رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: يا عزيزى كلنا (لصوص)!

عصام السيد يكتب: يا عزيزى كلنا (لصوص)!
الحقيقة المخزية أن حياتنا أصبحت مليئة بالسرقات

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

اندهشت بشدة من الهجوم الشرس الذى انهال على زوجة فنان شهير بسبب اكتشاف سرقتها للوحات فنانين أجانب، وسبب دهشتى أن المجتمع عاملها على أنها السارقة الوحيدة، في حين أن معظم من هاجموها هم (سارقون) أيضا.. إذن ياعزيزي كلنا (لصوص).

فمن المؤكد أن بعضهم يستعمل برامج كومبيوتر غير أصلية أو يحتفظ في بيته بجهاز (حرامى الدش) الذى يتيح له مشاهدة كل القنوات المشفرة وقنوات (الكابل) بدون دفع اشتراكها !!

فالحقيقة المخزية أن حياتنا أصبحت مليئة بالسرقات، ولم أجد من يصرخ امسكوا السارق كما حدث مع تلك السيدة، ولست أقصد بالطبع أن نتجاوز عما فعلت، وإنما أتساءل لم لا نثير الضجة نفسها لسرقات أخرى كثيرة، وكلنا (لصوص)؟

فنحن جميعا على هذه (الأرض الطيبة) نسعى إلى استخدام (البرامج الإلكترونية) المقرصنة خاصة في مجال الكومبيوتر أو البث التليفزيوني، ولم يردعنا قانون (حماية الملكية الفكرية) برغم صدوره في مصر منذ عام 2002، والذى يجرم أي نسخ أو توزيع غير قانوني للأعمال المحمية دون إذن مسبق.

وتدريجيا أصبح فعل (السرقة) أمرا عاديا في حياتنا، و امتلأت حياتنا الفنية والعلمية بالسرقات بكل أشكالها، ولم يعد هناك مجال من مجالات الفنون (سينما – مسرح – موسيقى وغناء – فنون تشكيلية ) إلا وقد غزته السرقات وأصبحت هى الأساس والابداع هو الاستثناء؟

فمعظم الأعمال الدرامية مأخوذة عن أصول أجنبية دون ذكر اسم العمل الأصلي، والحقيقة أن سرقة النصوص في المسرح والسينما متجذرة منذ بداياتهما، ولا أقصد هنا (الاقتباس) ففى هذه التسمية اعتراف بأن النص مأخوذ عن نص أجنبي وبهذا نكون (لصوص).

ولكن اختفت الآن كلمة (اقتباس) وصارت كلمة (تأليف) تكتب على نصوص ذات أصول أجنبية أو عربية وبكل بجاحة، برغم أن المستنسخ لا يختلف عن الأصل، ويقدم بوجهة نظر مصرية مثلا.

عصام السيد يكتب: يا عزيزى كلنا (لصوص)!
هناك موجة منتشرة الآن لسرقة أفلام الكارتون الشهيرة وتقديمها للأطفال على المسرح بنفس الأحداث

سرقة أفلام الكارتون الشهيرة

بل هناك موجة منتشرة الآن لسرقة أفلام الكارتون الشهيرة وتقديمها للأطفال على المسرح بنفس الأحداث ونفس الشخصيات وحتى بنفس الملابس ويكتبون عليها اسم مؤلف غير صاحب القصة الأصلية، والرقابة على المصنفات تمنحهم تصريحا بالعرض فى حين أن من مهامها الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية.

وإذا لم يتم سرقة العمل دراميا فسيتم سرقته (مشهديا)، فلقد أصبح من المتعارف عليه أن معظم ديكورات الأعمال مأخوذة من أصول أجنبية مع تعديلات طفيفة، وهؤلاء (لصوص) يسمون تلك الطريقة (refrence) حيث يعرض مهندس الديكور على المخرج عدة صور لأعمال سابقة ليقررا معا اى شكل سيسرقان – هكذا بكل بجاحة – وهم مطمئنون لأنهم لن يحاكموا على تلك السرقة!  

ففي أحد المهرجانات المسرحية تم اكتشاف أن العرض الفائز مأخوذ مشهديا – أي بتفاصيل الديكور والإضاءة – من عرض أجنبى موجود على اليوتيوب، ولم يحرك أحد ساكنا، وتكرر هذا في عروض أخرى وفي مهرجانات أخرى، فهناك كثير من الهواة والـ (لصوص) من يسرق العرض بإخراجه من على النت، أو يقتبس الديكور أو ربما أسلوب الإخراج.

وهناك سرقات كاملة الأركان، فلقد اكتشف صديقى المخرج الكبير (ناصر عبد المنعم) أن عرضه الشهير (ليل الجنوب) قد تم تقديم نسخة مطابقة له فى مسابقة للهواة تحت اسم مخرج آخر.

ولكن الغريب أن يلجأ فنان شهير – فى واقعة معروفة – إلى سرقة فيلم عالمى (بديكوره وحواره وأسلوب إخراجه وسلطاته وبابا غنوجه) ويضعه على المسرح على أنه من إخراجه دون خجل، اعتمادا على أن لا أحد سيلاحظ، أو ربما تخيلا منه أنه الوحيد الذى يشاهد السينما العالمية.

كما اكتشفت مؤخرا سوقاً لنوع آخر من السرقات هو (سرقة مجهودات الآخرين)، ففي أحد المسابقات المسرحية الطلابية التي تشترط منح الجوائز للطلاب فقط، هناك محترفون و(لصوص) يقبلون أن يقوموا بالعمل ويوضع عليه اسم طالب على أن يتقاسم الجائزة المالية معه!.. أليست تلك سرقة أيضا؟

أما في مجال الفنون التشكيلية فهناك عالم متكامل من السرقات (كتبت عنه سابقا)، معظمها يدور حول استخدام الصور الفوتوغرافية والإيهام بأنها مرسومة، فهناك مجموعة من التشكيليين يطلقون عليهم اسم (الكارتجية) يقومون بسرقة أعمال فنية عالمية عن طريق الحصول على صورة فوتوغرافية لها، ومعالجتها تقنيا، ثم طباعتها بالوسائل الحديثة على اقمشة خاصة (كنفاس أو توال) وبيعها للذين يهوون التقليد.

عصام السيد يكتب: يا عزيزى كلنا (لصوص)!

عصام السيد يكتب: يا عزيزى كلنا (لصوص)!
هناك اتفاق بين البائع والمشترى على أنها نسخة مقلدة، ونتشر معظم تلك الأعمال فى الفنادق

السرقة هى الأقل إجراما

ولعل تلك السرقة هى الأقل إجراما فى مستوى السرقات، فهناك اتفاق بين البائع والمشترى على أنها نسخة مقلدة، ونتشر معظم تلك الأعمال فى الفنادق الكبرى، وخاصة فى صور المستشرقين والرحالة، سواء كانت الصورة كاملة أو أجزاء منها.

فقد رأيت فى أحد الفنادق لوحات كاملة من كتاب وصف مصر تملأ الغرف، ولكن الأكثر إجراما هو تزوير لوحات الفن التشكيلى من خلال (لصوص) يتم من خلالهم تصوير أشخاص أو مناظر فوتوغرافياً، ثم طباعتها على نفس الأقمشة مع إضافة لمسات بالفرشاة مع بعض الألوان لإضفاء ملمس و تأثير و بيعها على انها لوحة مرسومة.

و هناك واقعة معروفة لثرى مصرى اشترى لوحة من أحد الجاليرهات بمبلغ نصف مليون جنيه وعندما عرضها على متخصص اكتشف أنها لوحة (هجين) لا تساوى اكثر من ثمن طباعتها، فاسترد ما دفعه بعد تهديد صاحب الجاليري.

ولقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة على التزوير والسرقة، ففى برامج الكومبيوتر الحديثة الآن ما يمكنّك من تحويل أى صورة فوتوغرافية إلى صورة مرسومة، مع أى تغييرات فى الملامح أو التكوين أو الخلفيات أو إضافة أو حذف ما تشاء.

بل وصل الأمر ببعض البرامج بأن تسمح لك بإنتاج نسخة من الصورة الفوتوغرافية باسلوب أيا من الفنانين العالميين، فتصبح عندك لوحة لبائع عرقسوس مثلا بأسلوب (فان جوخ، أو رينوار، أو ربما دافنشى)، وما عليك سوى طباعتها وإضفاء (كام تتش) بالفرشاة والتوقيع عليها لتصبح فنانا مشهورا يتحدثون عن اهتمامك بدقة التفاصيل و تصويرك للواقع و كأنه ينطق .

كما ساعدت التكنولوجيا على اكتشاف سرقة (لصوص) مئات الأبحاث والكتب، حتى أنك تجد نفس المقال على عدة مواقع أو صفحات وكل مرة يحمل اسم كاتب مختلف، وحاليا تساعد التكنولوجيا على اكتشاف تلك السرقات خاصة في الرسائل الجامعية، ولكن لم ينته سوق السرقات.

فلقد ظهرت مواقع تساعدك على كتابة بحثك بواسطة (AI) بلا أى مجهود، و مواقع أخرى تساعدك على إخفاء أثر جريمتك، فتعيد صياغة البحث لتخفى أثر الذكاء الاصطناعى.

ولم تتوقف السرقات العلمية عند هذا، فهناك بعض أساتذة الجامعة يكلفون طلابهم بترجمة بعض المراجع الأجنبية غير المنتشرة عن طريق الترجمة الإلكترونية على النت، ليصدرها هؤلاء الأساتذة في كتب تحمل أسماءهم بعد تنقيح أسلوبها عن طريق الذكاء الاصطناعى أيضا.

فماذا تبقى لنا من مجالات بلا سرقة؟.. فالسرقات تملأ كل جوانب الحياة وكل الأنشطة، ولكننا لا نصرخ (امسك حرامي) إلا لو كان الأمر فيه (ترند).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.