
بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
عشقت المسرح طفلاً وادركت قيمته وتآثيرة ثم أصبحت متابع له بشغف أتابع ما يحدث في مصر وسوريا ولبنان بل ولم اترك عرض في المسرح الانجليزي العظيم إلا وذهبت لاستمتع وأتعلم وادخل خلف الكواليس لأشاهد آخر تقنيات تطور المسرح الإنجليزي العريق، شاهدت (البؤساء) لفيكتور هوغو و(فانتوم أوف ذا أوبرا)، و(الشطرنج chess)، والعمل العبقري (ميس سايجون miss Saigon).
من متابعتي للمسرح المصري لفت نظري اسم العرض المسرحي (عايش إكلينيكيا) وزاد فضولي لوجود الصديق (جمال عبد الناصر) أحد أبطال العرض وهو صحفي متميز مهني وعاشق للتمثيل، وشاهدته مع المسرحي الجهبذ محمد صبحي، وتوقعت إنه في طريق التألق قادماً وبسرعة.
بدأ عرض (عايش إكلينيكيا) فكانت براعة الاستهلال وهي من أبجديات فنون المسرح، كانت البداية خاطفه لي ولمعظم الحضور فالمشهد الأول يصور المعاناة للموطن المسحول الذي يعاني واستخدم المخرج المبدع (أحمد فتحي شمس) اسلوب السلويت في الخلفية فضخم الشخوص.
وأظهر المعاناة شخوص منكسرة مع صوت العظيمة (سناء جميل)، تحدث أحمد زكي المصور في فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة).. (احنا صغيرين أوي يا سيد)، ومنه نستمع للمواطن الموظف المسطول (عماد حمدي) في (ثرثرة فوق النيل) للعبقري (نجيب محفوظ) والمبدع (حسين كمال).
يقول (أنا نص مسطول ونص ميت)، ويغلق بشاشة حمراء بتسلسل ودلالات الدم والموت.. هكذا كانت البداية واستعدلت على مقعدي يقظاً فأنا أمام إبداع يستحق الانتباة.
يستعرض عرض (عايش إكلينيكيا) معاناة المواطن من الفقروالظلم والمحيط حوله ونستشرف سؤال هل (نعيش إكلينيكيا؟، أم واقع تسيطر عليه المصالح والسبوبة وكأن البعض ضباع تعيش لتأكل وتفترس الآخر.
يعبر بنا المؤلف بدرجة مفكر مهموم بالوطن ومن بداخله لندرك أن الوطن مثلث أحد أضلاعه (صاب) بطل العرض البائس فلا مثلث بدونه ولاهو بدون المثلث يعتبر مواطن، غاص بنا المؤلف في سيكولوجية الضعفاء.

غاص بنا إلى دواخل الشخوص
فنجد المقاوم لحظات والمستسلم احياناً فغاص بنا إلى دواخل الشخوص ومكنونها واستطاع المبدع تأليفاً وإخراجاً ملتحف بفكر واع أن يغوص بنا في أعماق شخوص تطحن من المعاناة، وتظهر أجسادهم من تحت ملابس تفشل في ستر قسوة المعيشة.
قدم (عايش إكلينيكيا) ذلك بشكل كوميدي يقترب من العبث فقدم السواد توتالة منقوطاً بنقاط بيضاء من خلال بسمة تجعل المشاهد يستمتع بعرض يخاطب العقل ويراضي طموح اختلافات المُستقبل بحرفية مخرج مبدع استطاع من خلال اختيار الممثلين ان يبهرنا وتصل أفكاره الينا بمسرح يحترم المشاهد.
برع كل نجوم العرض البطل (مصطفي حزين) القابض على تفاصيل الشخصية البائسة المطحونه وتألق (جمال عبد الناصر) فقدم في أكثر من شخصية أداء ملفت مدرك لتفاصيل كل منها بملابسها وخباياها وثقافتها مستخدماً كل أدواته في التعبير بحرفية.
وأظهر عرض (عايش إكلينيكيا) ممثل أعتقد بل أملك ما يقترب من يقين أنه أحد نجوم التمثيل في الفترة القادمة تذكروا معي (محمد مبروك يوركا)، الحضور والمهنية والكوميديا الراقية.
كانت (نهلة كمال) أكثر من رائعة غاصت في كل شخصية وتألق المبدع (ياسر أبو العينين) أداء واعي لدور مركب.. أبدع أيضاً (ميدو جبر وعبد الرحمن علي ومحمود سيد).
احترامي لكل من شارك في هذا العمل اهتماماً وإدراكاً جاء من عظمة وقيمة النص الباذخ الواعي الذي يقدم قيمة مضافة مدركاً لماهية المسرح فكان الإرسال من النجوم يقابلة استقبال من الجمهور موازي.

عرض (عايش إكلينيكيا)
وبقدر عظمة هذا الإرسال المشرف فوقف الجمهور بعد العرض يقدم التحايا والتقدير لكتيبة من عظماء يستحقون كل الاهتمام والتقدير والملفت أن يستشعر ذلك المبدع (خالد جلال)، ويقرر أن يمتد عرض (عايش إكلينيكيا) لفترة أخرى
أرى أن المسرح هو مرآة المجتمع فقد قرأت كثيراً عن تاريخ المسرح المصري العريق وكيف اهتمّ كبار نجوم التمثيل به فمنذ (چورچ أبيض، سيد درويش، يوسف وهبي، نجيب الريحاني، علي الكسا)، إلى (توفيق الحكيم سعد الدين وهبه، نعمان عاشور، عبد الرحمن الشرقاوي، محمود دياب..
تاريخ عريق كبير ساهم في تنمية الوعي وشارك معظم نجوم تلك المرحله بدعم المسرح بما يملكون من مال وجهد لإدراكهم قيمة وما هية المسرح.
ثم ها هو النجم الكبير (يحيى الفخران) رغم تهافت كل منتجين الدراما عليه نجده وهو يقف يومياً علي خشبة المسرح القومي ليقدم رائعة شكسبير الملهمة (كينج لير)، والتي تتحدث عن عقوق الأبناء للمرة الثالثة.
أعتقد أنه الوعي بقيمة الكلمة وعظمه الوقوف على المسرح واستقبال مردود التقدير من الجمهور في نفس اللحظة.. إنها متعة يعرفها عشاق المسرح وأعتقد نجوم (عايش إكلينيكيا).
تحية تقدير واحترام للنجم (يحيى الفخراني) ولنجوم عرض أكد أن مصر والمسرح والجمهور المصري بكل خير.. مصر تنطلق وتستحق.