وزير الثقافة الجزائري يشارك في جنازة (الأخضر حمينة) أحد أعمدة السينما الجزائرية

كتب: أحمد السماحي
مساء أول أمس السبت 24 مايو 2025، شارك وزير الثقافة والفنون، السيد (زُهَيْرِ بَلّْلُو)، في مراسم تشييع جنازة فقيد الجزائر، المخرج والمجاهد الكبير (الأخضر حمينة) صاحب رائعة (وقائع سنين الجمر) المتوجة بالسعفة الذهبية في مهرجان (كان) عام 1975.
وقد جرت مراسم تشييع (الأخضر حمينة) بمقبرة (سيدي يحيى – حيدرة)، بحضور رسمي وشعبي، تقدّمه رئيس مجلس الأمة السيّد (عزوز ناصري)، ومستشار رئيس الجمهورية السيّد (كمال سيدي السعيد)، إلى جانب عدد من الشخصيات الثقافية والفنية.
وفي تصريح بالمناسبة، جدّد الوزير تعازيه الخالصة إلى عائلة الفقيد والأسرة السينمائية، مشيدًا بمكانته الرائدة في تاريخ الفن السابع، ودوره في إيصال صوت الجزائر إلى المحافل الدولية.
كما ذكّر بتكريم رئيس الجمهورية للراحل في حياته، من خلال تسمية المعهد الوطني العالي للسينما بالقليعة باسمه، تقديرًا لعطائه وإبداعه في عالم السينما.
وأشار الوزير إلى التزام رئيس الجمهورية بالنهوض بالسينما الجزائرية، وفق رؤية متكاملة تقوم على دعم الإنتاج الوطني، ورعاية المواهب، واستثمار الإرث الثقافي.


أحد أعمدة السينما الجزائرية
وبعد انتهاء مراسيم دفن (الأخضر حمينة) وخلال أمسية نفس اليوم، سلّم الوزير لذويه بمنزلهم العائلي رسالة تعزية السيّد رئيس الجمهورية، عبّر فيها عن مشاعر المواساة والتقدير الكبير لما قدّمه الراحل من إسهامات خالدة.
وكان وزير الثقافة الجزائري (زُهَير بَلَّلُو) تلقى ببالغ الأسى والتأثر نبأ وفاة المنتج والمخرج السينمائي الكبير (لخضر حمينة) أحد أعمدة السينما الجزائرية والعربية، واسمها المضيء في المحافل الدولية.
برحيله، تفقد الجزائر قامة فنية شامخة، ومخرجًا رائدًا كرّس حياته للفن الملتزم، وأثرى الذاكرة الوطنية بأعمال خالدة، جسّدت نضال شعب، وهموم أمة، وجمال الصورة السينمائية الأصيلة.
وقد نال الفقيد جائزة السعفة الذهبية لمهرجان (كان) عام 1975 عن فيلمه الملحمي (وقائع سنين الجمر)، في تتويج عالمي استثنائي يعكس عبقريته الإبداعية وتمكّنه التقني، وارتباطه العميق بالقضية الجزائرية.
من (رياح الأوراس، وحسان الإرهابي، و ديسمبر، ووقائع سنين الجمر، ورياح رملية)، إلى (غروب الظلال)، ومن (صوت الشعب) إلى (الصورة الأخيرة)، ظل الفقيد وفيًّا لذاكرته، لوطنه، ولرسالته الفنية النبيلة، مؤمنًا بأن السينما سلاح من لا سلاح له.

علي أبوشادي يشيد بالأخضر
(الأخضر حمينة) هو أحد المخرجين العرب القلائل الذين نافسوا 4 مرات في مسابقة مهرجان كان السينمائي، وفاز بجائزتين رئيستين، هما جائزة أفضل فيلم أول عن (ريح الأوراس)، وجائزة السعفة الذهبية العريقة عن فيلم (وقائع سنين الجمر) عام 1975.
وفي كتابه (كلاسيكيات السينما العربية) أشاد الناقد الراحل (علي أبوشادي) بالمخرج (الأخضر حمينة) وقال عنه: أنه مخرج متميز، متدفق الموهبة، وحقق مع أول أفلامه الروائية (رياح الأوراس) نجاحا مدويا، استطاع أن يضع السينما الجزائرية بعد خمس سنوات من الأستقلال على خريطة السينما العالمية حين نال جائزة العمل الأول في أكبر مهرجان سينمائي دولي وهو (كان 1967).
وفي قلب فرنسا التى جثمت قواتها على الأرض الجزائرية لأكثر من مائة وثلاثين عاما، أيقنت فيه الإدارة الفرنسية أن الجزائر جزء من فرنسا أو بمعنى أدق مزرعة فرنسية على الشاطئ الآخر.
جاء (رياح الأوراس) بحسه الإنساني، وعذوبته، وشاعريته، ليفضح بلغة فنية راقية، وصدق حاد كنصل السكين، وحشية سلطات الإحتلال التى زجت بآلاف الشباب داخل غياهب المعتقلات.
وذلك من خلال رحلة أم عجوز تبحث عن وحيدها من مخفر إلى مخفر، ومن معتقل إلى آخر، تتحمل وعورة الجبال، وعصف الرياح، وسخونة الرمال.
وعبر الرحلة يضئ لنا (الأخضر حمينة) وجه الثورة المناضلة، وينقلنا من معركة إلى معركة نسمع أصواتها، ونستشعر سخونة دماء الشهداء الذين رووا بدمائهم الأرض العطشى للحرية، فأنبتت رجالا آخرين.
وتحولت الجزائر إلى غابة كبيرة من الشهداء، كان من بينهم تلك الأم الرؤوم التى ما ان لامست الأسلاك الشائكة التى حجبت ابنها عنها حتى صعقها تيار كهربائي قوي، لتسقط مسجلة رقما جديدا في ذاكرة الوطن.
كان الفيلم بليغا مكثفا، مقتصدا، ومركزا، ونافذا، ومحددا، قصيدا شاعريا يمزج في شفافية وشجن بين حب الوطن وحب الأبناء، ويتغنى ببطولة أناس عاديين دفعوا أرواحهم ثمنا لنصر لم يروه.

وقائع سنين الجمر
بعد ثمان سنوات، وفي نفس المهرجان أعتلى (الأخضر حمينة) عرش السينما في العالم بحصوله على الجائزة الكبرى (السعفة الذهبية) عن ملحمته (وقائع سنين الجمر).
وحقق ما لم يحققه سينمائي عربي قبل أو بعد ذلك، طرح (حمينة) في وقائعه سنوات المخاض في الثورة الجزائرية من سنة 1939، حتى انطلقت رافعة راية الكفاح المسلح في الأول من نوفمبر عام 1954.
يتابع الفيلم مراحل تطور الوعي عند الجماهير من خلال سكان إحدى القرى التى تعاني من العطش بسبب ندرة المياه، وسقوطهم تحت وطأة الفاقة والجوع واليأس، ويبرع (الأخضر حمينة) منذ اللحظة الأولى في تصوير تلك المأساة حيث يتقاتل الأخوة من أجل قطرة ماء، فالأرض عطشى بلا نبت ولا خضرة، يشققها الجفاف.
والخراف تنفق واحدة بعد أخرى، ويعلن البعض قنوطهم ويندفعون في اتجاه الهجرة بحثا عن الرزق أو يأسا من الحياة في تلك المنطقة المجدبة.
وتتوالى باقي أحداث الفيلم الذي أقترب (الأخضر حمينة) في أسلوبه من اعمال الكبرى في تاريخ السينما بايقاعه المتمهل الرصين، وحركة الكاميرا الناعمة المتريثة، المتابعة، والراصدة، التى تقترب من الوجوه في حب وحميمية.
وتتأمل الحدث، أو تتوغل داخله، تحتضن الوجوه المكدودة وتعلو، أو تبتعد لتقدم بناء بصريا، وقيما تشكيلية، وصورة تتسم بالغنى والثراء الحقيقي وتعدد المستويات في داخلها.
وحقق (الأخضر حمينة) في المشاهد الخارجية أعلى درجات الإستخدام الأمثل للمكان وبلورت الموسيقى في هدوء واتزان المشاعر الإنسانية، والوطنية، وأضافت إلى ثراء الصورة ثراء صوتيا بتعبيرها الدقيق عن الحدث مواكبة أو تعليقا عليه.