
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
دعانى الأستاذ الدكتور حاتم ربيع – وكيل كلية الآداب بجامعة عين شمس للدراسات العليا والبحوث – للمشاركة في مؤتمر الكلية الدولى الرابع عشر والذى عقد على مدار يومى 11 و 12 مايو تحت عنوان العلوم الإنسانية والاجتماعية ودورها في تحقيق اهداف التنمية المستدامة من خلال (المسرح).
وكان لى شرف أن أحظى بصحبته في ورشة عن (المسرح) والتنمية المستدامة، وبما أن هناك العديد من الجلسات والورش تتناول الموضوع، بما أنى في رحاب الكلية التي حاضرت في قسم المسرح بها لعدة سنوات، قررت أن (أُمسرح) مشاركتى في الورشة ، فقرأت عليهم نصا يختلط فيه السرد بالحوار وكأنه جلسة حكى، بعنوان مواطن من العالم الثالث يقدم عرضا في بلد الحريات، قلت فيها:
انتابنى شعور غريب منذ أن لامست قدماى أرض المطار، شعور بأن هناك عيون خفية تراقبنى، تقدمت باتجاه منفذ الوصول واستقر بى الحال في طابور طويل أمام نافذة الجوازات، أخذت أتلفت حولى لأعرف إن كان شعورى صحيحا أم لا؟ وجدت الجميع مشغول بنفسه، فأيقنت انى واهم..
بعد فترة وصلت الى ضابط الجوازات وأعطيته جواز سفرى مبتسما، و لكن وجهه الجهم وكأنه قناع خشبى قتل ابتسامتى، سألنى دون ان ينظر لى: انت عربى؟ قبل أن أجيب قال: الشباك الأخير.
أبعد كل هذا الانتظار أذهب الى طابور آخر وانتظار آخر؟
أسررتها في نفسى وذهبت الى حيث أشار، وعندما جاء دورى سألنى الضابط: ما اسمك ؟ قلت: (أسد الدين مجاهد بن حرب) في جزء من الثانية أحاط بى رجال أشداء بعد إشارة خفية من الضابط، بدت حركتهم وكأنها عفوية حتى لا يلاحظها أحد وسرعان ما اقتادونى إلى مكتب صغير في زاوية خفية داخل دهاليز طويلة.
أخذوا كل ما في جيوبى حتى الأدوية والنظارة وفتشونى بشكل دقيق، حتى حذائى لم يسلم منهم، ثم تركونى وحيدا.

كاميرات مدسوسة ولا يمكن رؤيتها
بخبرتى الدرامية أدركت أنه ربما هناك تشابه في الأسماء، وأنهم سيدركونه لاحقا ويقدمون اعتذارهم، و لهذا كنت هادئا أتطلع في ارجاء الغرفة الصغيرة التي تركونى بها حيث لا نوافذ على الإطلاق، وحتى الباب يكاد أن يكون مخفيا ولا يمكن فتحه من الداخل، وليس بالغرفة سوى مقعد واحد.
أدركت على الفور أنهم لابد وأنهم يراقبوننى من مكان خفي، ربما كان هذا الحائط أو ذاك من زجاج مموه يجلسون خلفه، أو ربما هناك كاميرات مدسوسة ولا يمكن رؤيتها.
مضت دقائق أو ربما ساعات قبل أن يفتح الباب لتدخل شابة تجر مقعدا لتجلس أمامى قائلة: (أسد الدين مجاهد بن حرب؟)، أهذا اسم أم موقف سياسى ودينى؟ اندهشت لأنها تتحدث العربية بطلاقة.. قلت وأنا أحاول تخفيف سخونة الموقف: انه السيد الوالد قرر أن يمحو هزائمه بأسماء رنانة لأولاده، (أسد الدين) و(ناصر الدين)، و.. قاطعتني!
ما الذى أتى بك الى هنا؟
قلت لأقدم عرضا في (المسرح).
قالت: وحدك؟
قلت: كلا معى زملاء كانوا على نفس الطائرة ولكن من جنسيات أخرى.
قالت: تمويه جيد عموما ستكتب لى أسماءهم جميعا وجنسياتهم و جهة تمويل العرض.
قلت: ليست هناك مشكلة.
قالت: بل هناك مشكلة فلقد أنكروا معرفتهم بك
قلت: إذن تعرفينهم.
تجاهلت سؤالى وقالت : وماهو موضوع عرض (المسرح)؟
قلت: عن التنمية المستدامة.
ضحكت وقالت في استنكار: وهل تعرفون التنمية المستدامة ؟
قلت: بالطبع، نحن نطلع على أحدث ما ينتجه الغرب من أفكار.
قالت: أحدث؟ التنمية المستدامة مصطلح ظهر في بداية الثمانينات.
أكملت لها المعلومة: في منشور أصدره الاتحاد الدولي لحماية البيئة، ولكنه انتشر على نطاق واسع بعد أن استخدمته اللجنة العالمية للبيئة والتنمية التابعة للأمم المتحدة في تقريرها مستقبلنا المشترك عام 1987.
لمحت في عينيها نظرة إعجاب فأكملت: و في عام 2015 أصدرت الأمم المتحدة 17 هدفا للتنمية المستدامة تسعى إلى تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها أي استخدام الموارد بشكل يضمن استمرارها للأجيال القادمة، مع تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي، والمحافظة على البيئة، والرفاهية الاجتماعية

تحقيق العدالة الاجتماعية
قالت: و أي أهداف للتنمية المستدامة تسعى انت الي تحقيقها ؟
قلت: بالطبع القضاء على الفقر والجوع وتحقيق العدالة الاجتماعية و ضمان الصحة الجيدة والتعليم الجيد.
قالت: و كيف يحقق (المسرح) هذا؟
قلت: يمكن لـ (المسرح) أن يقدم عروضًا تناقش قضايا العدالة الاجتماعية مما يسهم في تشكيل وعي جماعي قادر على الدفع نحو التغيير المستدام.
قالت: و هل قدمت مثل هذه العروض ؟
قلت في فخر: هناك مسرحية أعشقها للكاتب محمود دياب (دونت الاسم في سرعة): اسمها (باب الفتوح)، كتبت قبل أن نسمع عن هذا المصطلح، تتحدث عن شاب سعى لمقابلة (صلاح الدين الأيوبي) قبل أن يفتح القدس كى يهديه نسخة من كتابه، الذى دون فيه شريعة للحكم.
دونت وهى تنطق بكلمات محددة: (صلاح الدين.. فتح القدس.. شريعة)، وماذا في هذه الشريعة؟
قلت: إنها تنص على أن لكل فرد في الأمة حق معلوم في المأكل والملبس والمسكن والعلم، ومن حق القادر أن يعمل ومن حق العاجز أن يأكل، وكذا الأيتام والأرامل و من أقعده السن.
المركب توشك أن تغرق ولكي ننقذها لابد وأن نتخفف من بعض الأثقال، ووسيلتنا إعتاق عبيد الأمة، لا يوجد بلد حر إلا بشعب حر، فما من شيئ يدفع عبدا أن يستشهد ليصون الحرية للأسياد، أن يحمى أرضا لا يملك فيها شبرا، أن يحفظ نهرا لا يعطى منه جرعة ماء، أن يمنح دمه ليحيا جلادوه.
لو أنا اعتقنا الناس جميعا ومنحنا كلا منهم شبرا في الأرض وأزلنا أسباب الخوف لحجبنا الشمس إذا شئنا بجنود يسعون إلى الموت ليذودوا عن أشياء امتلكوها، و اكتشفوا كل معانيها، هكذا يكون المسرح أداة لرفع الوعى و التعليم و التثقيف و بالتالى هو أداة للتثوير عن طريق (المسرح).
هنا ارتجت الغرفة وكأن كلمة التثوير هى شيطان مس من هم خارجها..
وللحديث بقية…