن ابتعد عن كل نشاط للهيئة ليس لأنهم لم ينشروا كتابى فذلك هو حق أصيل لهم ولكن لعدم الاهتمام بالرد، والتعامل الكريم المبنى على الوضوح والمكاشفة، وكأن الهيئة تتفضل على الناس بالنشر.
ومضت السنوات الثلاث للدكتور (أحمد البهي) تشهد تدهورا تمثَل فى وقف لسلاسل ومجلات وسوء الإخراج الفني للمطبوعات، وإبعاد بعض الكفاءات من الهيئة إلى جانب سوء حال مكتباتها ومنافذ البيع، وقد خلت رفوفها وتكفى صورة المركز العالمى للكتاب بوسط القاهرة وما آل إليه حال لندرك سوء الوضع.
وإذا كان البعض يستند إلى ارتفاع أرقام الزائرين وحجم مبيعات معرض الكتاب للدفاع عن الدكتور (أحمد البهي)، فهذا وحده ليس دليل نجاح لرئيس هيئة الكتاب، بل يحسب للهيئة المعاونة له، لأن المعرض أصبح علامة مسجلة تنتظره الجماهير من عام إلى عام لتستمتع بالتخفيضات.

الدكتور أحمد مجاهد
أما ما يحسب لرئيس الهيئة هو توسيع نشاطها مثلما فعل الدكتور (أحمد مجاهد) في استحداث معرض فيصل للكتاب في رمضان و إصدار الأعمال الكاملة لكبار الكتاب والمفكرين، أو انتقال معرض الكتاب إلى مكان أفضل وأوسع وأكثر تجهيزا في عصر الدكتور هيثم الحاج في مغامرة كانت محفوفة بالمخاطر في ذلك الوقت، وإصراره على نشر معارض الكتب في المحافظات.
و برغم كل هذا استهجنت تلك الحملة من التشفى، ولكن لفت نظرى أمور أراها اهم من خبر الاستقالة: الأول أن الشامتين اعتبروا أن الاستقالة هى عقاب في حين أنها برغبة المستقيل، ولكن إحساس (من العصر المملوكي) ما زال يسيطر على البعض بان البعد عن المنصب هو نهاية الشخص ومقتله.
وأعتقد أن هؤلاء سيعودون إلى جحورهم لو تم رفض الاستقالة، والأسوأ لو حصل الدكتور(أحمد البهي) على منصب أعلى، فكيف سيتصرفون؟
والثانى: أن هناك قسوة في التعامل مع بعضنا البعض – ليس داخل الجماعة الثقافية فحسب – فالبعض فرح في ابتعاد الدكتور (أحمد البهي) دون أن يكون هناك مبرر واضح ولكنه فرح نابع من فكرة الايذاء فقط.
أما ما هو أهم أننا أصبحنا في مصر لا نعرف لماذا جاء هذا المسئول ولماذا ذهب؟، فاختيار المسئولين يتم بشكل عشوائي، فليس هناك منهج أو وسيلة للاختيار، وليست هناك استراتيجية ثقافية يأتي المسئول لينفذها، ويذهب ليستكملها من جاء بعده، بل كلها مبادرات فردية في الغالب يمحوها المسئول التالى ولا يبنى عليها.
فلماذا لا توضع رؤية مصر 2030 في مجال الثقافة و تعديلاتها في 2015 قيد التنفيذ في كل مناحي الثقافة والفنون وتحدد مراحلها بكل دقة على أن يحاسب كل مسؤول ثقافي أو فني سنويا على ما تم انجازه، ويصبح هذا هو السبب الوحيد لبقائه أو عزله من منصبه؟