
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
قبل أن نكمل حديثنا حول المجلس الأعلى للثقافة لابد أن نتوقف لحظات لنوضح أن مفهوم (الثقافة) الذى نقصده ليس (مجموعة المعلومات التى نقرأها فى الكتب)، أو (الاطلاع على الإنتاج الأدبى اوالفنى أو الفلسفى أو ما شابه)، أو أنه (معرفة مجموعة مصطلحات أجنبية).
بل نتكلم عن (الثقافة) بمفهومها المتسع مترامى الأطراف، والذى لا نملك له تعريفا وحيدا أو نهائيا، ولكنه بشكل عام وفى أبسط العبارات: (مجموعة العادات والتقاليد والقيم لمجتمع ما.
وهى مجموعة المعارف المكتسبة بمرور الوقت سواء كانت مادية كالعلوم والتكنولوجيا والأنماط المعمارية أو غير مادية مثل الأساطير والفنون والطقوس ومبادئ التنظيم الاجتماعي، والثقافة تتم من خلال ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية، فالثقافة عملية مجتمع بأكمله يتشارك فيها الجميع وليس وزارة (الثقافة) وحدها.
و لهذا جاء القانون رقم 138 لسنة 2017 بشأن إعادة تنظيم المجلس الأعلى للثقافة متسقا مع هذا المفهوم، فلم يعد المجلس – حسب القانون – يعمل على إتاحة المواد الثقافية في شتى مجالات الفنون والآداب ونشرها بكل الوسائل وربطها بالقيم الروحية والإنسانية و تيسير سبل الحصول على الثقافة لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي أو غير ذلك.
و انما أصبح المجلس (عقل مصر الثقافي) الذى يقوم بتخطيط السياسة العامة للثقافة، في حدود السياسة العامة للدولة، والتنسيق بين الأجهزة الثقافية في أوجه نشاطها المختلفة، وعليه من أجل هذا إصدار التوجيهات والتوصيات إلى الهيئات الأهلية العاملة في ميادين (الثقافة) بما يتفق والسياسات العامة المقررة في هذا الشأن.
لم يعد المجلس مختصا فقط بتحديد مقاييس الجودة ومعاييرها في مختلف نواحي الإنتاج الفكري في مجالات (الثقافة) المختلفة، وتوحيد الأسس التي تقوم عليها المسابقات والمنح والجوائز التقديرية والتشجيعية، كما يتولى منح هذه الجوائز والمنح.
إنما على المجلس رعاية الإبداع الفكري والفني، وحماية حقوق التأليف والأداء، ورعاية المجامع والجمعيات العلمية والثقافية، وتوفير الظروف المناسبة لها لتحقيق أهدافها، والاهتمام بثقافة الطفل، والعمل على تنمية مواهبه وتشجيع قدراته لإعداد جيل من الشباب الوطني.

تشجيع الأعمال الفنية الرفيعة
وتشجيع الأعمال الفنية الرفيعة، ودعم الخدمات الفنية التي تؤدي للتجمعات الطلابية والعمالية وقطاع الفلاحين في القرى، والمشاركة بالعمل في سبيل وصول (الثقافة) بجميع أنواعها إلى هذه القاعدة العمالية العريضة، وإعطاء أهمية خاصة في نشر الثقافة بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجا.
فهل يقوم المجلس حقا بدوره من خلال وزارة (الثقافة) بكل هذه المهام؟، هل حقق العدالة الثقافية ونشر (الثقافة) في المناطق النائية؟، هل راعى وصول الثقافة بجميع أنواعها للقاعدة العمالية العريضة؟.
وإذا كان لم يفعل فعلى الأقل هل اعترض على إغلاق بعض الأماكن الثقافية لأنها مؤجرة؟.. هل ناقش كيفية تنشيط تلك المواقع و تحريك المياه الراكدة فيها بدلا من اغلاقها تحت دعوى أن نشاطها محدود و تأثيرها معدوم؟
لا ننكر أن لوزارة (الثقافة) جهودا مشكورة من خلال فرقة المواجهة والتجوال و في مجال الطفل من خلال جائزة المبدع الصغير، و لكن المجلس لم يحرك ساكنا ضد قرارات وزارة المالية التي ستقضى على الإبداع مثل منع الدعاية للاعمال الفنية أو مثل (الفاتورة الإلكترونية) التي ستمنع أبناء المناطق النائية و الفقيرة من ممارسة هواياتهم.
بل إن القانون أوكل إلى المجلس وضع ميثاق شرف للعمل الثقافي في مختلف مجالاته، والإشراف على تنفيذه، وضمان الالتزام به، فأين هذا الميثاق؟ ولماذا لم يصدر منذ صدور القانون في 2018 و حتى الآن؟
ولا يقتصر عمل المجلس على العمل الثقافي داخل وزارة (الثقافة)، بل يتعداه الى التدخل في أعمال وزارات أخرى مثل (اقتراح أوجه التطوير في برامج التعليم وأساليب نشر الوعي الثقافي والتذوق الفني في مختلف المراحل التعليمية بالمدارس والجامعات)، وهو ما يدخل في نطاق عمل وزارات التعليم و التعليم العالى ووزارة الشباب.

أساليب إدماج (الثقافة)
بالإضافة إلى (اقتراح أوجه التطوير في البرامج الإذاعية والتليفزيونية، والتوصية لدى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وغيره من الهيئات والأجهزة والجهات المعنية بأساليب إدماج (الثقافة) والفنون في المواد المذاعة صوتيا ومرئيا).
و لهذا نص القانون على ان يتشكل المجلس برئاسة الوزير المختص بالثقافة وعضوية كل من وزراء: السياحة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي، والآثار، والشباب والرياضة، إلى جانب أمين عام المجلس الأعلى للثقافة ممثلا لوزارة الخارجية، ممثل لوزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري.
ممثل للمجلس الأعلى للجامعات يختاره هذا المجلس، رئيس اتحاد الكتاب، نقيب الفنانين التشكيليين. نقيب المهن التمثيلية، نقيب المهن السينمائية، نقيب المهن الموسيقية، رؤساء الهيئات الثقافية التابعة لوزارة (الثقافة)، رؤساء القطاعات والبيوت الفنية التابعة للمجلس الأعلى للثقافة.
فهل سمعنا يوما للمجلس صوتا في امر يخص التربية والتعليم سواء على مستوى المناهج أو طرق التدريس أو حتى (هوجة التغييرات) الدائمة و الدائرة داخل العملية التعليمية خاصة و أن لديه لجنة مختصة بالتربية؟
هل سمعنا اعتراضا من لجنة الفلسفة في المجلس ضد إيقاف تدريسها؟، بل إن بروتكول التعاون ما بين وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم الخاص بمسرحة المناهج توقف بمجرد مغادرة صاحبها الدكتور جابر عصفور لمنصبه كوزير للثقافة (قبل صدور القانون).
ولم يستطع أحد إعادة العمل به حتى بعد صدوره!!، و لم تستطع كل المبادرات اللاحقة لإحياء المسرح المدرسى أن تصمد أو تمد جسور التواصل مع مسئولي النشاط المسرحى بالتربية و التعليم.
هل تم التنسيق مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام في الأمور المشتركة كما ينص القانون؟، هل اعترض المجلس على محو كل البرامج الثقافية من على خريطة القنوات التابعة للشركة المحتكرة؟
هل سعى لنشر منتج وزارة (الثقافة) الفني والثقافي على تلك القنوات؟.. الأدهى هو صمت المجلس عما يحدث في الإعلام و خاصة الإعلام الخاص والنشاط على مواقع التواصل الذى يفتقر إلى أبسط المعايير الثقافية أو حتى الأخلاقية!!
وإذا كان المجلس يقوم بدوره في تشجيع حركة الترجمة من العربية وإليها عن طريق المركز القومى للترجمة، فهل يقوم بباقى أدواره التي نص عليها القانون وهى: تعميق ديمقراطية (الثقافة) وقيم المواطنة، الحفاظ على التراث الحضاري والثقافي المصري المادي والمعنوي، والرصيد الثقافي المعاصر بمختلف تنوعاته.
الحفاظ على الهوية المصرية
إحياء التراث القديم، وتيسير اطلاع الجماهير على المعرفة الإنسانية على أن تصل الثقافة إلى أوسع قطاعات الجماهير من أجل تنمية المواهب وبناء الشخصية، والحفاظ على الهوية المصرية، وتأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والأخلاقية ومقاومة التطرف، ومكافحة خطاب الكراهية بجميع أنواعه؟
أعتقد أن المجلس لكى يحقق كل تلك المهام كان لابد وأن يضع (تخطيطا للسياسة العامة للثقافة)، و يفرضها فرضا على كل الوزارات المشاركة فيه بحكم القانون، وأن يضم أيضا وزارة الأوقاف: استراتيجية ثقافية لعقود قادمة يتم التوافق عليها وتصبح ملزمة لكل الأطراف ولا تنتهى برحيل المسئول الذى وضعها.
مثل ما حدث مع (المنظومة الثقافية للدولة المصرية) التى وضعها الوزير الأسبق الدكتور (جابر عصفور) ومعاونيه بمشاركة الوزارات المعنية، كأول استراتيجية متكاملة للثقافة المصرية بعد ثورة 30 يونيو، واختفت بإزاحة الوزير عن منصبه.
أعتقد لو وضع المجلس تلك الاستراتيجية الثقافية التي تكفل تنفيذ كل ما جاء في قانون إعادة تنظيمه، وتابع تنفيذها على كافة الأصعدة لكفت المجلس فخرا، ولأحسسنا بمدى أهميته في حياتنا الثقافية.