
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
كان الدكتور (حمدي بلاط) يسالني دائما عن سر العداء القديم بين القطط والكلاب وأسباب المعارك القديمة التي تدور بينهم، ويجيبني قبل أن أرد على السؤال.. القطط تريد أن تسيطر علي المكان والمعركة التي كانت بينهم سببها
إن القطط تريد أن تسيطر على الأرض التي تعيش عليها خصوصا أنها من فصيلة النمور.. والكلاب كانت تريد تسيطر على كل المكان بالعنابر من فصيلة الذئاب.. هنا حدثت القطيعه.. ثم جمعتهم الصداقه كما تراهم الآن.. بعكس كل دول العالم خصوصا الدول العربيه التي ما زالت تلعب.
لعبة القط و الفأر كلهم جزر متباعده ومتفرقه وليس عندهم فكره كامله عن الصداقه بعكس القطط والكلاب.. سألت الدكتور (حمدي بلاط) عن الوقت الذي تنام فيه القطعه وهل هى بالفعل تنام.. لأنني لم اشاهد قطه نائمة في حياتي.
قال لي من خبرته،، القطه تنام من 12: إلي 16 ساعه في اليوم.. في هذه الفترة لا تتناول الطعام نهائيا.
ضحكت وأنا اساله على هذا الشخص الذي يدعي أنه بروفيسور.. وأنه يملك كل مدارس العالم الخاصه وله 185 سفير في كل دول العالم.. هذا الشخص دائم التردد على الدكتور (حمدي بلاط) لأخذ شنطة أو أكثر، أو طبق لحوم من التي يذبحها الدكتور (حمدي بلاط) شبه أسبوعيا..
لاحظت كثيرا عندما يحضر له الدكتور (حمدي بلاط) عشرات من أكبواب الشاي.. ظل يشرب فيها بنهم شديد..في ليلة من الليالي ظل يشرب الشاي بدون رحمه حتى انتهت كميه الشاي والسكر..
قال له الدكتور (حمدي بلاط)..انتهت كمية الشاي والسكر فماذا ستفعل.. قام علي الفور بتجميع كل اكواب الشاي الموجوده و ظل يأكل في (التفل) بالمعلقه حتى قضي على كل التفل الموجود في عشرات الأكواب التي كانت مليئه ةبالشاي قبل ذلك..
كنت دائما اضحك مع الدكتور (حمدي بلاط) وأنا أقول له: ألم تلاحظ أن الطعام الذي تضعه للقطط عند باب العماره يختفي.. إن هذا البروفسير المختل عندما يطوع يذهب إلي مدخل العماره ليسرق طعام القطط المستورد، ولعلك لاحظت أن كل القطط تكرهه جدا.

عدد القطط كبير جدا
قال لي الدكتور (حمدي بلاط) أن عدد القطط كبير جدا ويجب على الجميع أن يرعهم..أنا شخصيا أضع الطعام والماء في شرفة شقتي من أجل العصافير التي تنطلق بحثا عن رزقها.. قلت للدكتور (حمدي بلاط): طبعا بتحطلها غله أو أرز..أقسم لي أنه يضع لها الأكل التي تأكله الطيور الملونه و المسجونه داخل أقفاصخ..لذلك عرفت العصافير مكان الشرف وتأتي يومي للحصول علي وجبتها.
قال لي الدكتور (حمدي بلاط): القطط لاتخون.. ألم تكتب شيئا عن وفاء القطط، ضحكت و أنا أقول له: كتبت بالأمس سداسيه بعنوان لقطه.. طلب من أن أسمعها له قلت:
القطه وشوشتني..
عن كل الناس حاشتني
نامت على صدري لحظه
في الحب عيشتني
و دارت السواقي
الحب بيننا باقي..
والود والحنين
عايشين على التلاقي
في ليل ماهش حزين
قالتلي إنت مين..
وفجأه خربشتني..
يضحك الدكتور (حمدي بلاط): إن هذا لم يحدث ولن يحدث فلا توجد قطه في العالم كله من الممكن أن تخون صاحبها، هل تدلني عن قطه خانت صاحبها؟ قلت له لا أعلم، سألني مرة أخرى: هل تدلني عن شخص خان العيش والملح مع إنسان كان يعطف عليه ؟ قلت له الكثير كذلك..
قال لي: سداسيتك تنطبق علي القطط الإنسانيه وليس على هذه القطط الموجودة في كل مكان وتهرب مذعورة من أي إنسان يقابلها!
قلت له: عندي لك قصه ستتعجب منها، قد تكون سمعتها مني قبل ذلك دون أن تعرف النهاية.
قال لي قبل أن تحكي لي عن القصه الوحيده التي خطرت سأحكي لك عن ألف قصة وقصة.. عن الانسان الذي عض اليد التي امتدت له بالخير والنور والسعاده والرخاء
قلت له: ساحكي لك قصتي أولا.. ثم أسمع منك..

هل تذكر الطفلة
استعد الدكتور (حمدي بلاط) لسماع قصتي.. قلت له: هل تذكر الطفلة التي قمت بتبنيها و تربيتها.. وكنت احكي لك دائما عنها..
قال لي: أذكر ذلك جيدا وأذكر أنني وعدتك بتجهيزها جهازا كاملا من جمعية البر والخير التي أشرف عليها، قلت له: ساحكي لك القصه من البداية.. كنا نسكن في شقه بمساكن البلتاجي الشعبيه تتكون من حجرتين وصاله في الدور الأخير..
الدور به أربع شقق.. كان يسكن في الشقه التي بجواري رجل كان يعمل في البنك، ولكنه من خلال النفاق استطاع أن يكون رئيسا لقريته.. كانت تصله في اليوم الواحد مئات من القفف والأجوله والماكولات والبط والوز.. وكله حرام في حرام مقابل أن يسمح لهم ببناء سلالم أمام بيوتهم..
الشقه الأخرى كان بها رجل مهنته الشهاده الزور.. بحيث يجلس على المقهى إلى أن يحضر له محامي يقوم بتحفيظه الشهادة التي سيدلي بها أمام القاضي نظير مبلغ من المال.
الشقه الثالثة كان بها ضابط صغير خرج من تحت المخلة.. الغريب في الأمر أن الشقق الثلاثه كانت ضدي و أذاقوني المر بتنفيض السجاجيد تحت شباك على السلم ولعب الكره أمام الشقة حتي لا يعطوني فرصة للكتابة.. رغم أنني لم أتكبر على أي منهم..
في هذه الفترة انتقلت من هذا الجحيم الذي لن أسامحه عليه إلى شقة أمامنا بالدور الأول بها 3 حجرات.. كانت أمامنا بقالة ومحل للدواجن.. الثلاجة أمام محل البقالة تنام عليها مولودة صغيرة تنام عليها.. يبدو أنها ابنة إحدى العاملات بمحل الدجاج..
كنت أتعجب أنا وزوجتي كيف تستطيع هذه الطفلة ألا تتقلب يمينا أو يسارا نهائيا وهى فوق الثلاجة دون أن تقع رغم أن عمرها لا يتعدى الشهور القليلة.. عندما بلغت هذه الطفلة عامها الأول.. كانت تستند على معزه وتمشي بها، وكانت زوجتي تنادي على السيدة التي تقوم بإدارة البقاله لتحضر لها ما تريد..
بدأت هذه الطفلة تمشي مع السيدة، وكانت زوجتي عن طريق السبت الذي تضع فيه قائمة باحتياجاتها تضع الطفلة كل يوم بسكويت و حلوى و بعض النقود.. الطفلة في يوم من الايام وقفت أمام البلكونه فترة طويلة.. قالت لها زوجتي: هل تريدين الصعود لنا، قالت لها نعم.. فقالت لها زوجتي سأقابلك على السلم.. ودخلت عندنا واستقبلتها.
وأصبحت تأتي من محل الدجاج هى وأمها وتصعد لتوقظنا من النوم، وتكمل معنا نومها ثم تقضي اليوم كله معا حتى أصبحت من العائلة.. تكفلت بكل شيء خاص بهذه الطفلة..أو بطريقه اخرى تكفلت زوجتي بذلك..

ظلت معنا لا تفارقنا
ظلت معنا لا تفارقنا إلا بعد أن تنتهي والدتها من الوقت المحدد لها بدكان الدجاج.. دخلت المدرسة الابتدائية تحت رعاية زوجتي.. ثم الإعداديه ثم الثانويه حيث تكفلنا بمصاريفها ومصاريف الدروس الخصوصية، وكل ما يلزمها من متطلبات، و كان يساعدني في ذلك المبدع (محمد عبد الواحد) الذي يقيم بقطر.
وكنا نشتري لها بعض الأجهزه الكهربائيه عن طريقي وعن طريق (أم شادي).. وصلت هذه الطفلة الصغيرة إلى جامعة المنصورة، ودخلت آداب قسم آثار وأصبحت تلبس أجمل الملابس الذي نحضرها لها ونعطيها دائما نقودا للتاكسي الذي تركبه حتى لا نرهقها بالمواصلات العادية.
وذلك عن طريقي وطريق (محمد عبد الواحد) وعن طريق أولادي.. أصبح لها مبلغ شهري وأصبح لأمها مرتبا كبيرا بعد أن وفقني الله واستطعت أن احصل لها على معاش والدها لأنها كانت مطلقة، حيث كان زوجها يعاني من الأمراض النفسية والعقلية.
جعلته في يوم من الأيام ينزعج عندما هجمت عليه هذه الفتاة لتحتضنه فوق كوبري طلخا.. اندفعت ناحيته وهي تقول له: ازيك يا بابا، لم يسلم عليه لأنه لا يعرفها و انفصل عن والدها قبل أن تولد.. وعلي هذا الأساس قال لها والدها: مين حضرتك يا آنس.. أصيبت بصدمة وجرت على أمها وهى تبكي..
الفتاه بعد أن كبرت أصبح لها ميول طبقية.. و رغبة عارمة لأن تكون شخصيه أخرى غير الشخصيه التي كانت تنام على الكراتين في عز البرد في الأماكن التي كانت والدتها تعمل بها..
أجبرت والدتها علي الانتقال إلي شقه في عمارة بها أسانسير.. وقامت أمها بأوامر منها بتجديد الأثاث بالكامل حتى إذا تقدم لها خطيب يجدها في مستوي مشرف.. وفي يوم من الأيام علمت أن هناك من يريد أن يتقدم لها.. قالت لي والدتها ان من سيتقدم لها سيتقدم من خلالك فانت والدها ..
ظلت معنا بعد تخرجها من الجامعة، وفجأه اتصلت زوجة ابني (محمود) ببنتي (رضوى) في الثالثه فجرا لتقول لها: هل يعلم وتلك بخطوبة ابنته بالتبني؟
وقالت لها (رضوي) هى اتخطبت فعلا؟، مستحيل دون وجود والدي الذي يعتبر والدها ووالدتي التي تعتبر أمها، قالت لها زوجة (محمود) سأرسل لك الصور، وأرسلت عشرات بل مئات الصور والفيديوهات الخاصه بحفل الخطوبة لهذه الطفله التي ربيتها والتي كانت ابنتي..

خجلت أن أخبره
وكانت الصدمة شديدة على العائله.. زوجتي وأبنائي أما أصدقائي باستثناء (محمد عبد الواحد) خجلت أن أخبره بما حدث فالجميع يعرف أنها ابنتنا التي نأخذها معنا في كل المصايف التي نزورها.. لذلك أخذت عهدا أمام الله أن أنسى هذه الفتاه وألا أصافحها ابدا مدي الحياة.
وقد كان لدرجة أنها حاولت زيارتي في أزمتي الصحية فرفضت تماما.. وبعد شهور تم فسخ خطوبتها بعد أن عرف أن ليس لها أب يضع يده في يده..
نظرت الى الدكتور (حمدي بلاط).. رأيت الدموع في عينيه.. وقال لي: لقد كنت استعد لتجهيزيها بشكل كامل.. ولكن النصيب سيكون لفتاة أخرى عندها أصل.. وليست خائنه للعيش والملح كما فعلت هذه الفتاة.
قلت الدكتور (حمدي بلاط): احكي لي عن الألف قصة وقصة الخاصه بغدر الإنسان وطعنه من الخلف رغم أنه يقدم له كل الخير وكل الحب وكل العطاء، قال لي الدكتور (حمدي بلاط) قبل أن أحكي لك أقول لك: أنني استعضت عن كل الذين خانوني بهذه القطط والكلاب التي تحبني وأحبها الى درجة العشق.
و
قلبك محطات الوصول..
علي كل حته مقدسة
الله عليك ابن الأصول..
أحلي و أغلي مدرسة
…………………………
حمدي بلاط ماشي بثبات..
علي كل حتة في البلد
الله عليك (حمدي بلاط)..
دائما لكل الناس سند
…………………………
يا ضي قنديل الدروب..
يا شمعة قائدة الغريب
ساكن في دقات القلوب..
دائما لكل الناس حبيب
…………………………
سائلين جميلك يا صديق..
يا ألف نجمة في الفضا
قمر العطاء فوق الطريق..
مليانه روحك بالرضا
…………………………
حمدي بلاط مادد إيديه..
للكل في زمن الجفاف
دمع الحلال داخل عنيه..
غطي اللي جاهزا باللحاف
وإلي اللقاء بعد فترة مع محطات في مسيرة الدكتور (حمدي بلاط).
من كتاب: (مدد.. مدد..)
سيرة ذاتية لبلد