
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
(عمرو دياب)، لا يكفيه بلوغه ذروة الشهرة وقمة النجومية، ولم يعد يقنعه أنه الأول في العالم العربي، وأصبح كل ما يشغله أن يطارد عمره وأن يوهم نفسه قبل جمهوره أنه لا يزال شاباً، ولأجل ذلك ازدادت تقاليعه الخارجة عن قيم المجتمع خلال السنوات الأخيرة، ومن حفل لآخر يفاجئ جمهوره بتقليعة جديدة أكثر انفلاتاً من سابقاتها، وكأنه يعيش في سباق مع نفسه للتجاوز على الثوابت الشكلية والقيمية.
كلما تقدم الإنسان في العمر كلما ازداد حكمة ووعياً ووقاراً واعتزازاً بالمبادئ وتمسكاً بالقيم وزهداً في المظاهر البراقة وصدقاً في القول، وذلك بصرف النظر عن المهنة التي قضى حياته فيها، أو الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ولكن الفنان (عمرو دياب) شذ عن القاعدة وخرج عن الطبيعة الإنسانية، وبدلاً من أن يزداد وقاراً ازداد فلتاناً.
(عمرو دياب) نجم نجوم الغناء في العالم العربي، رجل ستيني، بدأ حياته الفنية وقوراً في هيئته مجدداً في أسلوبه الغنائي، منوّعاً في موسيقاه، حريصاً على لياقته البدنية بممارسة الرياضة بشكل يومي حتى يصبح النموذج والمثل في بنيانه الجسدي وملامحه العضلية، ولأجل أن تساعده هذه اللياقة في بلوغ قمة النجاح وقمة الشهرة، وقمة الثراء أيضاً.
ولكن هذه القمم أفقدته الكثير من الحكمة، وقرر أن يغير في هيئته من وقت لآخر، وَشَم ذراعيه وصدره وساقيه وأصبح جسده حاملاً للعديد من التاتوهات التي قد تعبّر عن ذكريات وشخصيات في حياته مثل أبنائه أو تاريخ ميلاده أو ميلاد والديه أو أشياء أخرى يعتز بها.
ومهما كانت الدلالات فإن هذا الفعل الذي بدأه عام 2017 أي عندما كان عمره 56 عاماً أمر خارج عن القيم المجتمعية، حتى ولو قبلته بعض الفئات، ولأنه لم يفعل ذلك في شبابه أو مراهقته فإنه لا يعبر عن قناعاته الذاتية ولكنه محاولة لمسايرة الأجيال الجديدة، رغم أن الوشم من الأفعال التي لم تلق القبول المجتمعي، وندم على فعلها كثير ممن تورطوا فيها تقليداً للغرب، وأصبحت اليوم من الظواهر غير الجاذبة لمدمني العبث بالجسد والشكل.

يرتدي حلقاً في أذنيه
لم نر (عمرو دياب) يرتدي حلقاً في أذنيه وهو شاب في مقتبل العمر، إنما رأيناه يفعل ذلك وهو يقترب من أرذل العمر، مما يؤكد أنه كلما تقدم في السن كلما ازداد سعياً للفت الأنظار وإثارة الجدل حوله، وكأنه لم يكتف بحجم نجوميته أو أنه لم يعد مقتنعاً بأن أغنياته وحدها تكفي للحفاظ على مكانته وإثارة الإعجاب به، وأنه يحتاج المزيد من الأعمال الصبيانية للفت الأنظار وركوب التريند والبقاء في دائرة الضوء.
عاش (عمرو دياب) معظم حياته مقتنعاً بهيئته محافظاً على لون شعره الطبيعي، وخلال سنوات الجموح الأخيرة وفي إطار مساعيه لإيهام جمهوره بأنه لا زال شاباً قام بتغيير لون شعره إلى لون يراه البعض غير متناسق مع ملامحه الشخصية.
ولعل السبب الرئيسي لذلك هو محاولة إخفاء الشيب بجانب أنه تقليد غير حكيم لفنانين عالميين مثله مثل الوشم والحلق وغيرها من المظاهر الشكلية التي يفاجئ بها النجم الكبير جمهوره من وقت لآخر.
التقليعة الكبرى لـ (عمرو دياب) هى الملابس التي أطل بها في إحدى حفلاته الأسبوع الماضي والتي كانت عبارة عن ملابس بيضاء فاقدة للهوية الذكورة وكذلك الأنثوية، هى ملابس تصلح أكثر للجنس الثالث، بشفافيتها وتفصيلتها وكل تفاصيلها، ملابس أثارت الجدل حول هوية (عمرو دياب) الجديدة والتي لم تعد امتداداً لهويته الأصلية.
أصبح تائه الشكل مشوش الفكر ومشوه الملامح، يسير على نفس طريق (محمد رمضان وأحمد سعد) من نجوم هذا الزمن المشوه، من دون وعي أنه استطاع بطبيعته وذكائه وقدراته على التجدد غنائياً وموسيقياً والاحتفاظ بعرش الغناء العربي لمدة 40 عاماً.

نجوميته مازالت طاغية
حفلات (عمرو دياب) لا تزال تحقق أعلى الإيرادات ونجوميته مازالت طاغية، ورغم ذلك فإن نهمه يفقده الإحساس بالرضا والتشبع، يخشى من الكبر، ويخشى على العرش، ويخشى على الثروة، وهو ما يفقده أي متعة بما حقق من نجاحات.. يعيش حبيس الخوف من الغد وعدم الرضا عن شكله وعدم الثبات على موقف، ولعل ذلك ما يفسر عدوانيته تجاه المعجبين به أحياناً وانفلاته العصبي أحياناً حتى على المصورين.
لو سلمنا بأن ما يفعله (عمرو دياب) أمر شخصي لا ينبغي التدخل فيه، فإننا لا ننكر أن من حق أي إنسان أن يتصرف بخصوصياته كيفما يشاء مادام لا يؤذي بها الآخرين، ولكن الأمر يكون مختلفاً حين يتعلق بنجم كبير وشخصية مؤثرة تلقي بظلال على المعجبين بها، وسلوكيات (عمرو دياب) موضع تقليد من ملايين الشباب.
وعندما يرونه صاحب هوية تائهة ما بين الذكورية والأنثوية فإن الضعفاء منهم سينهجون نهجه ويتيهون تيهه، ليتكاثر في حياتنا الجنس الثالث الذي تحميه قوى الشر العالمية وتريد تكاثره بيننا، ولن يكون التيه في الشكل فقط، ولكنه في الجوهر والسلوك والقيم والمعتقدات، والتائهون هم البوابة التي يدخل منها المتربصون للنيل من سلام المجتمعات.