رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: وبعد فيلم (أم العروسة).. هم ما يتلم!

محمد شمروخ يكتب: وبعد فيلم (أم العروسة).. هم ما يتلم!

محمد شمروخ يكتب: وبعد فيلم (أم العروسة).. هم ما يتلم!
الصورة المنقولة ليست فقط خاصة بأسرة حسين وزينب، بل نقلت ولو بطريقة غير مباشرة

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ

عذراً يا عزيزي، فقد قررت أن أنكد عليك حياتك خاصةً حين تصادف عرضاً لفيلم من فئة (أفلام العيلة) التى لا نكف عن مشاهدتها مهما تكرر عرضها، ولنترك فرصة للأفكار والشجون للتداعى، فلا أخفيك سراً أنه خلال إجازة العيد، صادفت أحد هذه الأفلام على أكثر من قناة تلفزيونية، وهو فيلم (أم العروسة).

والنكد الذي جئتكم به، لا علاقة له بالفيلم مباشرةً، بل بفيلم الواقع المعاش.

ومن أهم مزايا الأعمال الفنية، أنها تنقل صورة عن العصر الذي أنتجت فيه إلى العصور التالية، فتصير كالشواهد الدالة أو كالوثائق الناطقة عن شكل الحياة في ذلك العصر.

وفي فيلم (أم العروسة) الذي أنتج في عام 1963، نعيش مع أسرة (حسين وزينب) صورة حية، لا عن حياة عائلة (الأستاذ حسين) خاصة، بل عن حياة الموظف المصري التقليدى الذي يعانى ضنك الحياة، وهو يعول أسرة مكونة من  7 أولاد وبنات وأمهم.

ومع أن (حسين أفندى) ليس سوى (حتة موظف متوسط) ينتظر بفارغ الصبر أنباء العلاوة الجديدة حتى تعينه على تكاليف الحياة، إلا أنه كان يعيش حياته (بلا أزمات) رغم الشكوى، فلم تكن قصة (أم العروسة) خيالية ولا مبالغاً فيها، أن يقدر موظف على إعاشة أسرة كبيرة إعاشة كاملة، معتمداً فقط على مرتبه من وظيفته الحكومية، فهو ليس له أى مصادر دخل أخرى غير هذا المرتب!

يومه عادى جداً من البيت للشغل ومن الشغل للبيت، فهو لا بعمل أوقات إضافية في المصلحة الحكومية ولا اضطر إلى البحث عن عمل يكفل له مورداً إضافياً بعد الظهر في اية جهات أخرى!.

كذلك الزوجة تعينه على تربية الأولاد وتشارك في أعباء البيت بتربية الطيور في عشة فراخ فوق سطح العمارة التى تسكن الأسرة إحدى شققها.

محمد شمروخ يكتب: وبعد فيلم (أم العروسة).. هم ما يتلم!
لسنا بحاجة الى أن نفهم أن الشقة إيجار قديم، فأيامئذ لم تكن شقق التمليك قد ظهرت بعد

شقة إيجار جديد أو مفروشة

لسنا بحاجة الى أن نفهم أن الشقة إيجار قديم، فأيامئذ لم تكن شقق التمليك قد ظهرت بعد كما في العصور التالية، ولم يكن المستأجر مقيداً بمدة زمنية معينة ولا كانت زيادة الإيجار بشكل دورى مطروحة من الأساس ولا أثر هناك لمصطلحات شقة إيجار جديد أو مفروشة!

فالصورة المنقولة ليست فقط خاصة بأسرة حسين وزينب، بل نقلت ولو بطريقة غير مباشرة، صوراً لأوجه الحياة الاقتصادية العامة للفرد والأسرة والمجتمع و(الدولة) وخاصة في علاقة هذه الأخيرة مع الموظف الذي يشكل اللبنة الأساسية في بنيانها الإدارى العملاق الذي أعطاها وظيفتها هى نفسها في الوجود!

في بداية أحداث فيلم (أم العرسة)،  فتح الأستاذ حسين الراديو ليتابع آخر أخبار العلاوة ومع صوت المذيع، طار أفراد الأسرة جميعاً فرحا بإعلان قرب حصول أبيهم على علاوة قدرها 3 جنيهات و48 قرشاً فقط لاغير، وراح الأبناء يهنئون أباهم على هذه الزيادة التى خولت له أن يعدهم بشراء ما طلبوه منه دون جدال أو حساب!

جميعهم يسكنون في شقة مكونة، كما يبدو، من ثلاث غرف وصالة بملحقاتها.

وكان لابد من أزمة تقوم عليها عقدة فيلم (أم العروسة) المأخوذ عن رواية الأديب الكبير عبد الحميد جودة السحار التى تحمل الاسم نفسه، وأخرجها للسينما المخرج الشهير عاطف سالم.

والأزمة كانت في تدبير تكاليف زواج الابنة الكبرى (أحلام)، وهنا نشعر بالمعاناة الحقيقية، فلم يكن هناك أى أثر ملحوظ لأى معاناة قبل ذلك، لا في نفقات طعام ولا كسوة ولا تعليم ولا دروس خصوصية ولا موبايلات ولا باقات ولا هم ما يتلم، في وقت كانت أسرة (حسين وزينب) شكلاً وموضوعاً وعدداً، هى النموذج السائد للأسرة المصرية!.

وغاية ما احتاج إليه (حسين أفندي)، لم يزد عن مبلغ 150 جنيهاً مصرياً، على أن يسددها فور إتمام إجراءات استبدال مبلغ من المعاش لإتمام فرح ابنته بعد أن أنفق كل ما استطاع (تدبيره) لتجهيزها للزواج!

رغم شكوى الغلاء

والمستفاد من هذا، أنه رغم شكوى الغلاء مقارنة بالدخل الشهرى، والتى لم تظهر إلا عند زواج الابنة الكبرى، إلا أن الأسرة المصرية العادية، لم (تعتل هم) حياتها اليومية وأن أكثر ما فعله رب هذه الأسرة، هو أنه مد يده الى عهدته ليأخذ منها بشكل مؤقت مبلغ  الـ 150 جنيهاً بنية السداد قبل موعد مراجعتها وتسليمها، فهو إذن ليس موظفاً فاسداً أو مختلساً.

وحين كشف لزوجته أنه حزين بسبب اضطراره لاستبدال المعاش، لأن هذا سيكون على حساب حقوق الأبناء في ذلك المعاش، طمأنته الزوجة بألا يقلق على مستقبلهم (لأنهم بكره هيكبروا ويشتغلوا).

فلم تكن صورة أى من المستقبلين؛ القريب أو البعيد؛ تدعو للقلق!

ولم يكن الرجاء فى عمل الأولاد، شيئاً عسير المنال يقترب من تخوم المستحيل!

ورغم ضخامة هذا المبلغ بمقاييس ذلك الزمان إلا أن (مرقص أفندى) زميل (حسين أفندي)، تمكن من تسديد المبلغ عنه ومن جيبه الخاص، لحين إتمام إجراءات استبدال المعاش ليسددهم له حسين على مهله!

وفي مشاهد نهاية فيلم (أم العروسة) تجد أيضاً الشاب شفيق يطلب يد نبيلة مستغلاً وجود المأذون الذي سيعقد قران جلال وأحلام، لتكن الفرحة فرحتين في ليلة واحدة وأنه مستعد لمساعدة حسين أفندى في كل شيء!

خطوبة وكتب كتاب نبيلة + حفل زفاف أحلام في نفس الليلة.

فهو لم يحجز قاعة لكتب الكتاب في واحد من المساجد الكبري، فلم تكن تلك العادة معمولاً بها على ذلك العهد ولا خطرت على بال أحد، فلم تكن المساجد إلا للعبادة، لا وجه للاستثمار بها أو فيها، لا في أحزان الناس ولا في أفراحهم!.

ولا قاعة في فندق يعجز عنها الآن غالبية الشعب، ولا حتى في تلك القاعات في الأندية ومراكز الشباب والنقابات أو التى بنيت على أطراف المدن!.

(مش قلت لك هأنكد عليك)

(لكن لن أسرف في النكد عليك وأقارن بين أوضاع الأمس وأسعارها مع القياس مع الفارق)

كفاية قوى عليك كده النهارده!

لكن أدعوك لمشهد النهاية الأخير، حيث ظهرت الست (زينب) مع خلفية موسيقية ساخرة؛ وهى حامل على وشك الولادة تدفع أمامها عربة أطفال تحميل عليها طفلتها قبل الأخيرة!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.