دعوة فاتن حمامه، لحسن الإمام، للذهاب إلى الأوبرا، كانت وراء مولد (فريد شوقي) فنيا!

كتب: أحمد السماحي
نحيي هذه الأيام الذكرى الـ 27 لرحيل الملك (فريد شوقي) الذي يعتبر شهر يوليو، هو شهر ميلاده، ووفاته فمولده كان يوم 30 يوليو عام 1920، ورحيله يوم 27 يوليو عام 1998، وما بين الميلاد والوفاة كانت رحلته الثرية في الحياة والفن.
والسؤال لعزيزي القارئ هل تعرف كيف دخل (وحش الشاشة) إلى السينما؟ هل تعرف أن دعوة سيدة الشاشة العربية (فاتن حمامه) للمخرج (حسن الإمام) للذهاب معها إلى الأوبرا الملكية، كانت وراء مولد (فريد شوقي) فنيا؟!
عزيزي القارئ هل تريد أن تعرف كيف حدث هذا؟، وما علاقة (فاتن حمامه) بدخول الملك (فريد شوقي) للسينما، تعالى بنا نقرأ السطور التالية التى كتبها مخرج الروائع (حسن الإمام) في مجلة (الكواكب) عام 1954.
في البداية يقول حسن الإمام: كنت أستعد لإخراج فيلم (ملائكة في جهنم)، وكان هذا الفيلم أول فيلم أخرجه، وأول فيلم في حياة كل مخرج بمثابة امتحان له أمام الجمهور، وأمام زملائه، والجمهورلا يرحم، والزملاء لا يقلون من الجمهور قسوة!
وكان في الفيلم دور رجل شرير، وليس في مصر من يستطيع أن يتقن هذا الدور إلا الأستاذ الطيب القلب (محمود المليجي)، ولهذا وضعت إسمه في أول القائمة، وسارعت لأتصل به وأروي له تفاصيل دوره، وأعجبه الدور.

700 جنيه سبب رفض المليجي
فدخلنا في مباحثات حول الأجر الذي يتقاضاه، وهنا قال الأستاذ (المليجي) أنه على استعداد لأن يقوم بالدور، ومن أجل خاطري، ولن يطلب أكثر من 700 جنية، فقلت له أن المبلغ كبير، وأن ميزانية المنتج لا تسمح له بأن يدفعه.
فقال لي أنه يعتقد أن ما يطلبه شيئ معقول، وأنني يجب أن أعرض رأيه على المنتج ليرى هو الآخر رأيه، واتصلت بالمنتج على الفور، فصعق لذكر الرقم، وقال إنه سيفلس إن دفعه كاملا!
وطلبت إليه أن يحدد رقما، ففعل، وكان مقصدي أن أحاول التوفيق بين وجهات النظر إن كان ذلك ممكنا، ولكن الرقم كان ضئيلا، فوجدت من العبث أن أدخل في مفاوضات أعرف سلفا أنها فاشلة.
بدأت بعد ذلك أبحث عن شرير آخر، وعرضت علي أسماء كثيرة، ولكنني لم أتوسم في أصحابها المقدرة على القيام بالدور، ولم أكن أستطيع المجازفة بأدوار فيلمي الأول الذي قلت لكم أنه إمتحان.
وكان بعض الهواة قد تقدموا إلى، فبدأت أجري لهم اختبارات عساي أجد ضالتي بينهم، واستغرقت هذه العملية أياما عديدة، ولكني لم أفز بطائل، فقد كانوا جميعهم يحاولون تقليد الأستاذ (محمود المليجي).
وكانت حيرة فعلا!، وذات يوم دق جرس التليفون، وكانت المتحدثة السيدة (فاتن حمامة)، وقالت لي أن معهد التمثيل العالي سيقدم حفلة تمثيلية على مسرح دار الأوبرا الملكية، وأنها تدعوني لمشاهدة الحفلة معها، ومع زوجها المخرج والزميل العزيز (عزالدين ذوالفقار).
وقبلت الدعوة، وفي المساء ذهبت إلى دار الأوبرا، وكانت حفلة المعهد تتضمن روايتين، الأولى رائعة موليير (البخيل)، والثانية رائعة انطوان تشيكوف (الجلف).

روعة الأداء في البخيل والجلف
كان أداء الطلبة لمسرحية (البخيل) أداء متقنا أثار الأعجاب، ثم بلغوا الذروة في (الجلف)، وأثار إعجابي بطل مسرحية (الجلف) كان طبيعيا لدرجة لا يتصورها عقل، وكان أدائه أخاذا في كل كلمة، وكل عبارة، وكل حركة.
ورحت أتتبعه أثناء العرض، وكلما مضت دقيقة ازددت إيمانا بأن هذا الفتى قد خلق ليكون ممثلا في المسرح والسينما، بل يستطيع أن يمثل في أي مكان أخر أن كان هناك أمكنة آخرى للتمثيل، واستقر رأيي على شيئ!.
وما إن أسدلت الستارة حتى دوت القاعة بالتصفيق، وقلت للسيدة (فاتن حمامه) وللأستاذ (عز الدين ذوالفقار) أنني سأغيب عنهما دقائق، ثم أعود، وسارعت إلى الكواليس، ووجدت البطل، فعرفت أن اسمه (فريد شوقي).
رغم أن العادة ليست أن يقدم المخرج نفسه للوجه الجديد، ولكنني فعلت، قلت للوجه الجديد (فريد شوقي): أنا حسن الإمام، وعندي دور كويس لك في السينما، وحاول (فريد شوقي) أن يخفي فرحته، فقال في لهجة كلها جد: (ماعنديش مانع!).
فقلت له: سيبدأ العمل بعد أسبوع واحد، ولهذا فأني أرجو أن تتصل بي باكر في مقر الشركة، وأعطيته التليفون والعنوان، ورجعت لـ (فاتن وعز)، وقلت لهما ما حدث، فاستحسنا تصرفي، وقالا: أن (فريد شوقي) ممثل ممتاز، وكان زميل (فاتن) أثناء الدراسة التى لم تكملها!.

اعتراض المنتج على فريد
ذهبت للمنتج لأروي له ما حدث، فعارض، وقال أنه لن يجازف بأمواله في فيلم فيه وجوه جديدة، ورحت أقنعه على غير طائل، وقررت أن أحاول مرة أخرى في صباح اليوم التالي.
وفي صباح اليوم التالي جاء (فريد شوقي)، وقدمته للمنتج، وبدا لي أنه يصر على رأيه، وجاء الأستاذ (سراج منير) والسيدة (أمينة رزق)، ورويت لهما تفاصيل ما حدث.
ويبدو أنهما كانا يعرفان (فريد شوقي) من قبل، فشهدا له، وانضما إلى في إقناع المنتج بأن يعهد بالدور إلى (فريد شوقي)، والحقيقة أنني كنت قد بدأت أثور، فقد كان اتفاقي مع المنتج ألا يتدخل في اختيار الأبطال.
ثم وجدته يتحكم هكذا فجأة، ولوحت له بإنني سأترك الفيلم أن هو أصر على رأيه، وهنا وافق على أن يترك الدور لـ (فريد شوقي)، ومع بداية التصوير أثبت (فريد) أنه ممثل ممتاز.

نجاح باهر لفريد شوقي
حين عرض الفيلم، وسمعت رأي الجمهور في الصالة، وقرأت رأي النقاد في الصحف، أيقنت أنني كنت عند حسن ظني بالبطل الجديد.
ترى هل كان (فريد شوقي) يعرف وهو يقوم بدوره في مسرحية (الجلف) أن الحظ ينتظره، وسط المشاهدين، وأن الفضل الكبير في اكتشافه يعود إلى دعوة الممثلة المبدعة فاتن حمامه، وزوجها المخرج عز الدين ذوالفقار.