
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
يكمل لي الدكتور (حمدي بلاط) حديثه عن حبه للكلاب والقطط و حبها له ..إذا أكرمت القط يكرمك بحبه لك.. تجلس.. فيجلس بجانبك.. تنام فتشعر أن هناك من يحبك و ينام بجوارك.. تضع يدك على خدك.. فيجلس معك حتى تبدأ في اللعب معه.. وهكذا الكلب أيضا..
تذكرت أن لي صديق غالي جدا اسمه (رؤف عبد الحميد) يعيش وحيدا في شقته بعد أن طلق زوجته.. وتفرغ تماما لتربية القطط والكلاب التي كان يصرف عليها نصف معاشه الذي يتقاضاه.. و يسكنها في شقته.. يخرج معهم حاملا الطعام والمياه المعدنية للكلاب الضالة التي في الشارع..
حتى أن أحد أصحاب النوادي التي يجلس فيها تضايق جدا لأنه بمجرد وصوله.. تدخل كل الكلاب الضالة الموجودة في الشارع لتشاطره الجلسة حتي تنعم بالحب الذي يغرقها به..
قال لي الدكتور (حمدي بلاط) أنه يريد أن يكرم هذا الرجل.. بل وأن يقيم له حفلا كبيرا يليق بإنسانيته.. بالفعل هو انسان نادر.. معرفتي به تعود للفترة التي هاجمني فيها بعض المبتزين و هاجموا أغنيتي (مدد مدد.. شدي حيلك يا بلد)..
فقد تصدى لهم رغم أن رئيس العصابة كان من أعز أصدقائه.. ووقف بجانبي ضد هذا النصاب الذي هرب من الصعيد بقضيه أخلاقية.. ثم وصل الى القاهرة ليأكل على كل الموائد ويكتب بعض المقالات في صحيفه الوفد..

سرق خاتم (ناديه لطفي)
ويظل طول الوقت يتسكع ويبيت في أي منزل يصادفه.. وفي معظم الأوقات ينام في الشوارع ولا يوجد أحد من معارفه في مصر لم يسرقه أو يطلب منه نقودا.. ثم أنه زار إسرائيل.. ومن المعروف أيضا انه سرق خاتم السلوتير من الفنانة (ناديه لطفي) عندما أجرى معها مقابلة بصفته صحفيا يجرى حديثا معها..
كتبت عن المبدع (رءوف عبد الحميد) سداسية، تقول كلماتها التي نشرت في ديواني (ديوك شهر زاد):
(ديوك رءوف ترفرف..
علي سور كل البيوت
يصبح يمام يهفف..
علي نخله و فرع توت
من أنة السواقي..
من كسرة الجناح
حرفه في القلب باقي..
بيخلي الكون براح
يسقي القلب الشراقي..
بالحب و السماح
الله علي المثقف..
لو يصبح لينا صوت يتعجب الدكتور (حمدي بلاط) من الذين يؤذون القطط والكلاب وهو الذي لا يتحمل أن يري قطا مريضا أمامه، لدرجة أنني كنت أضحك معه دائما وأقول له: (ما توظف طبيب بيطري عندك في الجمعية يعالج القطط و الكلاب التعبانة طالما ده بيسعدك).

هذا الكلب مسكين
الدكتور (حمدي بلاط) ينظر أثناء سيرنا الى القط أو القطه أو الكلب فيعرف عمره.. يقول لي: هذا الكلب مسكين وصل الى مرحله الشيخوخة من هيئته وطريقته في النظر إلى عينى لأن النظرة منكسرة.. فعلا إنها أمم أمثالكم ..
وهكذا أتيقن يوما بعد آخر أن الدكتور (حمدي بلاط) رمز نادر من رموز الإنسانية.. والمحبة.. والعطاء..
و
ماشي في إيدك ألف كيس مليان ياقوت
وجذر وخوخ.. ودقيق و توت
(حمدي بلاط) لو يوم يفوت..
ع المحني جدا ع الدروب
تنزل دموعه تبلل الأرض الجفاف
يعطيه في كل رغيف معاه
وبسبب لنفسه لقمة حاف
يصبح ضفتف للغرقانين
للعريانين يصبح لحاف
ولا عمره خاف..
إن الجيوب تفضي في يوم
جزاه هكموم الكل..
ناسي إن فيه جبل الهموم
يعطي بدون حتي حساب
لا عمره يقفل باب في وش فقير حزين
ولا عمره يتحول عذاب الآخرين
مزروع حنين الخير.. وخيره فاض وفاض
والرزق من كتر (العطايا) زاد و زاد
وأما الفؤاد بيدق للقلب الغريب
الرب يصبح له حبيب
يعطيه عشان يعطي الجميع
ويكون ربيع قبل الربيع
ويكون ما بينه و بين شط الفقر..
سد عطاء منيع
كان يحكي لي الدكتور (حمدي بلاط) وهو يضحك أنه في إحدى المرات وكان ذاهبا إلى الجمعية.. وكان هناك في انتظاره طابورا ينتظر الواقفين فيه من المساكين والمحتاجين حقيبته وما خصصه لهم كإعانات..
بعد أن انتهى الممثلين عنه من التوزيع و بينما الدكتور (حمدى بلاط) يجلس في مكتبه حضر له صديق عزيز عليه، قال له الدكتور (حمدي بلاط) ببراءة: نفسي أمد ايدي لواحد واحد.. وأسلم عليه).. قال له صديقه: الناس اللي انت عايز تسلم عليهم واحد واحد دول.. سمعتهم وأنا داخل لك قاعدين يشتموا ويحسدوا في اللي بيعطيهم.. ويقولوا ربنا كان المفروض يعطينا زي ما أعطاه..
عند ذلك تذكرت موقفا حدث لابنتي (رضوى) التي كانت تعطف على سيدة من بيلا تحضر لها السمان..أبلغت (رضوي) أنها تمر بظروف قاسيه.. أعطتها رضوى كل ما معها..
وفي أحد المرات أعطتها مبلغا كبيرا وراقبت صفحتها في نفسي اليوم فوجدتها تقول علي الصفحة: (ليه كده يا ربي تحوجني اللي يسوى واللي ما يسواش.. ليه ما اخدش قد ما الناس دي بتاخد.. علشان أنا المفروض إن أنا اللي أعطف عليهم مش هما اللي يعطفوا عليا!)..

حديثه معي عن القطط
أقنعنى الدكتور (حمدى بلاط) أن هذا رد فعل طبيعى لنفوس تم ضغطها بين كلابتي الفقر والجهل ويغزوهم المرض.. لقد تم تشويه نفوس وعلينا أن نحاول أن ننقذ منها ما تبقى..
يواصل الدكتور (حمدي بلاط) حديثه معى عن القطط، فأتذكر أنني في مرحلة الطفولة قمت بحبس قطة في حجرة العائلة.. أغلقت عليها الباب لمعاقبتها بسبب أنها أكلت بعض الكتاكيت الموجودة في شرفة الشقة..
بمجرد أن دخلت الحجرة شعرت القطه أنني أنوي ضربها فقامت لفورها بالهجوم الشرس.. خربشات في كل مكان من وجهى وعنقى وكل ما استطاعت أظافرها بضربات خاطفة قوية أن تطوله من جسدى .. كادت أن تقتلني لولا أن العائلة مضطرا للهجوم عليك.. و بشراسة).
و
في قلتك..
ميه عشان كل العطاشه علي الطريق
أصبحت الرحمن صديق
وأعطيت كتير للكل
من حبك يا صاحبي في العطاء
الكبرياء عندك ثقه.. بحب رب العزة ليك
الكل قال تسلم عنيك
علشان جميع الناس تشوف
ولا خوف يهزم يهزك بأن الزاد صبح في الجيب قليل
عمرك ما كنت ف يوم بخيل
وليل طويل جوه الوجود
النور تشوفه في السجود
والفجر ييجي عشان يجود..
باللي.. لاجل يبان عليك
لسه إيديك ممدودة الحائرة اللي تاهت اللي تاه
و ما زال قمر عطفك على كل اللي عايز يشبه صلاة
من كتاب (مدد.. مدد..)
سيرة ذاتية لبلد