
قلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
(فات الميعاد) من الأعمال الدرامية القليلة التي تتسرب إلينا من دون ضجيج مسبق، وبمجرد وصولها إلينا تتغلغل فينا، وتحدث بهدوئها الدرامي والتسويقي ما تعجز كل المفرقعات الدرامية الخاوية عن إحداثه في الجمهور، تمس مشاعرنا وتحرك أحاسيسنا وتجبرنا على التعايش مع أحداثها والتواؤم مع شخصياتها بصرف النظر عن درجات الاتفاق أو الاختلاف معها.
(فات الميعاد) الذي ستعرض هذا الأسبوع حلقاته الأخيرة، من هذه النوعية، ترك بصماته على كل من شاهده، والسبب المؤكد وراء كل ذلك هو أنه عمل صادق، لا يستهدف ثوابتنا ولا ينال من قيمنا.
بل يكرّسها داخلنا، ويكشف أمامنا أن الدراما فيها المزيف والحقيقي، الصادق والكاذب، الواقعي والوهمي، والحكم دائماً يكون للمشاهد الذي تخلص من عقدة التعلق بالنجوم، وأصبح أكثر تعلقاً بالموضوع، ومساحة الصدق فيه.
وفي مسلسل (فات الميعاد) الصدق يبدأ من السيناريو الذي كتبه إسلام أدهم وأشرف عليه محمد خميس، وفيه حرصا على نقل صورة واقعية ولو كانت من الخيال، تتقاطع مع العديد من قصص الحب التي سرعان ما تحولت إلى قصص فشل بفضل عنف الرجل، وتكون النتيجة الطبيعية هي الطلاق.
قد تكون قصة (بسمة/ أسماء أبو اليزيد)، و(مسعد/ أحمد مجدي) هى الحكاية المحورية، ولكن تصاحبها وتدور في فلكها قصص أخرى عدة، قصة شقيقة (مسعد) وزوجها الذي طلقها مدعوماً بمواقف والدتها وأخويها، قصة (سارة ومعتصم)، حكاية (عمر) شقيق (بسمة) وزوجته ثم زواجه عليها دون علمها.
الصدق أيضاً عبر عنه المخرج العبقري (سعد هنداوي)، ابتداء من اختياره للممثلين واختياره لأماكن التصوير شديدة التعبير عن واقعية العمل وأحداثه وإدارته للممثلين وكادراته التي تنطق صدقاً وإبداعاً.

تألق (أسماء أبو اليزيد)
عندما يتوافر الصدق لكل من النص والإخراج، فمن الطبيعي أن نشاهد مباراة ممتعة بين الممثلين الصادقين أداءً المتجددين إبداعاً الواقعيين تعبيراً، (أسماء أبو اليزيد) تألقت وأكدت أنها السهل الممتنع، تؤدي ببساطة ولكنها تلمس جوهر بسمة بكل معاناتها ومخاوفها وقلقها، ووقف أمامها باقتدار الموهوب (أحمد مجدي) الذي عبر عن تناقضات شخصية (مسعد) بتميز شديد ليتنقل بين ملامح المحب العاشق والفظ العنيف باقتدار.
(محمد علي رزق) تنقّل بحرفية بين أنانية (منعم) واستغلاله لشقيقه ووقوفه في ظهره واندفاعه وراءه وحرصه على إرضاء زوجته.. ليؤكد أنه ممثل قادر على التلوين بسلاسة، وتناغمت معه (فدوى عابد) في دور زوجته والتي تمثل وجه الجدعنة والقوة لابنة الأحياء الشعبية.
(سلوى محمد علي) حكاية ثانية خالص، فقد جمعت خبرة السنين لتوظفها بحكمة ووعي في دور الأم المتسلطة على زوجة ابنها، الحنونة على ابنيها والقاسية في مواقفها مع ابنتها خوفاً عليها، الأم التي أفسدت أولادها بالتدليل ودمرت حياتهم بالانحياز الأعمى لهم، عبّرت بطريقة الكلام والملابس وغطاء الرأس ولغة العينين والجسد كما لم تعبّر من قبل.
مقابل عائلة (مسعد) المتجبرة المستقوية بلا مبرر المهزوزة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، هناك عائلة (نسمة) المتسامحة الموزونة، وفيها تألق بجوار (أسماء أبو اليزيد) كبير الموهبة (محمود البزاوي) في دور الأب وحنان سليمان في دور الأم و(يوسف وائل نور) الذي يحيي ذكرى والده الراحل مبكراً (وائل نور) في دور الابن الأصغر، و(نهى عادل) في دور (نهى)، ولم يخرج عن نهج العائلة درامياً سوى الأخ الأكبر (عمر) والذي جسده (كريم أدريانو. )
العائلة الوسطية في مسلسل (فات الميعاد) هى عائلة (معتصم)، والذي جسده الفنان (أحمد صفوت)، مقدماً دور الزوج الساعي دائماً لإسعاد من حوله، وتألق في دور الأب الفنان والمخرج المسرحي (محمد أبو داود)، كما تألقت (هاجر عفيفي) في دور الأخت الصغرى.

نحن بشر، نخطئ ونصيب
لسنا ملائكة ولا شياطين، بل بشر، نخطئ ونصيب، نفعل الخير ويغرينا الشر، نحب أنفسنا أكثر من غيرنا، ندعي الحياد لكننا لا نطبقه في حياتنا، نشعر دوماً بالمظلومية حتى لو كنا ظالمين، نبرر خطايانا ولا نغفر للمحيطين بنا أخطاءهم حتى لو كانت صغيرة، حقيقة تخلو منها الكثير من الأعمال الفنية ويراعيها (فات الميعاد) بما فيه من شخصيات رمادية، متعددة الوجوه.
ولو بحثت عن مفتاح لها فلن تجده، خطاؤون أنانيون متهورون، وهذه النماذج تجسدت بشكل جلي في شخصيات عائلة (مسعد) جميعها، وبشكل أخف في باقي الشخصيات باستثناء شخصية (بسمة) المثالية بشكل غير واقعي، والتي تغفر لمسعد كل خطاياه ولا تحتاج منه سوى أن يكف شره عنها وعن ابنتهما (ريم).
كان الأفضل الاكتفاء بخمسة عشر حلقة والتوقف عند طلاق (بسمة) من (مسعد) ودخوله السجن وزواجها من (معتصم)، ولكن صناعه أرادوا له الاستمرار والخروج عن قضية الطلاق، لمناقشة توابعها من حضانة الأطفال والتبني وجشع الأبناء وانتهازية بعض الأزواج، والطلاق الصوري.
وقد يكون مبررهم السعي لتأكيد أن الطلاق لا يؤلم طرفيه فقط ولكن شظاياه تصيب كل المحيطين بالزوجين وتظل ارتداداته مستمرة سنوات وسنوات بعد وقوعه.
قد تختلف مع (فات الميعاد) في بعض تفاصيله، وقد نرفض منطقه أحياناً مثل تأجيل الأخت الصغرى لبسمة زواجها عدة مرات حتى تحصل على حق حضانة ابنة شقيقتها رغم انزعاج خطيبها من هذا الأمر، وهو مطلب أناني والاستجابة له غير واقعية، رغم هذا وغيره من الهنات إلا أن ذلك لا ينال من أهمية المسلسل الذي نقل مشاهد حقيقية من حياتنا من دون تزييف ولا مبالغة.