
شعبيا وبعيدا عن المناظرات.. فلسطين.. ومصر … علاقة خاصة جدا!!
بقلم الدكتور: إبراهيم أبوذكري *
كانت لي معه رحلة طويلة بوفد رسمي من الإمارات العربية المتحدة ونمثل هذه الدولة بغض النظر عن جنسياتنا، وكانت رحلة طويله في الوقت وأيضا بالمسافات بين الدول من بيروت إلى إيطاليا.. ومن باريس إلى الجزائر.. واكبت هذه الرحلة الطويلة بالتوازي أحداث عربية ومصرية بعد إعلان (السادات) أنه جاهز الداخل للكنيست بإسرائيل، وتطورت الفكرة الي تنفيذ على ارض الواقع وبدت التجهيز لزيارة الرئيس السادات للقدس.
(أحمد شاب).. فلسطيني تخرج من معهد السينما بالقاهرة.. حلم بالإنتاج الخاص في وقت لم يفكر فيه الا القلائل في هذا الاتجاه.. بعد ظهور الفضائيات والتليفزيون الملون.. هو وطني بطبعه.. حاد المزاج.. سريع الغضب.. يحمل كمية من الغضب في صدره.. تكفي كتيبة من المقاتلين..
وكانت المشاعر العربية تجاه الرئيس (السادات) كانت متباينة ومعقدة، فبعد توقيع السادات على اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 في كامب ديفيد أثار ردود فعل متباينة. بينما اعتبر البعض ذلك خطوة جريئة نحو السلام والاستقرار في المنطقة وكان صديقي هذا من هذا الجانب، وجانب آخر اعتبره آخرون خيانة للقضية الفلسطينية.
وعلي الرغم من هذا التباين سعى (السادات) لتأكيد دور مصر كقائد عربي بعد حرب أكتوبر 1973، وأظهر طموحات كبيرة في تعزيز النفوذ المصري، بعض الدول العربية دعمت ذلك، بينما اعتبرت دول أخرى أن هذا سيفقد مصر مكانتها في العالم العربي.
وفي اتجاه الدول العربية اتبع (السادات) سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تبناها السادات (الانفتاح أو الساداتية ) أثرت على الاقتصاد المصري، ولكنها أدت أيضًا إلى تباين في الآراء وفي التباين الذي كان مصاحبا معنا في الرحلة أنا وأحمد حول مدى نجاحها في تحسين الظروف المعيشية.

واجه (السادات) معارضة داخلية
لم تكن معارضة (السادات) من العالم العربي فقط بل واجه (السادات) معارضة داخلية، بما في ذلك انتقادات من الأحزاب السياسية والنقابات وكنت أنا منهم، مما أثر على صورته في العالم العربي.
بشكل عام، يمكن القول إن مشاعر العرب تجاه (السادات) كانت مختلطة وتعكس الانقسامات السياسية والاجتماعية في العالم العربي في ذلك الوقت وكانت هذه الرحلة نموذج مصغر لما يحدث بالعالم العربي ومصر.
كانت الأحداث ساخنة وردود الفعل شديدة.. وأحاديث الجنسيات ملأت آذان الجماهير العربية.. وأحاديث تصفية حسابات الافراد دخلت الي تعميم الأحداث.. وصراع الجاليات بالعالم العربي.. بدأ يطفوا على ساحة الأحداث
المختلفة ومن بيروت الي الجزائر مرورا بنابلي وباريس قابلنا الكثير.. نوعيات كثيرة من البشر بجنسياتهم.. وطر في القضية والأحداث هم طرفي الرحلة.. مصري ممثلة في وفلسطيني ممثلة في (أحمد) وعلي الرغم من أني مصري، لكن كنت من المعارضين لاتفاقية (كامب ديفيد) وكان أحمد الفلسطيني أكثر سعادة مني بهذا الاتفاق، مؤكدا أنها فرصه العمر لإقامة الدولة الفلسطينية بعد انتصار أكتوبر اتفاق بعد انتصار.
سمعنا الكثير والكثير.. سمعنا كلاما معتدلا.. وكلاما غاضبا.. وكلاما عاتبا.. كان (أحمد) يناقش ويحتد.. فهو مؤمن بموقف (السادات).. معتبرا أن (السادات) قد اخترق صفوف العدو.. وأن هذه الفرصة لن تعوض للفلسطينيين.. مؤمن أيضا بأمانة مصر على القضية الفلسطينية عبر العصور.. فكان حواره حادا لا يليق بوفد يمثل دولة ليست طرفا في النزاع ونحن في مهمة رسمية يمثل دولة الإمارات العربية
قلت له: نحن أمام مهمة هى صميم عملنا ورحلتنا هذه.. هذه المهمة نستطيع أن نحقق بها إيجابيات كثيرة كما وعدنا أصحاب القرار بدولة الإمارات ومناقشاتك هذه عقيمة لا تقدم ولا تؤخر في هذه القضية، بل ستؤخر عملنا ومهمتنا التي من أجلها نطوف كل هذه البلاد..!
واقترحت علية طريقة علمها لي والدي – رحمة الله عليه في الصغر، ففي كثير من الموضوعات الحساسة عندما تستمع لرأي تعتبره مناقضا لرأيك.. فعليك قبل الرد عليه تقوم بالعد من واحد لعشرة بهدوء.. وتتجنب الرد السريع.. ثم تبدأ الحديث.. يكون قد مر على عقلك أبعاد كثيرة.. وبهذه الطريقة يمكن تفادي صدام يكون بلا معني.. واتفقت معه..!

استقبال السادات بالقدس
عندما يتورط في مناقشة أقول له (صل على النبي).. يتذكر بأنه تعدي حدود اللياقة في الحديث فيصلي علي النبي ويقول بصوت مسموع وعليه أفضل الصلاة والسلام.. ويبدأ في العد من واحد لعشرة.. وقابلنا العديد من المعارضين، ونجحت فكرة الصلاة على النبيه في بيروت وفي إيطاليا بكامل الجولة إلى وصلنا الجزائر في نهاية الجولة.
وكان لنا موعد للقاء وكيل وزارة الإعلام الجزائري في مكتبه ذهبنا سويا.. تطابق هذا الموعد مع نزول الرئيس (السادات) أرض القدس.. دخلنا على الرجل وجدناه يشاهد الأقمار الاصطناعية ويري استقبال السادات بالقدس..
وطبيعي أن يدور حوار أمام صديقي الفلسطيني عن العلاقة الفلسطينية المصرية.. واتهم وكيل وزارة الإعلام الجزائري المسؤولين في مصر خاصة الرئيس (السادات) بالتآمر على الشعب الفلسطيني.. والقضية الفلسطينية..
واحتد الحوار.. بين وكيل الوزارة وبين (أحمد)، وكنت مستمعا ومتابع لحدة الحوار بين الطرفين حاولت تهدئه الحوار ليكون موضوعيا.. دون جدوى!
زاد الطينة بله عندما فاجئنا المسؤول بقوله: بكذا وأربعين مليون جائع – كلمه جائع جعلتني أقف غضبا – وأكمل المسؤول الجزائري.. وقف (السادات) وتحدي الدنيا كلها ونزل أرض العدو رافع راية الاستسلام.. شوفوا الخائن..!
شعرت بالدماء تغلي في عروقي وقفت محتجا غاضبا من إهانة وطني ورئيس بلدي وإن كنت أعارضه في هذا الاتجاه، لكن لن ولا أسمح بأدنى إهانة تتعلق بتاريخ مصر أو مكانتها في العالم العربي مهما كانت تتعارض مصالحي المادية.
وشعرت بالاستياء من عدم احترام وكيل الوزارة لمصر وشعبها، مما يعكس عدم تقديره للتاريخ والثقافة المصرية.
ولم يتخيل هذا المسؤول المتعجرف أني شعرت بالإحباط لأن هذا المسؤول لا يدرك التحديات التي تواجهها مصر أو علي الأقل لا يقدر الإنجازات التي حققتها، وواجهته بذلك محتدا في أقوالي واتهامي له بعدم اللياقة في الحديث ونحن بمكتبه وإحساسي أنه لا يشعر بالأسف، لأن العلاقات العربية يجب أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل، ويشعر أن هذا النوع من التصريحات يضر بالوحدة العربية.
وواجهته بكل هذا وهنا لم يستطع (أحمد) أن يتمالك نفسه.. وهب واقفا لينقذني من مواصلة الإجابة عليه.. وعلو بصوته بكلمات غاضبة واستخدم بعض التعبيرات الخاصة بالعلاقات المصرية الجزائرية.. ودخل (أحمد) في حوار شديد فيما قدمته مصر لفلسطين والفلسطينيين والحركات التحرر.. ولكل الأشراف بالعالم العربي.. عبر عقود طويله

لو كان استجاب ياسر عرفات
وشعرت بأن صديقي أحمد قد تجاوز آداب الحديث وقرب من الخطوط الحمرا في العلاقات بين الإمارات التي نمثلها وبين الجزائر.
قاطعت (أحمد) وقلت له صلي علي رسول الله.. فكانت إجابته بسرعه وبصوت غاضب عليه الصلاة والسلام يا أخي.. ولم يعد وقال مشوحا بيده.. واحد عشرة يا سيدي..
وأضاف بحدة أشد: في الوقت الذي قتل فيه الآلاف منا نحن الفلسطينيين برصاص عربي وبأيادي عربية.. في أكثر من موقع جملة هزت مشاعري ورفعت.
قال: أتحدي أن يخبرني أحد بأن فلسطيني واحد قتل برصاصة مصرية أو حتى تضرر بسبب أي قرار مسؤول مصري..
وفشلت رحلتنا وعدنا.. ولكني سعدت جدا بدفاع صديقي الفلسطيني عن مواقف مصر وقناعاته المصرية الفلسطينية. في وقت لم تجد مصر واحدا يقول كلمة حق..
سعدت جدا بمشاعره.. تذكرت هذا اليوم وتذكرت آخر مباحثات تمت بالقاهرة لطاولة مباحثات وضعت أعلام لثلاث دول بثلاث كراسي، كرسي لمصر وآخر لإسرائيل والثالث لفلسطين.. وعقد الاجتماعات وظل كرسي فلسطين خالي بموقف غير مفهوم لكنه متماشي مع ما كان متبعا بالعالم العربي.
تذكرت هذه الأيام الذهبية للعلاقات العربية الإسرائيلية المنهزمة والموقف العربي المنتصر، وضاعت على فلسطين فرصة اتفاقية كانت للفلسطينيين لم ولن تتكرر ولو بالحد الأدنى الذي كان متوقع تحقيقه.
لو كان ياسر عرفات استجاب للدعوة وجلس علي الكرسي المخصص لفلسطين متفاوضا مع الجانب المنتصر بكل تقدير والاحترام، والذي كان مقررا له بفندق (مينا هاوس) بالقاهرة.
وظل خاليا هذا الكرسي والذي ترصده كاميرات العالم بعلم فلسطين الموضوع في مواجهة العلم الاسرائيلي لنهاية المفاوضات إلى أن عاد كل شبر من أرض سيناء للقاهرة، وفقدت فلسطين منذ هذا التاريخ الكثير من أراضيها والكثير من شهداءها وأيضا مساحات كثيرة من الحقوق التي تستحق أن تنولها.
وللأسف كانت بيدها ولكنها من كثرة النعرات بالقيادات الفلسطينية والنظم العربية التي استاءت من القيادات الفلسطينية الغير عقلانية أصبحت هذه القضية من قضايا الفرص الضائعة
وللأسف نبحث الآن بل نلهث في محاولات دخول مساعدات لشعب مكلوم ومحاصر ومعرضا للتطهير العرقي والعدو متمتعا وهو يشاهد هذا العذاب الذي نعيشه ويعيشه هذا الشعب تحت وطأة الحصار والجوع والمرض والرصاص الغادر، الذي لم يميز بين كهل أو امرأة أو طفل رضيع.
* رئيس إتحاد المنتجين العرب