بهاء الدين يوسف يكتب: من (وفاء عامر) إلى (رمضان).. انتبهوا أيها السادة

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
الحملة الشرسة التي تتعرض لها الفنانة (وفاء عامر) منذ أيام، واتهامها دون دليل بالعمل في تجارة الأعضاء، وترويج ذلك الاتهام والسخرية منها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتعامل معه باعتباره حقيقة راسخة، يثير الكثير من الحيرة المقرونة بالقلق.
حملة (وفاء عامر)، إلى جانب الانفجار الذي وقع خلال حفل (محمد رمضان) الغنائي، وأدى إلى مقتل أحد العاملين في المسرح، ثم ما قاله (رمضان) بعد ذلك من أن التفجير كان محاولة لاغتياله، إذا وضعناهم في طابور طويل من الأحداث المؤسفة التي يحفل بها الوسط الفني في الفترة الأخيرة، يمكن أن نصل إلى استنتاج شعاره: انتبهوا أيها السادة.
استنتاجي ببساطة أن هناك حالة تربص بالفن المصري ونجومه، هدفها إبطال فاعلية واحد من أهم أدوات القوة الناعمة المصرية، إذ لا يبدو لي أن تكرار الحوادث والأزمات، ثم انطلاق حملات منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي للتشهير بالفنانين المصريين الذين يُزعم تورطهم فيها مثل (وفاء عامر) مجرد مصادفات سيئة فقط.
إذا لم تكن تصدق ذلك، فهل يمكن أن تقول لي كم خبرًا فنيًا قرأته في الفترة الماضية، يتحدث عن أعمال فنية جديدة، أو أخبار عن نشاط فني محض لفنانين من مختلف مجالات الفن؟، غالبًا لن تتذكر – مثلي – بينما في المقابل يمكن أن تتذكر ببساطة عشرات الأزمات والحوادث التي تخص الفنانين.. وحتى لو وجدت خبرًا بعيدًا عن ذلك، ستجده نقدًا لسلوك فنان وتصرفاته غير اللائقة بسنه أو بفنه أو حتى ببلده.

مبررات لما يحدث
تلك الحملات تبدو وكأنها كانت في وضع الاستعداد، مثل عدائي المسافات القصيرة، لتنطلق بأقصى قوة فور حصولها على إشارة البدء، التي تأتي دائمًا بعد دقائق قليلة من إطلاق الشائعة أو الكشف عن واقعة معينة، مما يعني بالنسبة لي أن الأمر كله لا يحدث بالصدفة، وإنما هناك لجان كاملة تنسق فيما بينها وتوزع الأدوار للقيام بمهمة التشويه بأفضل شكل احترافي.
ربما أكون من المتأثرين بالفكر التآمري، ولكم أن تناقشوني في هذا الاستنتاج بالموافقة أو التعديل، وكذلك الرفض الكامل له، لكن عليكم أن تجدوا مبررات لما يحدث، خصوصًا قصة (وفاء عامر) الأخيرة.. لأنني بحثت طويلًا، وسألت كثيرًا عن سبب انطلاق الحملات ضدها، ووصمها بالتورط في تجارة الأعضاء لمجرد أن بلوجر باحثة عن الشهرة أطلقت الاتهام دون دليل.
ربما يرى البعض أن استقبال المصريين للاتهام وترويجهم له، والتعامل معه باعتباره حقيقة دامغة، جزء من تركيبتهم الاجتماعية التي ترحب بالشائعات، وتفرد مساحة واسعة للهبد والفتي لكل من هب ودب، وهو مخرج لا يخلو من الوجاهة.
لكن كيف؟ ومن أعطى الشرارة التي استقبلها عشرات الآلاف من المصريين على السوشيال ميديا، ونفخوا فيها حتى أصبحت نارًا موقدة يصعب إطفاؤها؟، وإذا كان الأمر عفويًا، وناتجًا عن أن (وفاء عامر) لا تحظى بمشاعر ودية لدى قطاع غير قليل من الجمهور لأسباب لا أعرفها، فلماذا كان هناك إهمال وتجاهل واضح في إبراز براءتها لاحقًا؟

القبض على البلوجر صاحبة الشائعة
صحيح أن هناك نظرية في علم النفس يُطلق عليها (انحياز التثبيت أو Anchoring Bias) وهى تقول إن الإنسان غالبًا ما يصدق أول رواية يسمعها، ثم لا يهتم بعد ذلك بالنفي مهما تكرر.. لكن حتى النفي لم أجده منشورًا، مثلما لم أجد ترويجًا لخبر القبض على البلوجر صاحبة الشائعة، واتهامها بنشر أخبار كاذبة.
المصيبة الكبرى أن معدات الدفاع عن الفن المصري معطلة، من وسائل إعلام ومقدمي برامج وصحفيين فنيين موثوقين.. بعضها تم تعطيله بفعل فاعل، بسبب تضييق مساحة التأثير عليه، لأنه ليس عضوًا في إحدى الشلل التي تتحكم في الإعلام المصري، والأغلبية معطلة بسبب فقدان المصداقية الكاملة لدى الجمهور.
في أزمة (وفاء عامر) الأخيرة على سبيل المثال، اكتشفت أنها ظهرت في الأيام التي تلت إطلاق الاتهام ضدها في العديد من البرامج التي تُبث على الفضائيات المصرية (إياها)، بنفسها أو عبر مداخلات هاتفية. لكن المفارقة أن أحدًا لم يشعر بهذه المداخلات، ولم أجد كلمة واحدة تقريبًا مما قالته منشورة على مواقع التواصل.
هذا يعني أن التحدث والظهور في برامج القنوات المصرية لا يختلف كثيرًا عن بناء قصور من الرمال على شواطئ البحر في الصيف.. ويظن من بنوها أنهم حققوا إنجازًا سيظل محفورًا في التاريخ، حتى تأتي أول موجة قوية لتبدد أوهامهم وتعيدهم إلى أرض الواقع.