
بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
هل تنقل الكاميرا ملامح أخرى غير ملامح الشخصية الحقيقية لصاحبها؟!
كيف تحمل هذه الملامح طابع الشر، بينما صاحبها في غاية من الطيبة؟!
أم أن هناك قدرات غير عادية، تمكن الممثل من تقمص الشخصية أن يصبغ ملامحه بلونها بل ويصبح أحد مشاهير البارعين غي تجسيدها؟!.. هذه الأسئلة دارت في ذهنى ذات مرة رأيت فيها الممثل الراحل (سيد صادق) رحمه الله، والذي وافته منيته يوم الجمعة الماضي.
كان اللقاء مصادفةً في مكتب صديق مشترك وقد تعرفت على الممثل (سيد صادق) بمجرد أن وقعت عينى عليه، فهو من الوجوه المألوفة على الشاشة، ولكنه من تلك النوعية التى تعرف وجوههم ولا تعرف أسماءهم مع أنهم من أساسيات الأعمال الفنية ممن يقفون في الصف الثاني وراء نجوم الشاشة.
فهم هؤلاء الذين تسمع أسماءهم لأول مرة فتستغرب وقع الاسم على أذنيك، لكن ما أن ترى صورة أحدهم أو يذكرك أحد بدور مشهور له، فتهتف متعجبا (آه.. بقى هو ده؟!).
أولئك يا صديقي هم (مظاليم الشاشة).
فهذه النوعية من الممثلين مثل (سيد صادق) هى التى تؤكد، فإن نجومية الشاشة لها شروط أخرى وليس شرطاً أن يكون من بينها الإتقان!.
فعلى الشاشة لا تشك ولو للحظة في أن (سيد صادق)، رد سجون ومن عتاة الإجرام، فهو إن ارتدى زياً شعبياً فهو مجرم عتيد الإجرام، وإذا ارتدى ملابس أنيقة وأمسك بسيجار فخم، فهو لحد أعضاء المافيا الدولية.
ولكن في أدوار قليلة ظهر بشخصية إنسان طيب، فتمكن من إثبات أنه ممثل قدير بارع في نقل الشخصية من الورق إلى الواقع كما أرادها المؤلف، وغالب ظنى أن هذه الشخصية أقرب إلى واقعه الحقيقي.

آثار الإجرام على وجهه
لكن الكاميرا رأت فيه أنه أكثر مناسبة لأدوار الشر وهى التى نراها في الصورة التقليدية للمجرم من ضخامة ملامح الوجه، مع وجود آثار الإجرام على وجهه ممثلة في أثر ضرب ببشلة أو مطواه في وجهه، وعند صادق كانت هناك علامة واضحة فوق أنفه أعلى التقاء حاجبيه الكثيفين، أغلب الظن أنها أثر لإصابة قديمة، ولكنها خاتم الاعتماد لدور المجرم التقليدي!
غير ان هذه الصورة السينمائية للمجرم والتى تلتزم بالملامح الحادة وآثار التشوه، أو في النظرة الذئبية إن لم تكن الملامح قبيحة أو أصابها بعض التشوه!.
فكم من ممثلين يتفوقون في القدرة على التشخيص على نجوم كبار، لكن النجومية والشهرة ليس لها معايير ثابته في الصعود والثبات.
عرفت من صديقي المشترك معه أن الأستاذ (سيد صادق)، صاحب شخصية في غاية الطيبة والوداعة وعلى عكس ما يظهر على الشاشة تماماً، ولم يكن هذا بالأمر الغريب، فمن المعروف في الوسط الفنى أن غالبية نجوم الشر على الشاشة، يحملون صفات على العكس تماماً.
فهناك مثلاً شرير الشاشة العظيم (توفيق الدقن)، لم يكن به أى أثر لهذا الشر الذي أبدع في تجسيد شخصياته، بل على العكس سبب له إتقان أدواره مشاكل لا حصر لها لأن الناس يخلط ن بين الواقع و التمثيل، ولعل هذا كان بمثابة شهادة معتمدة، لكنها بشكل غير مباشر من الجمهور ببراعة الفنان!.
فمن بين نجوم الشر على شاشات السينما والتلفزيون، كان أشهرهم وأشرسهم، الأستاذ (توفيق الدقن) مشهوراً في الواقع بخفة الدم وأنه (ابن نكته) وصريح وواضح، إلى درجة يصدق فيها وصف المثل الشعبي لصاحب الشخصية الطيبة (اللى في قلبه على لسانه).
مثله في ذلك مثل شرير الشاشة الكبير (عادل أدهم) الذي كان يوصف بأنه ابن نكته،
وقد سبقهما الفنان الراحل (عباس فارس) الدقن في ذلك، لكن بشكل آخر، حيث كان فارس وهو الذي كان في غاية الشراسة في كثير من أدواره السينمائية.
في حياته الحقيقية، رجلاً تقياً شديد التدين، لا يفوت فرصة لوعظ الناس في أي مناسبة حتى أنه كان يقوم خطيباً في الحدائق والمنتزهات بين جلسائه ليعظهم ويذكرهم بأمور دينهم، وهذا ما كان يسبب له مواقف طريفة عندما يلمحون إلى أدواره على الشاشة التى تتناقض مع واقعه حتى أن أحد الناس استمع إليه مرة وهو يخطب في رواد حديقة عامة.
فسأله كيف يعظ الناس وبالأمس شاهد له مشهداً في فيلم كان يجلس فيه على مائدة قمار؟!.

الفنان (محمود المليجي)
كما شهد كثيرون بأن الفنان (محمود المليجي)، لم يكن هناك أي أثر للشر في شخصيته الواقعية ومعاملاته مع الناس، بل كان فرط طيبته أحياناً يبلغ حداً يقترب به من السذاجة، كما وصفه بذلك المخرج الراحل يوسف شاهين!.
وقس على ذلك كثيراً من عظماء فن التمثيل وربما يأتى على رأسهم الفنان (زكى رستم) الذي وهب حياته كلها لفنه حتى عاش في شبه عزلة عن الناس متفرغاً لفنه!.
ربما لا تصدق أن الفنانتين نجمة إبراهيم ذات النظرة المرعبة.
وزوز حمدى الحكيم صاحبة أدوار الشخصية المتسلطة واللتين جسدنا بكل براعة شخصيتى (ريا وسكينة) حتى أننا لا يمكن ان نتصورهما بعيدا عنهما، لم يكن في طباع أى من هاتين الفنانتين القديرتين، أي أثر للطباع الشرسة كما يبدو عليهما!
فكأنه لا يجيد تشخيص الشخصيات الشريرة، إلا الودعاء الطيبون من الممثلين والممثلات!.
وقد فقدنا واحداً منهم أجاد تجسيد كل دور يسند إليه، ابن بلد، زعيم عصابة، موظف، قسيس، وأحياناً في ادوار كوميدية خفيفة!
وتعودنا أن نرى (سيد صادق) في أدوار الشر التى كان يجيدها حتى التصقت به، لكنه مع الأسف كان قليل الحظ في شهرة الاسم مع أن وجهه معروف للجمهور!.
لكن (سيد صادق) ممثل بارع ولو حالفه الحظ قليلاً لزاحم نجوم الشر مكانهم، لكنه على أى حال، كان مخلصاً في أداء أدواره، وإخلاصه هذا مكن له إعجاب الجماهير به ولاح ذاك في موجة حزن لفقده جلللت أخبار الفن في المواقع الإلكترونية، تجاوبت معها عوالم التواصل الاجتماعي، وانتشرت صوره على كثير من الحسابات على فيس بوك تستنزل الرحمات على وفاة شرير الشاشة الوديع!