
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
ابن (محمد رمضان) الذي قررت محكمة الطفل إيداع أحد دور الرعاية وأحفاد لرائدة التعليم (نوال الدجوي)، نماذج أثير حولها الجدل في الأيام الماضية، بينهم اختلاف يؤكد أن الحصاد أحيانا يكون ثمرة للزرع سواء فاسد أو صالح، وأحياناً أخرى لا يتوافق الحصاد مع الزرع ويأتي مخالفاً في الشكل والمضمون وذلك حسب صلاحية التربة والبيئة والعوامل الجوية وأمور أخرى عديدة.
ليس صحيحاً أننا نحصد دائماً ثمار ما زرعنا في أولادنا أو أحفادنا، فقد نحصد ثمار ما زرعه غيرنا، وما أكثر من يزرعون اليوم في أرض التربية، التي اتسعت وتمددت وتجاوزت الوالدين.
بعد أن أصبح هناك الكثيرون يشاركوننا في تربية أبنائنا، وما يتبقى داخلهم من قيم ومبادئ هو من سيزرعه الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً، المدرسة والجامعة والشارع والتليفزيون والفضاء الاليكتروني، ويمثل هؤلاء الأصدقاء والمؤثرين ونجوم الفن والرياضة والدين وصناع الأحداث الكبرى في العالم.
ونادراً ما يتأثر بعض الأبناء بكتاب الأدب والمثقفين بعد أن اضمحل دورهم وتلاشى تأثيرهم شأنهم شأن الكثير من الأهل، أصبح متاحاً لكل أصحاب الأيادي الطولى على الكوكب أن يبذروا بذورهم في أرض التربية، بذور كثيرها فاسد وقليلها صالح، والأمر يتوقف على ما يتم زرعه في وجدان وعقل الأبناء خلال سنوات عمرهم الأولى وقبل خروجهم من البيت لتستقبلهم تيارات جارفة تترك فيهم آثاراً متنوعة.
(علي محمد رمضان) ابن الفنان (محمد رمضان) وابن العشرة أعوام، بلطجي صغير، تعلم وتتلمذ على يد والده، وهو أمر طبيعي، فقدرات والده التأثيرية نالت من أجيال وزرعت بداخلهم العنف والتطرف السلوكي، وأعماله سواء السينمائية أو الدرامية أو الغنائية كرست لكل ما يهدم القيم.
وجاءت تصريحات (محمد رمضان) وسلوكياته لتؤكد أنه فنان يعبر في أعماله عن قناعاته الشخصية، وأنه ليس مجرد ممثل يؤدي دوراً عرض عليه، ولكنه نجم يشارك في صياغة أعماله ويتدخل في كل تفاصيلها حتى تتحقق أهدافها.

أقنع ابنه أنه (نمبر وان)
رجل مقتنع أنه (نمبر وان) وأقنع ابنه أنه (نمبر وان)، ليس (نمبر وان) في القيم والمبادئ ولكن (نمبر وان) في الخروج على القيم الإنسانية والقوانين المجتمعية، فالبلطجة لا تعرف سوى قانون (الدراع)، وهو ما فعله علي الصغير مع طفل مثله في أحد أندية السادس من أكتوبر.
وبعد أن ارتأت الجهات الرسمية أنه أصبح خطراً على المجتمع وأن أسرته لم تعد أمينة عليه طالبت إيداعه أحد دور الرعاية أملاً في أن تصوّب سلوكياته وتغير قناعاته، ولأنه ابن (محمد رمضان) المؤثر الفعلي على جيل فإن أي مؤثرات خارجية لن تنجح في تغيير ما تم زرعه فيه باكراً، وسيعيش (عليّ) متقمصاً شخصية والده وفاعلاً أفعاله ومتحدثاً بلسانه في مراحله العمرية المختلفة.
لا أعتقد أن ما حدث مع (عليّ) يمكن أن يغير في قناعات والده (محمد رمضان)، فهو لا يمثل التعالي على الجميع ولا يمثل الغرور، ولكنه مقتنع أن كل ما يفعله هو الصواب وأن من ينتقده حاقد عليه، وعندما يصل جنون العظمة بشخص مبلغه فلا صدمات ستدفعه لإعادة تقييم ذاته ولا انتقادات ستغير فيه شيئاً.
لا يوجد إنسان بلطجي بالفطرة، ولكن البلطجة سلوك مكتسب من المنزل والبيئة المحيطة، ولو كان صحيحاً أن (محمد رمضان) هو الذي دفع ابنه لصفع الطفل الآخر، سيكون هو ضحية والده.
أما الطفل المصفوع فستبقى هذه الواقعة في ذاكرته ولكنها لن تغير في سلوكياته، خصوصاً بعد أن رفض والداه كل محاولات الصلح وأصرا على السير في طريق التقاضي لفضح (محمد رمضان) وفضح ابنه، والفضيحة ستعرقل مستقبل الابن ولن يعبأ بها النجم الذي لا يستبعد أن تقضي عليه نجوميته.
الواقعة الثانية التي حدثت خلال الفترة الماضية وتؤكد أن العوامل الخارجية يمكن أن تكون أكثر تأثيراً في التربية، هى حادث سرقة فيلا السيدة (نوال الدجوي)، وهى لمن لا يعرفها رائدة في التعليم الخاص، صاحبة المدارس الأشهر تربوياً وتعليمياً خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، وهى (مدارس دار التربية)، وصاحبة جامعة العلوم الحديثة في مدينة السادس من أكتوبر.

سيدة بألف رجل
عندما كنا طلاباً في السبعينات والثمانينات كان الحلم لكل طالب المرور من أمام (مدارس دار التربية)، وحضور أي حوار عن صاحبتها ومديرتها والمتحكمة في كل تفاصيلها (نوال الدجوي)، سيدة بألف رجل، عنوان للتفوق والتميز في التعليم والتربية، مديرة حاسمة تقول كلمتها مرة واحدة لتصبح نافذة على كل من حولها.
تخرج من مدارسها آلاف المتفوقين، وبعد أن نالت منها الشيخوخة تعرضت لعقوق أحفاد، عجزت عن أن تزرع فيهم ما زرعته في تلاميذها، تمت سرقة ملايين الجنيهات والدولارات وآلاف الجنيهات الاسترلينية وكيلوجرامات من الذهب والحقيقة تائهة بين أحفاد لها.
من المؤكد أن الأحفاد تعلموا وتخرجوا من مدارس الجدة، ولكن تأثيرها على بعضهم كان أضعف من تأثير العوامل الخارجية، سواء الشارع أو الفضاء الإليكتروني أو التليفزيون أو صناع الأحداث الكبرى، ولذا فقد صنع بعضهم حدثاً كبيراً جعل سيرة الجدة وكل العائلة على لسان كل الناس.
أساؤوا للسيدة التي كرمها تلاميذها وكرمتها الدولة وتجاوزت سمعتها التربوية والتعليمية الحدود، وجاؤوا سواء عن قصد أو بدون قصد بما يشوه ما بنته هذه السيدة خلال أكثر من 60 عاماً.
ليس كل ابن فنان مثل ابن (محمد رمضان)، فبعض أبناء الفنانين تفوقوا على والديهم ابداعاً وموهبة وخلقاً، وبعض أبناء الفنانين لوثوا سمعة والديهم استهتاراً وتعاطياً للممنوعات ومخالفة للقوانين، وليس كل أبناء وأحفاد التربويين مثل بعض أحفاد نوال الدجوي، وهو ما ينطبق على جميع أبنائنا.
وصدق أمير المؤمنين (علي ابن أبي طالب) – رضي الله عنه، عندما قال (لا تقسروا أبناءكم على العيش مثلكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)، وذلك رغم أن زمان رابع خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان زمان القيم، ولكنها نبوءته لكل الأزمان.
وقبل أكثر من 100 عام كتب الشاعر والفيلسوف اللبناني (جبران خليل جبران):
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها،
بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم
ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم
ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم.. ومهما اشتدت عواصف التأثير على النشء فلن يتوقف الأهل عن محاولة بذر أفكارهم وزرع قيمهم في نفوسهم، علها تحميهم من عواصف هدم القيم وعقوق الأهل والمجتمع.