رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

من يدفع للزمار.. عن استبعاد (تركي آل شيخ) الفنانين المصريين

من يدفع للزمار.. عن استبعاد (تركي آل شيخ) الفنانين المصريين
في هذه المواجهة الخفية، استخدمت الرياض استراتيجية (ليّ الذراع) عبر (تركي آل شيخ)
من يدفع للزمار.. عن استبعاد (تركي آل شيخ) الفنانين المصريين
محمد الروبي

بقلم الكاتب والناقد: محمد الروبي

أعادني القرار الأخير لـ (تركي آل شيخ) باستبعاد الفنانين المصريين من المشاركة في (موسم الرياض)، بعدما كانوا الركيزة الأساسية لهذه الفعاليات، إلى بدايات تدخله في عالم الفن والرياضة، وخصوصًا في كرة القدم المصرية.

تذكرت حين سألني أحد الأصدقاء عن تفسير هذا التدخل المتكرر من رجل يدعى (تركي آل شيخ) يشغل منصبًا وزاريًا سعوديًا في الساحتين الرياضية والثقافية المصرية، أنني أجبتُه مباشرة: لفهم طبيعة هذه السيطرة، لا بد من العودة إلى كتاب صدر في آواخر تسعينيات القرن الماضي، نال شهرة واسعة بعد ترجمته إلى العربية، وهو (من يدفع للزمار).

من يدفع للزمار.. عن استبعاد (تركي آل شيخ) الفنانين المصريين
يكشف الكتاب أن الدعم الثقافي لم يكن مجرد ترويج للفن، بل كان استثمارًا سياسيًا استراتيجيًا

السيطرة على الرسائل الثقافية

تقدم الباحثة البريطانية فرانسيس ستونور سونديرز في كتابها كشفًا وثائقيًا عن الدور الخفي لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في توجيه المشهد الثقافي خلال الحرب الباردة.

كانت وكالة المخابرات تستخدم منظمة تدعى (من أجل الحرية الثقافية)، مقرها باريس، لتمويل مئات الكتاب والمفكرين والمجلات الفنية والمهرجانات في أوروبا وأمريكا والعالم، بغرض نشر قيم الليبرالية الغربية ومواجهة النفوذ السوفييتي.

يكشف الكتاب أن الدعم الثقافي لم يكن مجرد ترويج للفن، بل كان استثمارًا سياسيًا استراتيجيًا، حيث صُممت هذه المنصات لتشكيل خريطة فكرية تخدم المصالح الأمريكية.

فالفنان أو المثقف يصبح جزءًا من منظومة تُوجَّه من مراكز القرار، ومن يدفع للزمار هو من يحدد الإيقاع.

والآن، ما علاقة هذا الكتاب بما فعله (تركي آل شيخ) في مصر؟

في رأيي، يعد (تركي آل شيخ) نموذجًا حديثًا لصراع النفوذ عبر القوة الناعمة، بدأ تدخله في المجال الرياضي بمحاولات السيطرة على النادي الأهلي، النادي الأكثر شعبية وتأثيرًا في البلاد، والذي يمثل رمزًا جماهيريًا وطنيًا.

لم يقتصر الأمر على (الأهلي)، بل استثمر بشكل مكثف في نادي إقليمي سابق يُعرف باسم (الأسيوطي)، وحوّله إلى نادي (بيراميدز)، في محاولة لبناء فريق يرتبط بمصالحه ويتحكم في المشهد الرياضي بعيدًا عن تأثير الجماهير.

لكن (تركي آل شيخ) واجه رفضًا واسعًا من الجمهور، وتعرض لسخرية علنية، ما دفعه للتخلي عن استثماراته الرياضية وبيع النادي لمستثمر إماراتي لا يبتعد عن توجهاته في فرض النفوذ.

من يدفع للزمار.. عن استبعاد (تركي آل شيخ) الفنانين المصريين
توجه (تركي آل شيخ) إلى عالم الفن، مستهدفًا بناء قاعدة ثقافية تُعزز النفوذ السعودي في المنطقة

عالم الفن: تفريغ وتوظيف

توجه (تركي آل شيخ) بعد ذلك إلى عالم الفن، مستهدفًا بناء قاعدة ثقافية تُعزز النفوذ السعودي في المنطقة.

بدأ باستقدام كبار الفنانين المصريين للمشاركة في حفلات الرياض، ومنح البعض منهم الجنسية السعودية، مع الاعتماد شبه الكامل على العازفين المصريين الموهوبين بمكافآت كبيرة، الأمر الذي فرّغ فرق الأوبرا المصرية من أبرز عازفيها.

ثم فجأة أعلن استغنائه عن الفنانين المصريين، واستبدالهم بفنانين من السعودية ودول عربية وأفريقية، في خطوة أثارت العديد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءها.

في تقديري، وراء هذه الخطوة المفاجئة يكمن خلاف سياسي عميق بين السعودية ومصر حول مشروع أو توجه ترفضه مصر وتحاول السعودية فرضه.

ضمن هذه المواجهة الخفية، استخدمت الرياض استراتيجية (ليّ الذراع) عبر (تركي آل شيخ): أولًا بشراء الفنانين المصريين وإغراءهم بمكافآت سخية، لتفريغ الساحة الفنية في مصر تدريجيًا.

ثم ثانيًا بقرار الاستغناء عنهم فجأة، تاركًا إياهم في أزمة حقيقية عند عودتهم إلى مصر، حيث لم يعد من السهل دمجهم في المشهد الفني المحلي.

وهكذا تصور (تركي آل شيخ) ومن معه أن هذه اللعبة الاستراتيجية ستترك بالضرورة آثارًا داخلية تمزق المشهد الفني المصري، ويستخدمونها كأداة ضغط سياسية لزعزعة أحد أهم روافد القوة الناعمة في مصر.

من يدفع للزمار.. عن استبعاد (تركي آل شيخ) الفنانين المصريين
ينبغي مراقبة التدفقات المالية والتجارية التي تؤثر على المشهد الثقافي

استعادة الأرض والهوية

في تصوري، يجب أن يكون الرد المصري على هذه المناورة المعقدة متكاملًا ومتعدد الأبعاد: يبدأ ذلك بدعم الفن المصري داخليًا، وتعزيز مكانة الفنانين والفرق المحلية، والعمل على استعادة المواهب التي تعرضت لضغوط الخارج، مع ضمان استقلالية المشهد الفني بعيدًا عن أي تبعية خارجية.

كذلك، ينبغي مراقبة التدفقات المالية والتجارية التي تؤثر على المشهد الثقافي لمنع استغلال الفن كأداة للضغط السياسي.

إلى جانب ذلك، يتعين على مصر بناء تحالفات ثقافية وفنية مع دول صديقة لتوسيع آفاق التعاون وتنويع مصادر الدعم، ما يحد من هيمنة أي طرف واحد.

وقبل كل ذلك وبعده، علينا أن نؤمن إيمانًا حقيقيًا بأن الفن هو مرآة الهوية الوطنية ومنصة حيوية للصراع على الوعي والنفوذ.. وأن أي محاولة للتلاعب به يتطلب ردًا شاملاً يضمن الحماية والاستقلالية، ويعيد بناء المشهد الفني كمصدر قوة وإلهام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.