(كريم محمود عبد العزيز).. كوميدان يملك القدرة على إدخال الفرح إلى قلوب الناس


بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
الممثل الكوميدي الناجح هو الذي يتقن دوره، ويؤدي الشخصية المطلوبة منه، بإقناع كبير، بغض النظر عن هذا الدور أو غايته، لكن ما يؤكده الجميع، أن أصعب الأدوار التمثيلية هى الأدوار الكوميدية القادرة على إدخال الفرح إلى قلوب الناس، ورسم البسمة على شفاههم، والضحكة على أفواههم، وهو ما يفعله الفنان الكوميدي الشاب والموهوب (كريم محمود عبد العزيز).
(كريم محمود عبد العزيز) الذي على مايبدو ورث جينات والده، من أولئك الفنانين الذين يملكون القدرة على إدهاش الجمهور عبر لون من الكوميديا الفطرية التي تنساب بسهولة ويسر في أفلامه السينمائية أو في مسلسلاته التلفزيونية، وهو ينطلق في ذلك من قاعدة مهمة بأن أداء (الكوميديان) أصعب بكثير، من مهمة (التراجيديان) كما بدا لنا في مختلف الأحقاب والأزمنة.
أثبت (كريم محمود عبد العزيز) على مدار مشواره الفني أنه يمتلك أدوات الإضحاك، إذ أن لها بعدا عضويا وجسمانيا معينا، وقد يكون فيه تشويه يثير الضحك (جروتسك) ولها بعدا اجتماعيا ينتمي إلى طبقة اجتماعية، كما اتضح ذلك من أدائه في غالبية أعماله السينمائية والتلفزيونية.
من خلال متابعتي لمسيرة (كريم محمود عبد العزيز)، لاحظت أن الكوميديا ترتكز عنده على مبدأ أنه فنا يعتمد على التعمق بالنفس البشرية، حسب مفهوم (هنري برجسون): (إن أهم ما يجب أن يلفت نظرنا في عنصر إثارة الضحك هو أن هذا العنصر يجب أن يكون إنسانيا، أي إنه لا يضحكنا سوى الإنسان، فنحن قد نرى منظرا طبيعيا جميلا فاتنا خلابا أو منظرا قبيحا تافها، ولكننا لا نرى منظرا مضحكا..
حقا.. قد يضحك بعضنا على حيوان أو جماد ، ولكن سبب الضحك هنا هو ما نلمسه في هذا أو ذاك من لمسة إنسانية تعبر عن موقف أو تعبير بشري، تماما كما جاء به (كريم عبد العزيز) في عدة أدوار سينمائية وتليفزيونية اختلف فيه شكلا وموضوعا عن شخصية (المهرج) التي ارتبطت بالمسرح).

اللياقة الجسدية، وخفة الحركة
يتميز (كريم عبد العزيز) دوما باللياقة الجسدية، وخفة الحركة، والقدرة على الاستعراض والبهلوانية، إلا أنه يملك قدرة عجيبة على تفجير الضحك من قلب المواقف البسيطة بسوله ويسر، ولا يتعمد فيها على جسمه النحيل، فقط يعتمد على تعبير عينين يحملان براءة مذهلة.
المعروف أن كتابة أو تمثيل الكوميديا من أصعب الفنون الدرامية على الإطلاق، ولذا أصبحت سمة الاستسهال لسد حاجات السوق هى المعول الرئيسى فى هدم فن الكوميديا على مستوييها العربى والمحلى.
وبطبيعة الحال هناك فارق كبير بين الضحك والكوميديا؛ فالضحك غريزة إنسانية فطر عليها (كريم عبد العزيز)، نتاج تفاعلات كيميائة فيزيائية، وعلى سبيل المثال (الزغزغة) أو النكتة، أو غير ذلك من المثيرات الفسيولوجية التى تنتج الضحك، أو لعلها مقرونة بغريزة الانتصار فى وضع المقارنة أو ما يسمى نظرية الإحلالية عن شخص وقع فى مقلب تتعالى ذواتنا عنه.
أحد أهم جوانب الكوميديا عند (كريم محمود عبد العزيز)، هى خلق شخصيات لا تُنسى تجعل الجمهور يضحك ويتعلق بها، فهو عندما يقبل على عمل ما يدرك تماما أن الشخصيات هى قلب وروح أي قصة، وخاصة في الكوميديا، ومن ثم يجب أن يكون لديه شخصيات مميزة ومراوغات وعيوب وأهداف تدفع الفكاهة والحبكة.
يسعي (كريم محمود عبد العزيز) سعيا حثيثا نحو معرفة الخلفية الدرامية لشخصيته التي يلعبها ودوافعها.. الشخصية الجيدة ليست مجرد مجموعة من النكات والصفات، ولكنها شخص مكتمل الجسد وله تاريخ ودافع ونظرة للعالم.
إن معرفة الخلفية الدرامية لشخصيتك ودوافعها ستساعدك على فهم كيفية تفاعلك في المواقف المختلفة وما يريدون وما يخشونه، على سبيل المثال، إذا كانت شخصيتك موظف مكتب أخرق وغير آمن ويريد إثارة إعجاب رئيسه، فتراه يستخدم ذلك كمصدر للكوميديا والصراع في سيناريوهات مختلفة.
عادة ما يمنح (كريم محمود عبد العزيز) شخصيته صوتا وسلوكا فريدا بحيث تتمتع الشخصية التي لا تنسى بطريقة مميزة في التحدث والتصرف مما يميزها عن بقية الممثلين والجمهور، لذا تراه يمكن أن يعتمد الصوت والسلوك الفريد على شخصية شخصيته أو خلفيتها أو ثقافتها أو مهنتها.




التباين والمبالغة أداتين قويتين
يعد التباين والمبالغة أداتين قويتين لدى (كريم محمود عبد العزيز) لإنشاء شخصيات كوميدية لا تُنسى، التباين هو عندما تخلق اختلافا أو صراعا بين شخصيه وبيئتها، أو توقعاته، أو أفعاله، والمبالغة عنده هى عندما تقوم بتضخيم أو تضخيم جانب معين من شخصيته لجعله أكثر وضوحا وروح الدعابة.
الشاهد من أداء (كريم محمود عبد العزيز) أنه يجعل شخصيته محبوبة ومتعاطفة، بحيث تصبح تك الشخصية لا تنسى في كونها ليست مضحكة فحسب، ولكنها أيضًا محبوبة ومتعاطفة، الشخصية المحبوبة والمتعاطفة هى الشخص الذي يمكن للجمهور أن يشجعه ويهتم به ويتعاطف معه.
ولكي يجعل (كريم محمود عبد العزيز) شخصيته محبوبة ومتعاطفة، فهو في العادة يمنحها بعض الصفات الإيجابية، مثل اللطف أو الشجاعة أو الصدق أو الولاء، ربما تحتاج أيضا منه منحها بعض العيوب أو التحديات أو نقاط الضعف التي تجعله بشرا يمكن التواصل معه.
بدأ (كريم محمود عبد العزيز) رحلته الفنية وهو في العاشرة من عمره، حيث شارك في فيلم (البحر بيضحك ليه – 1995، وتلقى أول أجر له، وقدره 600 جنيه، من فيلم (الناظر- 2000، وهو العام الذي رسب فيه بمادة التاريخ بسبب انشغاله بالتمثيل في مسلسل (رجل من زمن العولمة) مع الفنان صلاح السعدني.
وكان (كريم محمود عبد العزيز) قد صرح سابقا: أن والده، الفنان الراحل (محمود عبد العزيز)، لم يكن مؤيدا لفكرة دخوله عالم الفن في البداية، مشيرا إلى أنه كان يرافق والده إلى مواقع التصوير والمسارح، وكان يشعر بانجذاب داخلي نحو هذا العالم.
وتابع قائلا: (تلقيت عرضا للعمل مع الفنانة دلال عبد العزيز، وكنت أشعر بتوتر شديد وخوف، بعد تلك التجربة، اعتقدت أنني لا أصلح للتمثيل وقررت رفض الفكرة.
منذ عام 2000، شارك (كريم محمود عبد العزيز) في العديد من الأفلام والمسلسلات، منها )حصل خير – 2012) فيلم (عش البلبل – 2013)، وأيضا (فيلم شلبي – 2013)، فيلم (عمر وسلوى – 2014)، فيلم (إطلعولي بره – 2018)، فيلم (خطوة للخارج)، كما قدم فيلم (من أجل زيكو) – 2022) مع النجمة منة شلبي.
وفي التلفزيون، قدم العديد من المسلسلات الناجحة منها مسلسل (محمود المصري – 2004) مع والده الفنان الراحل (محمود عبد العزيز) مسلسل (أحزان مريم – 2006)، مسلسل (الجماعة – 2010، مسلسلات (الهروب، 9 جامعة الدول، باب الخلق – 2012).
مسلسل (الكابوس – 2015، مسلسل (ربع رومي – 2018، مسلسل (شقة فيصل – 2019، كما شارك في مسلسل الاختيار – 2020، وأيضاً مسلسل (البيت بيتي – 2023، وفي رمضان 2024 قدم المسلسل الكوميدي (خالد نور ووالده نور خالد)، وحاليا يقدم فيلم (الهنا اللي أنا فيه)، ومقبل على مسلسل (مملكة الحرير).



معاناة أبناء المشاهير
معروف أنه يعانى أبناء المشاهير في كافة المجالات وتحديدا الإبداعية، من أزمة كبيرة للغاية وهى المقارنة بآبآئهم الذين يكونون في أوج الشهرة والإبداع والتألق الفنى، وتكون أزمة ولعنة الابن أنه يعيش فترة كبيرة في نظر الجمهور في مقارنة مع أبيه.
وغالبا ما تكون المقارنة ليست في صالح الابن، وكثيرا ما يضجر الابن ويصرخ بأنه لا يقلد أباه ولا يعيش في جلبابه على اسم الرواية التي كتبها الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس، وعبر فيها عن جزء من مشكلة ابنه معه لتتحول بعد ذلك إلى مسلسل من أشهر المسلسلات العربية.
أبناء فنانين كثيرين عاشوا هذه المعضلة وعانوا من تلك الأزمة، ولم يعبرها سوى قلائل استطاعوا فرض موهبتهم على الساحة الفنية ومنهم (كريم محمود عبدالعزيز) الذي استطاع في سنوات قليلة أن يحقق نجومية كبيرة في السينما، ويخلق بهجة كبيرة سواء بأداءه التمثيلي أو بأغانيه، ليسير على درب والده الراحل.
وتعد نقطة التحول بالنسبة لـ (كريم محمود عبد العزيز) هى مسلسل (هوجان) وتقديمه لشخصية (لطفى الحراق)، وقدم مع (محمد إمام ) ثنائيا كوميديا ومتفاهما للغاية، وحاول إشباع الجمهور بتجربة طالما تمناها ولم تحدث وهى تعاون آبائهما عادل إمام ومحمود عبدالعزيز في عمل فنى.
كريم محمود عبدالعزيز وبأسلوب مختلف عن أبيه غنى أغاني حققت شعبية كبيرة مثل: (الغزالة رايقة) في فيلم (من أجل زيكو)، أو صابر في فيلم (شلبي) ومؤخرا غنى الأغنية الدعائية لفيلم الهنا اللي أنا فيه (قلب قلبي).
وكشف (كريم محمود عبد العزيز)، كواليس غناءه (قلب قلبي)، خلال أحداث الفيلم، مؤكداً أنه قدم تلك الأغنية وفقا لرؤية صناع العمل، كما أنها تتماشى مع السياق، متابعا: (أعتقد أنها تجربة لذيذة تُشبه الفيلم، ولاقت إعجاب الجمهور).
وأكد: (أنا أحب الغناء داخل أحداث العمل فقط، وبهدف إسعاد الجمهور، ولكنه ليس الأساس بالنسبة لي، خاصة أنا لا أتوقع نجاح الأغاني من عدمه، مثلا أغنية (الغزالة رايقة) لم أتوقع رد فعل الجمهور عليها، وتعلقه بها بهذا الشكل).
وفي النهاية: لابد من تحية تقدير واحترام للفنان الكوميدي الشاب (كريم محمود عبد العزيز)، الذي حقق إسم فني لامع في في بداياته الفنية بعد إثبات موهبته، ولم يقفز إلى عالم البطولة المطلقة بشكل سريع، إذ (عافر) كثيرا من أجل هذا الهدف، وشارك في أعمال تعتمد على فكرة البطولة الجماعية منها أفلام (ساعة ونص، حصل خير).
وقدم بعدها أول أدواره الكبيرة وأدوار البطولة بكفاءة واقتدار وهو ما يشهد على صفاء موهبته في فن الكوميديا، بل إنه ما يؤكد أن جينات (والده) تسري في عروقه وتعد دافعا قويا له في اختيار الأداء الكوميدي الاحترافي.