رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
حاول مسلسل (أمي) أن يتجاوز المسلسل، كونه مجرد عمل درامي ليتحول إلى مرآة تعكس واقعا مريرا
(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
محمد حبوشة

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة

يبدو لي أن  مسلسل (أمي) السعودي، يأتي في البداية كشاهد على قوة القصة البسيطة الصادقة وقدرتها على إحداث تأثير عميق، بعيدا عن الإثارة المفتعلة والمبالغات التي أصبحت سمة مميزة لبعض الأعمال، لكنه في الوقت نفسه أصابه الملل والتطويل إلى حد ما.

صحيح أن مسلسل (أمي) جاء في محاولة لتقديم قطعة فنية مكتملة الأركان، تغوص في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع السعودي، وتتحدث عن قضية إنسانية عالمية بلسان محلي  قضية الأمومة الغائبة، ونسيان الأبناء لأمهاتهم، إلا أن طول الحلقات إلى 90 حلقة ناله كثيرا من السلبية بسبب الدوران في حلقة مفرغة، وعدم تطور الأحداث التي تخاصم العقل والمنطق جراء تكرر المواقف والأحداث.

حاول مسلسل (أمي) أن يتجاوز المسلسل، كونه مجرد عمل درامي ليتحول إلى مرآة تعكس واقعا مريرا يمر به الكثيرون بصمت، محوره الأساسي هو قصة الطفلة (بسمة، أو حلا) التي تجسدها ببراعة الطفلة (ترف العبيدي)، تلك التي تتعلق بها الأم البديلة (مريم) التي تلعب دورها (العنود سعود).

في مسلسل (أمي): تبدو (مريم) ليست مجرد أم عادية؛ بل هى رمز للحب والتضحية والصبر، تعيش (مريم) التي تربت في منزل (نور) – أمها بالتبني – مع أختيها (رزان، ولمار)، لكنها تبدأ في مواجهة (سهام/ رنا جبران) وزوجها (عبيد/ تركي اليوسف)، اللذين يبالغان في تدمير نفسية (بسمة) الطفلة الحائرة بين تصرفات أمها الحقيقية (سهام) وأمها البديلة (مريم)، جراء تعلقها بالثانية.

ما بين مغامرة الهروب، ومشاعر الطفولة الخائفة، يأتي المسلسل السعودي (أمي) الذي يتكون من 90 حلقة، مضى منها (80) حلقة حتى الآن، وأظن أن الحلقات الباقية ستكون تحصيل حاصل، في محاولة حثيثة كي يتصدر قائمة الأعمال الأعلى مشاهدة على منصات العرض في السعودية، لما يحمله من قصة تلامس وجدان الجمهور.

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
تدور الحكاية حول طفلة صغيرة تعيش تحت وطاءة العنف الأُسري

تحت وطاءة العنف الأُسري

تدور الحكاية حول طفلة صغيرة تعيش تحت وطاءة العنف الأُسري، فتهرب من منزلها في جيزان مع أمها البديلة (مريم)، لتبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر، تصل بها إلى العاصمة الرياض، حيث لا شيء مضموناً سوى الحاجة إلى النجاة.

وتستند قصة (أمي) إلى المسلسل التركي الشهير (Anne) المقتبس بدوره من الدراما اليابانية (الأم) والذي طرح عام 2010، في حين تستلهم النسخة السعودية الخطوط الدرامية نفسها مع سياق اجتماعي محلي، ويعد (أمي)، ثاني تجربة سعودية تقتبس من الدراما التركية، بعد النجاح اللافت الذي حققه مسلسل (خريف القلب).

لا يتعامل (أمي) مع العنف الأُسري على أنه قضية مجردة، بل يقدمه بصفته حدثا حيا ومفتوحاً على احتمالات التشويق والمواجهة، وتبنى الحبكة على تصعيد متواصل، تنتقل فيه الطفلة من مشهد إلى آخر، لا كضحية فحسب، بل ككائن يبحث عن خلاصه، ويتشكّل في عين العاصفة.

على الرغم من قوة الأداء من جانب فريق العمل التمثيلي، يرى بعض النقاد وأنا واحد منهم أن المسلسل افتقر في أحيان كثيرة إلى التمهيد الكافي والعمق النفسي والاجتماعي للشخصيات، فبعض التحولات الدرامية، مثل شخصية (الجدة/ أسمهان توفيق)، جاءت بشكل مفاجئ وغير مبرر بشكل كاف، وحتى استمرارها إلى النهاية يأتي على سبيل حشو هدفة إطالة الحلقات ليس إلا!

صحيح أن قصة (أمي) تبدو من حيث الشكل ملائمة للواقع السعودي، وأن العمل يلامس واقع المجتمع السعودي بشكل كامل، في مجاراة المسلسل التركي الذي نجح في أن يعكس واقعها، لكنه واجه تحديا في إقناع الجمهور السعودي بأنه يمثل قصصا حقيقية من صميم مجتمعهم.

لكن تولد من بعد الحلقة 30 شعورا لدى بعض المشاهدين بوجود تمطيط في بعض الحلقات، مما أدى إلى شعور بالملل كثيرا، وهو ما يعد من التحديات الشائعة في الأعمال المقتبسة التي يتم تحويلها إلى عدد أكبر من الحلقات.

ومع ذلك أستطيع القول أنه في المجمل، مسلسل (أمي) يعتبر تجربة درامية سعودية ناجحة وجريئة إلى حد ما، خاصة في الجوانب التمثيلية والتقنية، وكنت أتوقع وجود فرصة للتحسين في المستقبل من حيث العمق الدرامي للشخصيات وتجنب تمطيط الأحداث، لكن المسلسل للأسف وقع في المحظور الذي يعتبر آفة المسلسلات الطويلة.

عبثا حاول مسلسل (أمي) في ظل تعدد الأمكنة والقصص، وظهور مجموعة من الشخصيات، إلا أن المشاهد يلمح القصص التي تتشكل حول ما يحدث للطفلة (بسمة) والتي تحاول معلمتها مريم (العنود سعود) إنقاذها مما يجعلها تكتشف تفاصيل جديدة في حياتها، كما تلتقي مع الصحافي (عامر الدوش/ نايف الظفيري) الذي يحاول هو الآخر تقديم الدعم الكافي للمعلمة والطفلة، استناداً لطبيعة المهنة التي يعمل بها.

التنوع الجغرافي بين (جيزان والرياص)

وإلى جانب كل ذلك، يحاول المسلسل أن يظهر التنوع الجغرافي الكبير بين مدينة (جيزان) الساحلية وبيوتها البسيطة وشاطئها الممتد، وبين العاصمة (الرياض) ذات المباني الشاهقة والحراك العمراني الحديث، في نقلة بصرية تشكل جزءا من تطورات الأحداث التي تحاول مفاجأة الجمهور في كل حلقة في نهيايات تفتح الشعية للحلقات التالية.

ربما استطاع مسلسل (أمي) أن يلفت الأنظار من خلال الصور التي قدمها من منطقة (جيزان) في المملكة العربية السعودية، وتقديمها كواجهة سياحية جاذبة للسياح من داخل المملكة أو خارجها، فقد كشفت الحلقات الأولى من المسلسل عن الطبيعة الخلابة التي تسيطر على المنطقة، من جبال خضراء وأجواء دافئة.

هذا بالإضافة إلى الطيور المهاجرة التي تمر بالمنطقة، وقد ظهر هذا بوضوح مع شخصية (مريم) التي كشفت عن موهبتها بالتصوير، وزيارتها العديد من الوجهات في المملكة العربية السعودية من أجل توثيق تحركات الطيور المهاجرة، التي تمر أيضا على جيزان.

وكانت المشاهد معبرة بشكل واضح عن البيئة الخلابة التي تتمتع بها المنطقة، والترويج لها كواجهة سياحية مهمة، وهذا ما جعل الكثير من جمهور المسلسل يبحث عن أجمل الأماكن فيها.

ومع ذلك فقد تسرب الملل إلى المشاهد مع تكرار المواقف والأحداث في حياة (بسمة) التي لم تشهد تطورا ملحوظا حيث تدور الدراما في حلقة مفرغة، في ظل أداء انفعالي من جانب (رنا جبران) وتصرفات (تركي اليوسف) غير المنطقية، جراء أفعال تتسم بالعنف والاجتراء على الواقع ومخالفة منطق الدرما في تكرار تصرفاته غير الأخلاقية التي تجافي القانون.

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
أداء الطفلة (ترف العبيدي) يبدوو مذهلا في فطرته وبساطته

أداء (ترف) طبيعيا خطف القلوب

يأتي مسلسل (أمي) ليعيد تسليط الضوء على قضايا العنف الأسري، التي غالبا ما يتم تجاهلها أو التعامل معها بسرية في المجتمعات المحافظة، من خلال القصة الإنسانية التي يقدمها، يحث المسلسل على ضرورة كسر حاجز الصمت، ويدعو إلى التدخل المبكر لحماية الأطفال المعرضين للخطر.

وبينما يحافظ المسلسل على الخطوط العريضة للقصة الأصلية اليابانية والتركية، إلا أنه يتعامل مع التفاصيل الدقيقة بلمسة محلية تتناسب مع الواقع السعودي والخليجي، ما جعله على قدر الملل والتطويل قريباً من الجمهور المستهدف ويزيد من فرص تأثيره الإيجابي.

حاز أداء الممثلين في (أمي) على إعجاب كبير من الجمهور والنقاد، وخاصة أداء الطفلة (ترف العبيدي) التي قدمت في المسلسل شخصيتي (نسمة)، و(حلا)، كانت النقطة الأبرز في أدائها التلقائي، الذي شكل العنصر الأهم.

فقد كان أداء (ترف) طبيعيا خطف القلوب، وكأنها بالفعل تعاني من تلك المآسي الإنسانية، بفضل ملامح وجهها ونبرة صوتها وطريقتها في التفاعل كطفلة طبيعية، وهذا ما أبرز قوة العمل، وجعلها من أبرز العناصر الرئيسية في المسلسل بشكل عام، لذلك ظهر الاندفاع الواضح لمشاهدته.

وتعد (ترف العبيدي) من المواهب التي لفتت الأنظار مؤخرا، بسبب مشاركتها في أكثر من عمل فني، آخرها فيلم (هوبال) كما ظهرت في مجموعة كبيرة من الإعلانات التجارية التي ساهمت بقوة في إبراز موهبتها.

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
كان الملفت هو الأداء المتوهج من خلال النجوم، تتصدرهم بطلة المسلسل الفنانة (العنود سعود)

توهج (العنود سعود)

مسلسل (أمي) جمع مجموعة كبيرة من نجوم السعودية، الذين شكلوا العنصر الأبرز في العمل، وكان الملفت هو الأداء المتوهج من خلال النجوم، تتصدرهم بطلة المسلسل الفنانة (العنود سعود) التي أظهرت من خلال دور (مريم) التطور الواضح في الشخصية.

وذلك بداية من سيدة كانت تحلم بالاستقلالية والهروب من ماض يشكل عبئا واضحا على حياتها، إلى سيدة منقذة لطفلة تعاني من العنف الأسري والإهمال الذي يوشك أن ينهي حياتها، نجحت العنود في الخروج من تلك المعضلة بأداء متطور وسلس، جعل الجمهور يشعر بهذا التطور والارتباط بمريم الأم، التي تسعى لبناء حياة جديدة مع ابنتها (حلا) وأيضا كسيدة تفضل الاستقلالية في قراراتها واختياراتها.

لاشك أن الفنان السعودي (تركي اليوسف) الذي ترك بصمة مهمة في الدراما الخليجية طوال السنوات الماضية، عاد أيضا ليقدم ملامح لشخصية شرير، حيث يتركز دور (عبيد) الذي يقدمه في العمل، على مدى استغلاله لجميع من حوله، وفي مقدمتهم (بسمة)، أو (حلا) الطفلة الصغيرة التي تواجه العنف منه، لكن أداءه جنح إلى النمطية وعدم منطقية الفعل الدراما.

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
تركي اليوسف
(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
رنا جبران

تركي اليوسف ورنا جبران

شخصية (سهام) التي قامت بدورها الفنانة (رنا جبران)، التي تصدرت أيضا بطولة المسلسل، وتعد من أبرز الوجوه السعودية فيه، لاسيما أن الشخصية التي قدمتها حملت بعدا نفسيا قاسيا، نجحت في تقديمه بالشكل الملائم، الذي أثار حيرة الجمهور ما بين التعاطف معها بسبب الاكتئاب الذي تعاني منه، أو كراهيتها بسبب طريقتها في التعامل مع ابنتها، لكنها هى الأخرى وقعت في براثن التكرار.

(رنا جبران) أبدعت بداية الأمر في دور الأم (سهام)، الذي وصفه الجمهور بأنه معقد وصعب، حيث استطاعت أن تنقل مشاعر متناقضة من العجز والألم، ما جعل المشاهدين يتعاطفون معها رغم عيوب الشخصية، وسرعان ما فقدت هذا البريق جراء تكرار اللامعقول في دراما اجتماعية تجنح نحو التيه والانفعالات التي أصبحت مكررة ما أصابت المشاهد بالملل.

قد يرى البعض أن (رنا جبران وتركي اليوسف) شكلا ثنائية ملفتة من ناحية عناصر الشر في المسلسل، مما جعل الجمهور في شوق لمعرفة كيف سيكون مصيرهما، وكذلك مستقبل علاقتهما مع (حلا) و(مريم) بعدما وصلا إلى الرياض وتركا جيزان، لكنهما صار فصلا دراميا يوميا متكررا على مستوى الشكل والمضمون.

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
تبدو لي (زهرة عرفات) ممثلة من العيار الثقيل

(زهرة عرفات) ممثلة من العيار الثقيل

تبدو لي (زهرة عرفات) ممثلة من العيار الثقيل في دور (الأم فاطمة)، حيث جسدت ببراعة دور التي عانت سنوات السجن العجاف، خاصة أنها قتلت زوجها جراء العنف الأسري، الذي هو العقدة الحقيقية في المسلسل، لكنها ظلت من حلقة لأخرى تطور من طريقة أدائها البسيط بوجه معبر ولغة جسد تعكس خبرة كبيرة في الأداء الاحترافي الحر في إبهار لايخلو من التشويق والإثارة.

أما (سناء بكر يونس) التي لعبت دورها (الأم نور) فتبدو لي بمثابة العمود الفقري للمسلسل، ولعلها أبدعت بلغة جسد تبدو غاية في الإتقان، فجاء أداؤها سلسلا للغاية في إثبات التراحم ولم شمل العائلة، حين ظلت قابضة على جمر اللحظات الفارقة في حياة (مريم، ورزان، ولمار) في محاولة لعدم كسر جدار العائلة المتماسكة.

أعجبني جدا أداء كل من (فايز جريس) في تحوله من دور الضابط صارم الملامح إلى دور الحبيب الرومانسي الناعم إلى حد التماهي مع شخصية الزوج الوفي، و(نايف الظفيري) الذي برع في أداء دور الصحفي الاستقصائي بحرفية تصدق معه أنه صحفي محترف في حركاته وإيماءات التي كانت بالغة الأثر.

وأيضا كانت (ريم العلي) في دور (زران) بانفعالات بدقة عالية على حد السكين، فقد ذهبت بالشخصية إلى مناطق دافئة رغم مرور بتجربة قاسية مع خطيبها (عبد العزيز) في تخليه عدم إدراك مفهوم الحب وتخليه عن الرجولة التي كاننت تتطلب الشهامة مع فتاة أحبها.

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
فايز جريس
(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
نايف الظفيري

فايز جريس ونايف الظفيري

وعلى نفس الدرب كانت (همس بندر) التي أعتبرها فاكهة مسلسل (أمي) بأداء فطري بسيط يؤكد موهبة قادمة في قلب الدراما السعودية، فكانت طيفا جميلا جسد فترة المراهقة وتقلبات المشاعر بين الحب والإصرار على مواصلة الانخراط في بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة) التي جذبتها مع نضج التجربة.

وفي النهاية: مسلسل (أمي) على قدر الملل والتطويل هو عمل يستحق المشاهدة، لكونه ليس مجرد مسلسل، بل هو رسالة حب ووفاء لكل أم يذكرنا بأن الأمهات كنز لا يقدر بثمن، وأن نسيانهن هو أكبر الخسائر.. إنه يصرخ في وجه النسيان، ويؤكد أن الذاكرة الحقيقية ليست مجرد أسماء ووجوه، بل هى مشاعر وتضحيات تظل محفورة في القلب، حتى لو غابت عن العقل.

وظني أن مسلسل (أمي) – رغم العيوب الكثيرة التي اعترته جراء مط وتطويل الحلقات – إلا أنه تميز بجودة بصرية عالية، وإخراج وتصوير جذابين، مما جعله يشد المشاهد من اللحظات الأولى، وهذا ربما قد وصفه البعض بأنه يضيف إلى النسختين التركية واليابانية، ولا يشوههما.

(أمي).. مسلسل سعودي يصرخ في وجه النسيان بجودة بصرية عالية!
سناء بكر يونس.. العمود الفقري في المسلسل

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.