


بقلم الكاتب الصحفي: أحمد السماحي
منذ أيام طالب السيد (الرئيس) عبدالفتاح السيسي، بضرورة حماية والحفاظ على تراث الإذاعة والتلفزيون المصري، من خلال تحويل جميع الأشرطة الإذاعية والتلفزيونية التابعة للهيئة إلى وسائط رقمية، واستثمار هذا المحتوى ضمن المنصة الرقمية المزمع إنشاؤها قريبا بالهيئة الوطنية للإعلام.
جاء هذا في اجتمع السيد (الرئيس)، مع الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والكاتب أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، واللواء محسن عبد النبي، مستشار رئيس الجمهورية للإعلام.
والحقيقة أنني بعد أن علمت بتوجيهات السيد (الرئيس) تمنيت أن تكون هذه التوجيهات جاءت قبل 40 عاما، قبل أن يتم نهب وسرقة التراث التليفزيوني، والإذاعي.
وإن كان التراث الإذاعي لم يسرق كاملا كما حدث للتراث التليفزيوني الذي تعرض للسرقة من العاملين والمسئولين في التليفزيون في عصور سابقة.

قناة التليفزيون العربي
الدليل على سرقة التراث التليفزيون، أن التليفزيون المصري عام 2009 قام بتدشين مشروع رائع ممثلا في قناة خاصة بالتراث أطلق عليها (التليفزيون العربي) حققت نجاحا ساحقا بقيادة الإعلامي الشهير(عمر زهران).
لكن هذه القناة الوليدة لم تستمر سوي أسابيع قليلة، وتوقفت في ظروف غامضة! وعندما تفحصت الأمر متسائلا: لماذا توقفت هذه القناة الوليدة التي جعلت الناس تتسمر في بيوتها أمام شاشة الأبيض والأسود عازفة عن سحر الألوان وبهرجة التكنولوجيا الحديثة.
وأعادت للمشاهدة حفاوتها وجمالها وبريقها المستمد من زمن الفن الجميل؟! كانت المفاجأة المؤسفة المذهلة أنه لا يوجد شرائط تعرض للجمهور!.
حيث اكتشف المسئولون بماسبيرو سرقة غالبية التراث التليفزيوني المصري، حيث كانوا يجدون (علب) المسلسلات موجودة ومكتوب عليها إسم المسلسل، لكن عندما يفتحون (العلبة) نفسها يجدونها فارغة.
هكذا تم سرقة التراث التليفزيوني في عهود سابقة يا سيدة (الرئيس)، وفي غيبة من الوعي والضمير استقر في مغارة الخليج، أوفي قلب صقيع لندن، ولتتأكدوا تابعوا برامج الوثائقيات على معظم الفضائيات العربية.
ستجدونها مليئة بمشاهد من جنازات المشاهير المصريين، وحوارات رائعة وبصورة ممتازة مع نجوم الفن والأدب والسياسة مسروقة من التليفزيون المصري.
ماسبيرو زمان
من يريد التأكد أيضا على سرقة التراث التليفزيوني المصري عليه أن يتابع قناة (ماسبيرو زمان) التى حلت مكان قناة (التليفزيون العربي)، والتى فقدت بريقها تماما بعد أن أعلنت إفلاسها الفني من خلال تكرار بعض المسلسلات والبرامج القليلة التى لم تتعرض للسرقة.

1500 مسلسل تليفزيوني
رغم أنه كان من المفروض أن يكون لدينا الآن ألاف من المسلسلات، وألاف من البرامج، لأن بحسبة بسيطة نجد أن التليفزيون المصري بدأ إنتاج مسلسلاته منذ عام 1960، أي منذ 65 عاما.
ولن نحسب مسلسلات السنوات الأولى التى كانت يعرض معظمها على الهواء مباشرة، لكن منذ عام 1963 بدأ تسجيل المسلسلات، أي أننا من المفروض لدينا مسلسلات مسجلة منذ عام 62 عاما.
وكانت المسلسلات في الماضي عبارة عن سباعيات، أومسلسلات تتكون من 13 حلقة، أي أن في الشهر كان يعرض مسلسلين.
ولن نقول أكثر ولن نتحدث عن السهرات التليفزيونية، ولا الأفلام التليفزيونية، سنتحدث فقط عن المسلسلات أي كان من المفروض أن يكون لدينا في السنة 24 مسلسل، أي حوالي 1500 مسلسل تليفزيوني، ومثلهم برامج تليفزيونية الآن.
والسؤال أين هذا الكم الرهيب من المسلسلات والبرامج، وكل ما يعرض في قناة (ماسبيرو زمان) لا يتعدى ثلاثين أو أربعين مسلسل ينتهي عرض أحدهم، تجده بعد أسابيع يعرض مجددا، والأجابة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)!.
ولقد كتبت في جريدة (الأهرام) عام 2016 موضوع عن هذه السرقات التليفزيونية والإذاعية، تحت عنوان (كنوز الدراما والأغنية مدفونة في مغارة الخليج) وحقق قراءات عالية جدا، ولم يهتم أحد من موظفين التليفزيون كالعادة بما كتبته!.


كمال الشناوي وعيون الحب
يهمني ونحن نتحدث عن سرقة التراث التليفزيوني والإهمال الذي تعرض له، أن أحكي تجربة شخصية كنت شاهدا عليها، حيث كانت تربطني بالنجم السينمائي الكبير(كمال الشناوي) علاقة صداقة وطيدة.
وأسعدني الحظ بالاقتراب منه، وقمت بإجراء العديد من الحوارات، والحلقات معه عن مشواره الفني العريض علي صفحات مجلة (الأهرام العربي) وفي (الأهرام) وفي (الحياة اللندنية) وفي (القاهرة) و(الشرق القطرية) وغيرها.
وأذكر أنه قبل رحيله بسنوات كان يتمني أن يعاد عرض مسلسله الرومانسي الرائع (عيون الحب) علي شاشة التليفزيون المصري، خاصة أن هذا العمل هو أول مسلسل قام ببطولته بطريقة التليفزيون عام 1976، بعد عدة مسلسلات فيلميه.
وشاركه بطولة المسلسل، الفنانة القديرة (سناء جميل، والعظيمة نعيمة وصفي)، فضلا عن الفنان الكبير كمال حسين، ومجموعة كبيرة من النجوم الشباب والجدد في هذا الوقت منهم (هناء ثروت، وشيرين، المنتصر بالله، محمد كامل) وغيرهم، وقام بإخراج العمل إبراهيم الشقنقيري.
وقتها اتصل (كمال الشناوي) أمام عيني، وتحديدا في عام2000 بالمسئولين في التليفزيون وطلب منهم عرض مسلسله الذي يعتز به، والذي كان من إنتاج (مؤسسة الخليج للأعمال الفنية)، وتم إهداء نسخة منه بالمجان للتليفزيون المصري.
لكن في كل مرة كان يتصل (كمال الشناوي) بهؤلاء الموظفين كان الرد المعتاد الذي يأتيه بصفة مستمرة: (حاضر بإذن الله سيعرض).
وبعد عدة اتصالات رد عليه أحد المسئولين (ببجاحة) يحسد عليها قائلا: (آسفين يا أستاذنا، لن نستطيع عرض المسلسل لأنه سجل عليه برامج نظرا لنقص الأشرطة في مكتبة التليفزيون!).
يومها اتصل بي الراحل الكبير وهو يكاد يبكي من هول صدمة ما حدث، وسارعت بالذهاب إليه فوجدته في حالة نفسية سيئة، مصحوبة بإحباط شديد، علي أثر محو أحد روائعه الدرامية، و أحد الأعمال التي يعتز بها في تاريخه الفني!
بعدها ومع انتشار الفضائيات العربية، وموقع الفيديوهات الشهير(اليوتيوب) وجدت مسلسل (عيون الحب) يعرض على قناة (دبي زمان)، وطلبت منه أن يشاهده، وبالفعل شاهده وكان سعيدا جدا بوجوده وعرضه.
وفي نهاية الجزء الأول من هذه القضية الخطيرة لا أملك إلا أن أقول للسيد (الرئيس): (لا حول ولا قوة إلا بالله في أحفاد أضاعوا تراث الأباء والأجداد).
وأصبح حلم استعارة فنون الزمن الجميل ضرباً من ضروب الخيال، فاستحقوا السخرية من فنون تضعهم في ذيل الأمم!!. وللحديث بقيةّ!
رائع جدا يا مبدع. فعلآ رحم الله التراث الإعلامي المغتصب الذي نشأ جيلنا عليه وأثر فينا فهذب أخلاقنا وأنضج عقولنا ومنحنا أدبيات التذوق والإبداع . تحياتي وإعجابي