


بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
فى الوقت الذي تتراجع فيه القدرة الإسرائيلية على السيطرة على الخطاب الإعلامي العالمي وتعتقل (الكلمة)، مع تصاعد الانتقادات الدولية لسياساتها في غزة والضفة الغربية، وافتقاد إسرائيل روايتها عبر العالم بشأن الأحداث الجارية.
حيث تلقي أبرز عناوين الصحف والمواقع الإخبارية العالمية باللوم على إسرائيل، كنتيجة مباشرة لصعوبة التحقق من الوقائع في مناطق الصراع كأحد أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة، وهو ما بات يتطلب معه معركة إعلامية كبرى من جانبها للرد على هذه الموجة من الإنتقادات..
لم تجد إسرائيل أمامها سوى المضى قدماً في نشاطاتها السافرة في ملاحقة الإعلاميين والصحفيين الفلسطينيين عن طريق اعتقال (الكلمة).
وآخرها – حتي كتابة هذه السطور- كانت عملية اعتقال الكاتب والصحفي الفلسطيني ومدير مكتب قناة (الميادين) في فلسطين المحتلة، ورئيس تحرير شبكة (معا) الإعلامية المحلية، (ناصر اللحام)، أحد أبرز الإعلاميين الفلسطينيين المتتبعين للإجرام الإسرائيلي على طول المدى عبر (الكلمة)، ومن ثم نقله لمحكمة (عوفر) الإسرائيلية العسكرية.
إذ قام ضباطاً من جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، بإعتقاله في بيت لحم جنوب الضفة الغربية، مساء يوم الثلاثاء الماضي (7 يوليو).. عملية الاعتقال تلك رافقتها حملة تخريب متعمّدة، حيث حطّمت قوات الاحتلال أثاث المنزل، وصادرت الهواتف الشخصية الخاصة به لتسكت (الكلمة).
ولم تكن عملية اعتقال (ناصر اللحام) مجرد إعتقال لشخصه، بل تقف وراءها أبعاد عدّة، أبرزها استهداف وسائل الإعلام التي تنقل رواية مختلفة عن السردية الإسرائيلية بشأن الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وفي سياق استهداف ممنهج لكل ما هو فلسطينى.
كما تأتى في سياق النهج الإسرائيلي المستمر لطمس كل حقيقة، وإسكات كل صوت حر من خلال (الكلمة)، وحجب كل صورة تفضح وجهه الإجرامي وتوثق جرائمه ومجازره بحق المدنيين في غزة والضفة.

اعتقال في ظروف صعبة
تبع عملية أعتقال (اللحام)، كشف العديد من المنظمات الحقوقية الفلسطينية، النقاب عن ظروف الاحتجاز الصعبة له، حيث الاكتظاظ داخل الغرف بسجن (عوفر) والطعام السيء كما ونوعا، إذ يحتجز طوال ساعات اليوم داخل غرفته ولا يخرج إلا 10 دقائق فقط، فضلاً عن أن عددا كبيرا من أسرى السجن يعانون من أمراض جلدية.
فضلاً عن أن (اللحام) بحاجة لرعاية صحية حقيقية إذ يعاني قبل اعتقاله من مشاكل في القلب، وخضع لعدة عمليات لزراعة ست صمامات، وعلى الرغم من تلقيه أدويته داخل السجن، إلا أنه بحاجة لمكان طبي تتوفر فيه البيئة الصحية المناسبة، حتى لا تتفاقم حالته وتتأثر سلبا.

ذاكرة فلسطين في وجه الإحتلال
(أبو مارسيل)، كما يحب كثيرون أن ينادوه، ليس اسماً عاديًا في الساحة الإعلامية الفلسطينية والعربية، بل هو ذاكرة حيّة، وقلمٌ مشتبك عبر (الكلمة)، وصوت لا يخشى الانحياز للحقيقة مهما بلغت الكلفة.
تشعر وأنت تتابع تقاريره، أو تقرأ مقالاته، أنك أمام إنسان ينطق بلسان الشعب الفلسطيني، ويتنفس نبض الشارع، ويكتب كما يتنفس الفلسطيني: بعناء، وبكرامة، وبشغفٍ للبقاء.
بعد أن تولى مسؤولية قناة (معا التى تبث من الأراضى الفلسطينية، نجح في وضعها في مكانة رائدة، في وقتٍ كانت فيه هذه القناة تُعد محلية بامتياز، لا تكاد تُقارن بحضور قنوات عربية أخرى، لكن الحقيقة هي أن الحضور الإعلامي الطاغي للدكتور (ناصر اللحام)، ووعيه العميق بالسياسة الإسرائيلية وبالصحافة العبرية، هو ما منح القناة بعدًا أوسع، وجعلها تحظى بمتابعة تتجاوز الطابع المحلي والرسمي.
ولعل هذا ما أثار غضب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فكان استهدافه المتكرر في الإعلام العبري، ثم اعتقاله الأخير من منزله في بيت لحم، دون تهمة واضحة، سوى كونه صحفيًا حرًّا ينطق (الكلمة)، كي يفضح إرهاب الاحتلال وجرائم المستوطنين، ويقف شاهداً صادقًا على مذبحة مستمرة بحق شعبه في غزة والضفة.
ورغم أن إسرائيل لطالما تغنت بديمقراطيتها وحرية الصحافة، فإن اعتقال (د. ناصر اللحام) كما مئات الصحفيين الفلسطينيين الذين اغتيلوا أو أُسروا خلال العدوان على غزة، يفضح زيف هذه الادعاءات، ويكشف الوجه القبيح لدولة تسعى بكل ما تملك من أدوات البطش والتضليل لتغييب الصورة والكلمة، وإسكات الصوت الفلسطيني الذي يروي الحقيقة للعالم.

ناصر اللحام.. سيرة ومسيرة
(ناصر اللحام) صحفي فلسطيني ومدير مكتب قناة الميادين اللبنانية في فلسطين ورئيس تحرير قناة وكالة معًا الإخبارية ولد في 20 أبريل 1966 في مخيم الدهيشة للاجئين في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، وهو أسير سابق في سجون الاحتلال الإسرائيلي حيث اعتقل 3 مرات آخرها في 1985 حكم عليه فيها ب 6 سنوات ويتقن العبرية والإنجليزية بجانب لغته الام العربية.
حاصل على بكالوريوس في علم النفس وعلم الاجتماع من جامعة بيت لحم، 1994، وماجستير في الصحافة والإعلام من فرع جامعة لاهاي، بيت لحم، ودكتوراه في علم النفس – لغة الجسد – في الإعلام الإسرائيلي، فرع جامعة لاهاي، بيت لحم.
أما عن المسيرة الإعلامية، فهى حافلة بالعطاء، إذ سبق وأن عمل مذيعاً ومدير المراسلين – بتلفزيون بيت لحم بين اعوام 1996 – 2005، ثم منتج ومقدم لبرنامج (جولة في الصحافة العبرية) في قناة وكالة (معا)، ومراسل قناة NBN اللبنانية في فلسطين، ومراسل إذاعة قطر.
ومراسل وكالة INRA الإيرانية إضافة إلى مواقع إلكترونية أخرى فلسطينية وعربية، ومذيع ومراسل في مهد برس 1990 – 1995، ومذيع ومراسل هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية 1995 – 1997، ومؤسس ورئيس تحرير مجلة العربي الفلسطيني 1997 – 1999.
إجمالاً.. ليس الغياب عن الشاشة هو ما يغيّب أمثال (ناصر اللحام)، بل هو ما يكرّس حضورهم.. لأن أمثال هؤلاء لا يُقاس حضورهم بعدد دقائق البث، بل بأثرهم العميق في الوعي الجمعي، وبما زرعوه من قيم وجرأة في أجيالٍ تعلّمت من سيرتهم أن الحبر قد يكون أكثر فتكًا من الرصاص.. وللحديث بقية.