بهاء الدين يوسف يكتب: تناقضات (المصريين) في زمن (السوشيال ميديا)

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
خلال الأيام الماضية لفت انتباهي تفاعل (المصريين) مع عدد من المنشورات والتغريدات على مواقع (السوشيال ميديا)، وأدهشني فعلا ما رصدته في هذا التفاعل من تناقضات صارخة تشي بمدى العمق الذي بلغته الهوة بين أفراد المجتمع المصري في السنوات الأخيرة.
كانت البداية مع خبر مطاردة ثلاثة شباب جامعيين وسائق سيارة سياحة لسيارة فيها عدة فتيات على طريق الواحات ما تسبب في اصطدام سيارة الفتيات بسيارة نقل نتج عنه تهشمها وإصابة الفتيات، ورغم مبادرة الشرطة بالقبض على الشباب المنحرف وتحويلهم للمحاكمة، إلا أن التعليقات سارت في اتجاه آخر.
واتجه الغالبية من المعلقين إلى إدانة الفتيات وتحميلهن مسؤولية ما حدث بزعم أن ارتداء إحداهن حلقا في أنفها، وأنهن غير محجبات، هو ما طمع الشباب المنحرف في مطاردتهن ظنا أنهن فتيات (شمال)، هكذا قال البعض بكل بساطة وراحة ضمير!
ونسي هؤلاء أن فتاة العتبة التي تم اغتصابها أو هتك عرضها في ثمانينات القرن الماضي في موقف الحافلات في ميدان العتبة، أحد أكثر البقع السكانية زحاما في العالم وليس في مصر فقط، كانت محجبة، وان الحادث وقع في شهر رمضان.
وهذا يعني أن المشكلة لم تكن ولن تكون يوما في ملابس الفتاة أو طريقة كلامها وإنما في العقليات المنحرفة للبعض، التي يغذيها للأسف بعض المتاجرين بالدين بتبرير التحرش والمعاكسات طالما أن الفتاة غير محجبة، في تجاهل كامل أو جهل هؤلاء المشايخ بالحديث الشريف عن اداب الطريق التي تصدرها غض البصر.
الخبر الثاني كان واقعة منع موظف بهيئة السكك الحديدية ركوب راكب للقطار بدعوى أنه يرتدي سروالا قصيرا (شورت)، وهى الواقعة التي انتشرت بعد أن صور صاحب الشورت الواقعة بالفيديو ونشرها على مواقع (السوشيال ميديا).
التفاعل الأغرب بالنسبة لي كان من نقابة السكك الحديدية التي سارعت بتكريم الموظف صاحب الواقعة، على طريقة (علي بابا راجل شريف) التي وردت في قصة (محاكمة علي بابا) للكاتب الساخر أحمد رجب، والتي تحولت إلى فيلم تلفزيوني للنجم يحيي الفخراني.

تعليقات (السوشيال ميديا)
في القصة تروي مدرسة في حضانة أطفال قصة علي بابا وحصوله على كنز اللصوص، لكن أحد الأطفال يتوقف أمام حقيقة بسيطة أن علي بابا لم يسلم الكنز للشرطة وإنما استولى عليه وهو ليس من حقه، ما يجعله لا يختلف عن اللصوص.
وبدلا من أن تستوعب المدرسة الموقف وتحاول مناقشته أصرت على رأيها وعلى تسفيه رأي الطفل، لدرجة أنها جعلت بقية الأطفال يرددون ورائها عدة مرات (علي بابا راجل شريف)، وهو تصرف مشابه جدا لما فعلته نقابة السكك الحديدية.
فقد كان أولى بها توضيح اذا كان ما فعله الموظف يتطابق مع القانون أم لا؟! وما هى صلاحيات مسؤول أي قطار لكي يقرر من يسمح له بركوب القطار ومن يمنعه، خصوصا إذا كان الراكب لا يخالف القانون؟!.. وبدلا من تحويل الواقعة للتحقيق يتم تكريم المسؤول وكأنه النقابة تخرج لسانها للركاب الذين يدفعون رواتب بهوات النقابة من حصيلة أثمان التذاكر التي يدفعونها.
بل إنني لن أستبعد أن يبادر موظفين آخرين بالسكك الحديدية في الفترة القادمة بتطبيق معاييرهم الخاصة جدا على ركاب القطارات، طالما أن القانون غائب وان من يتجاوزه يحصل على تكريم، وبالتالي لن أندهش إذا تم منع غير المحجبات مثلا من ركوب القطارات.
الغريب أن معظم التعليقات على الواقعة على (السوشيال ميديا) سارت في اتجاه تحية الموظف وإدانة الشاب صاحب الشورت، بحجة خروجه على الآداب العامة رغم أنه لا يظهر في الفيديو، ومن ثم لم ير أحد من المعلقين المدافعين عن الآداب العامة شكل الشورت وطوله وما اذا كان قصيرا أو طويل يغطي عورته كما وردت في الأثر!
ذلك النفاق المجتمعي انتبه له (يوسف إدريس) مبكرا في روايته (العيب) التي صدرت عام 1962، والتي تناول فيها نفاق المجتمع البرجوازي والطبقة الوسطى، حيث تقاس القيم بالشكليات أكثر من الجوهر الإنساني الحقيقي، حين يفرض المجتمع على الأفراد ازدواجية المعايير، ويدفعهم للدفاع عن مظاهر الفضيلة علنا بينما يمارسون كل الرذائل في السر.
لابد من الاعتراف أن هاتين الواقعتين والتعليقات عليهما، أثارتا في نفسي حالة من الفزع على ما ينتظر مجتمعنا من التباس في تعريف القيم، وتوجه البعض بعنف واضح نحو إعلاء وتقديس المظاهر على حساب الجوهر، ما ينذر بانفجار محتمل بعد أن تتراكم مشاعر الإحباط والاغتراب، مما قد يؤدي إلى صدام اجتماعي أو انهيار تدريجي للقيم.