إبراهيم أبو ذكري يكتب: (المرأة المصرية).. حكايتي مع الإعلام وصناع الاعلام (15)

تجربتي وتقديري لعظمة المرأة المصرية من عمق الزمن
أمي قصة امرأة بحجم الوطن وعلاقة يُصاغ عقدها بحبر الحب والمنطق معًا
بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري *
دعوة تلقيتها لحضور حفل بتكريم (المرأة المصرية) في يومها العالمي وأنا من أشد المؤيدين للرجال والذين يطالبون الآن بمساواة الرجل بالمرأة، بعد أن حققت المرأة الكثير على أرض الواقع وأصبحت اليوم وبأوامر من الرئيس عبد الفتاح السيسي بتوليها المناصب السيادية.
وأصبحت (المرأة المصرية) الآن السيدة العربية الوحيدة التي تساوت بالرجل، بل تميزت كثيرا عنه في أكثر من مجال واحتلت الشاشات التي تتنمر بالرجل يومياً
وأنا هنا لا أعترض بل أؤكد على أنها تستحق ما هي فيه الآن بل أكثر لأنها نفس المرأة المصرية التي خرجت من بلدها مرتين …
المرة الأولي عندما خرجت السيدة (هاجر) وعاشت في بيت السيدة (سارة) وكانت الزوجة الثانية لخليل الرحمن سيدنا إبراهيم، وأنجبت له إسماعيل عليه السلام، وكونت أمه وشرعت منسكا من مناسك الحج وبصمت بصمة تاريخية في حياة النبوة والحج والعمرة وأصبحت فخرًا للمصريين..!
والمرة الثانية عندنا خرجت (مارية القبطية) رضي الله عنها وأرضاها لتتزوج خير خلق الله سيدنا محمد المصطفى صلى عليه وسلم عالي المقام.. فأنجبت له ولده الوحيد إبراهيم… ووضعت قدمًا للمصريين في بيت النبوة لا ينافسنا فيه أحد..!
ولدينا الأمثلة كثيرة ومتعددة علي فضل (المرأة المصرية) من نساء مصر الفضليات عبر العصور على المجتمع بأسرة..!
وعندما نتحدث عن (المرأة المصرية) في العصر الحديث لا أجد إلا من هن على بالي وأعرفهم شخصيا ولي تجربه معهن هن ثلاث سيدات من آلاف بل ملايين من السيدات الفضليات المصريات على الساحة العربية والمصرية لكني اختصهن من كل ما أعرفهن وخطرن على بالي وأنا أكتب هذه الكلمات.
لأن لك منهن حكاية مختلفه والثلاثة يمثلن المرأة المصرية في نموذجها الفريد ودورهن الوطني في بناء الانسان المصري الذي نفخر به شبابا وشيوخا ذكور أو إناث والكل هن (الأم المصرية).
أولهن طبعا (أمي) رحمة الله عليها وأحببت أن أتذكرها اليوم لأدعوا لها بالرحمة والمغفرة

أمي.. قصة امرأة بحجم وطن
في ذلك البيت العتيق الذي تسكنه رائحة الذكريات، كانت أمي تجلس كل مساء على أريكتها القديمة، تحتضننا بعيونها قبل ذراعيها، وتنسج لنا من دفء كلماتها أمانًا لا ينتهي. كانت امرأة بحجم وطن، بحجم السماء حينما تمطر حنانًا، وبحجم الأرض حينما تثمر كفاحًا وصبرًا.
لم تكن حياتها سهلة، فقد رحل شريك روحها وهى في ريعان شبابها، في العقد الرابع من عمرها، تاركًا خلفه تسعة أرواح تتعطش للأمان.. وقفت أمام مرآتها يومها، لم تبكِ ولم تشتكِ، بل نفضت عن كتفيها غبار الحزن وارتدت ثوب القوة.. قررت أن تكون لنا أبًا وأمًا، سندًا وملاذًا، ولم تفكر يومًا في الزواج مجددًا، قائلة: (بناتي إلى بيت العدل، وأولادي يجب أن يكونوا رموزًا في المجتمع).
وكانت كما قالت (أمًّا عظيمة وأبًا شامخًا)، غرست في كل واحد منا بذور الطموح والكفاح., ابنتها الكبرى سارت إلى بيت العدل عروسًا تفتخر بها، وتوالت الأفراح واحدة تلو الأخرى.. أما أبناؤها فقد أصبحوا منارات تضيء سماء الوطن: أحدهم لواء تتزين به الأوسمة، والآخر مهندس ومقاول يبني ويرمم، والثالث كاتب صحفي لا يعرف قلمه سوى الحق، والأخير أحد رموز الإعلام العربي بخبراته وإنجازاته.
(أمي) كانت أمًّا وألف أب، امرأة صنعت من دموعها مدادًا، ومن صبرها حكاية لا تنتهي.؟ كانت تقول لنا دائمًا: (لا تنتظروا مني مالًا ولا ذهبًا.. إرثي لكم هو هذا القلب الذي ينبض بكل واحد منكم).

الأم التي لا تموت
وكنت اريد أن أتحدث عنها كثيرا لأنها تحتاج مني الي مجلدات لكي أحكي قصة كفاحها، فهي باختصار بطلة من بطلات مصر فقد قدمت أحسن ما لديها للمجتمع بوطنية وانتماء، وحب لهذه الارض الطيبة.
وهى بالتأكيد أنها نموذج للأم المثالية النموذج للمرأة المصرية التي قدمت لمصر العمال والعلماء والبطال والشهداء العظماء، ومضت الأيام، ورحلت عنّا جسدًا، لكنها بقيت روحًا خالدة في زوايا البيت، في ملامحنا، وفي إنجازاتنا. إنها أمي… امرأة لن يجود الزمان بمثلها.. رحمة الله عليها وعلى من فارقنا من الأمهات المصريات.
والسيدة الثانية التي أحببت أن اتذكرها أيضا هي السيدة (مني صلاح ذو الفقار) وكان والدها من أعز أصدقائي رحمة الله عليه وكان لي معها قصة طويله عن حقوق المرأة، وقمت بتكريمها وتكريم ذكري والدها بعد أن قابلتها بتونس بورقيبة وعرفت عن نضالها لنيل حقوق المرأة المغتصب.
ورأيت تحمسها لتتبني بعض القوانين الخاصة بالأسرة المصرية، ونقلت التجربة التونسية ببورقيبة لمصر، وكافحت لتحقيقها علي أرض الواقع، وحققت لـ (المرأة المصرية) الكثير من الانتصارات لنيل الكثير من حقوقها والتي تخطت التجربة التونسية بأميال فتحية منا لمني صلاح ذو الفقار.

رومانسية القانون والحياة
في تسعينيات القرن الماضي، بين شوارع تونس العتيقة وأضوائها الذهبية، التقت بها مصادفةً.. (منى صلاح ذو الفقار).. ابنة الفنان العظيم، لكنها لم تكن مجرد ابنة لنجم، بل كانت امرأة تحمل حُلمًا ثوريًا: أن تنقل إلى مصر (رومانسية القانون) التي عاشتها تونس في عهد بورقيبة، حيث أصبح الحب والزواج عقدًا بين طرفين متساويين، وليس سجلاً لقيد المرأة.
لقاء تونس: (حيث تتداخل المشاعر مع القوانين).
كانت تونس في تلك الأيام تعبق برائحة التغيير، رغم أن زمن (بورقيبة) الذهبي كان قد ولى، لكن إرثه بقي: (الزواج المدني) الذي يجعل القلوب تلتقي قبل الأوراق الرسمية، ويجعل المرأة شريكةً في كتابة شروط العقد، لا مجرد طرف يُفرض عليه الأمر.
في مقهى بحي (لافاييت) أو ربما في أحد صالونات الحمامات، تحدثت (منى) عن كيف أن (الحب الحقيقي يحتاج إلى عدالة)، وكيف أن تونس جعلت الزواج رحلةً يخططان لها معًا، لا قرارًا يُفرض على المرأة.. كانت عيناها تتألقان حين تتحدث عن النماذج التي حملتها معها إلى مصر، وكيف أن بعض الأزواج بدأوا يطالبون بـ (عقد زواج عادل).. مستوحى من التجربة التونسية.
لم تكن (منى) تحارب من أجل حقوق المرأة فقط، بل كانت تؤمن بأن (الزواج العادل هو أكثر الأشياء رومانسية)، لأنه يعني أن الرجل يحترم المرأة لدرجة أنه يضع يدها في يده ويوافق معها على شروط الحياة، لا أن يُمليها عليها. كانت تقول:
(الحب ليس كلماتٍ تُقال تحت ضوء القمر، بل اتفاقٌ يُكتب في وثيقة تمنح كلا الطرفين الحق في أن يحلم، أن يختلف، وحتى أن ينفصل بكرامة إذا انتهى المشوار).
بعض الذين عرفوها في تلك الفترة يقولون إنها كانت رومانسية القانون، لأنها رأت في التشريعات التونسية أغنية حب يمكن أن تُغنى في مصر.
اليوم، حين تُذكر قضايا الزواج المدني أو حقوق المرأة في الزواج في مصر، تطفو ذكرى تلك السيدة التي آمنت بأن أعظم قصص الحب هى تلك التي تُبنى على الاحترام والمساواة، ربما لم تكتمل أحلامها، لكن بذورًا من فكرها بقيت.
فهل يمكن للحب أن ينتصر دون عدالة؟، وهل يمكن للرومانسية أن تكتمل دون حرية؟ منى صلاح ذو الفقار كانت ستجيب: (أجمل علاقة هى التي يُصاغ عقدها بحبر الحب والمنطق معًا).

الدكتورة (هدي يسى)
أما السيدة الثالثة التي أحببت أن أشير هى سيدة مصرية.. قلب يجمع بين الهلال والصليب.
هذه السيدة النموذج المتميزة هي الدكتورة (هدي يسى) السيدة المصرية التي قدمت نموذج فريد من التلاحم الوطني الحقيقي وصانعة للنسيج المصري الأصيل الذي كنا نعيشه من عصر الفراعنة، وأختفي زمن طويل وإذا بي أشاهده متجسدًا في حياة ومنزل السيدة هدي يسى.
في إحدى أحياء القاهرة الراقية، تقف تلك السيدة كرمز للتعايش والتسامح، امرأة جمعت بين قلبين ودينين تحت سقف واحد، وأثبتت أن الوطن أكبر من كل الفوارق، وأن الحب والأمومة قادران على بناء جسور لا تهدمها الاختلافات.
لم تكن حياتها عادية؛ فقد نشأت في أسرة مصرية أصيلة، تشربت من والدها حب مصر، ومن والدتها فنون الإدارة والقيادة.. منذ شبابها، لفتت الأنظار بجمالها وقوة شخصيتها، ولم يكن غريبًا أن تجذب قلوب الرجال من مختلف الأطياف.
تزوجت للمرة الأولى من رجل مسيحي، رجل أعمال ناجح، تعرفت عليه خلال إحدى الفعاليات التجارية.. كان زواجًا مبنيًّا على الحب والاحترام، وأثمر عن أبناء نشأوا في بيت يجمع بين تعاليم المسيحية وقيم التسامح.
لكن الأقدار شاءت أن ينتهي هذا الزواج، وبعد سنوات قليلة، التقت برجل مسلم، رجل حكيم يحمل قلبًا طيبًا، وكان الزواج الثاني.. رزقت منه بأبناء تربوا على تعاليم الإسلام، دون أن ينسوا إخوتهم من الزواج الأول، ليصبح البيت لوحة فسيفساء متكاملة، تتناغم فيها الأعياد المسيحية والإسلامية في أجواء تعكس روح مصر الحقيقية.
في بيتها الكبير، تتداخل الأصوات بين الترانيم الكنسية وتلاوة القرآن، في مشهد تتجلى فيه روح المحبة والتعايش.. الأعياد لا تعرف التفرقة؛ فشجرة الميلاد تزين الصالة في ديسمبر، وتتبعها زينة رمضان والفوانيس في الشهر الفضيل.
كانت تقول لأبنائها: (أريدكم أن تحبوا بعضكم، لا أن تنظروا إلى ما ترتدونه من صلبان أو مصاحف. أنتم دم واحد، أنا من أنجبكم جميعًا، وأنا أمكم جميعًا).
كانت حريصة على أن يتعلم كل ابن من دينه ما ينفعه، ولكنها كانت تُعلّمهم جميعًا أن الأخلاق هي الدين الأكبر، وأن خدمة الوطن هي العبادة الحقيقية.
لم تكتفِ بدورها كأم وزوجة، بل انطلقت إلى عالم الأعمال، واستطاعت أن تؤسس مجموعة من المصانع والشركات الاستثمارية التي جعلت اسمها يتردد في الأوساط الاقتصادية.
كانت تؤمن بأن النجاح في العمل هو الطريق لخدمة الوطن، فوظفت المئات من الشباب والشابات، وحرصت على أن تكون مصانعها نموذجًا في الالتزام بالقيم والأخلاقيات.
لم تكن علاقاتها الاجتماعية مجرد أرقام وأسماء، بل كانت تمد يدها لكل من يحتاج إلى دعم.. كانت تجلس في مكتبها الفخم، تستقبل المسؤولين، الفنانين، رجال الدين من كلا الديانتين، وتستمع إلى مشاكلهم وكأنها أم لهم جميعًا.
وكانت تقيم مأدبات كبيرة في الأعياد، تجمع فيها رجال الدين المسلمين والمسيحيين، ورجال الأعمال والفقراء، الكبار والصغار.. كانت تؤمن أن مصر هي البيت الكبير، وأن كل مصري هو فرد من هذه الأسرة.
رغم نجاحها الكبير، لم تنسَ أنها أمّ قبل كل شيء.. كانت تتنقل بين اجتماعات الأعمال ومناسبات أولادها المدرسية، تحرص على أن تكون حاضرة في كل لحظة مهمة في حياتهم.
وفي إحدى المرات، وقف أحد أبنائها أمامها وقال: (أمي، كيف أكون مسيحيًّا وأخي مسلم؟).
ابتسمت بحب وقالت: (أنتما ابناي، كل منكما له دينه، لكنكما تشتركان في قلب واحد.. قلبي).
أصبحت هذه السيدة رمزًا للوحدة الوطنية، نموذجًا للمرأة القوية التي استطاعت أن تبني بيتًا من التسامح والحب، وأن تؤسس إمبراطورية من الأعمال الناجحة التي تخدم الوطن.
* رئيس اتحاد المنتجين العرب