كتب: أحمد السماحي
كان أجمل ما في الفنان الكبير الراحل (صلاح السعدني) الذي نحيي هذه الأيام الذكرى الأولى له، هو بساطته الشديدة، بساطة أولاد البلد، الذين لا يعرفون التكلف أو التصنع أو المكياج الإنساني.
وأروع ما كان في (صلاح السعدني) هو تقمصه لأصعب الأدوار من دون أن يتقمصها، أنه يقترب منها و(يحوم) حولها، ثم يقدمها لنا جديدة، ومختلفة، ومبهرة.
بعد أدائه العبقري لشخصية (العمدة سليمان غانم) في رائعة الكاتب أسامة أنور عكاشة، والمخرج إسماعيل عبدالحافظ (ليالي الحلمية) راهن الكثيرين على أنه لن يجيد تقديم شخصية مثلها بكل هذا التمكن الشديد، والتوحد، والإبهار.
لدرجة أن المخرج الكبير (حسين كمال) قال له في حديث موثق : (أنا قلت خلاص العمدة ده خلص مات، إنه مولد سوبر ستار كبير، ولكن اتولد في مسجد عمر مكرم) يقصد انه مع انتهاء دور العمدة انتهى (صلاح السعدني) فنيا.
لم يكن مسلسل (أرابيسك) فقط
ويستكمل حسين كمال كلامه قائلا: (لكن أن يطلع لي بدور آخر ويعديه، وينسني أم سليمان غانم ده، ويطلع لي المنيل على عينه حسن أرابيسك، ده، المنكوش اللي ما بيسرحش شعره أبدا، فهذا هو الشيئ الخطير!).
لم يكن مسلسل (أرابيسك) فقط هو الذي أبهرنا من خلاله (صلاح السعدني)، فهناك أدوار أخرى كثيرة أبهرنا من خلالها بموهبته الفياضية، وروعة أدائه، وفهمه الشديد للشخصية التى يؤديها.
مثل دور رجل الأعمال، وعضو مجلس الشعب (كامل الإسناوي) الذي يحاول أن يكون الفارس المطهر لمجتمعه، في مسلسل (جسر الخطر) رائعة الكاتب محمد صفاء عامر، والمخرج جمال عبدالحميد.
ودور(نصر وهدان القط) مدرس التاريخ المصري في رائعة آخرى للثنائي محمد صفاء عامر، وجمال عبدالحميد، وهي مسلسل (حلم الجنوبي).
ولن ننسى دور(الحاج عزام السوهاجي) في مسلسل (عمارة يعقوبيان) تأليف علاء الأسواني، وإخراج أحمد صقر.
هذه بعض الأدوار القليلة التى أحببنا أن نتوقف عندها، بعد دوره الخالد (العمدة سليمان غانم) لأن من خلال هذه الأدوار التليفزيونية، تحدى (صلاح السعدني) نفسه، وظهر بشكل جديد، وأكد أنه ليس ممثل الدور الواحد، ولكنه نجم متعدد الروافد الفنية.
أدوار أحبها (صلاح السعدني)
إذا كنا توقفنا عند بعض الأعمال التليفزيونية التى تمثل علامات فارقة في مشوار (صلاح السعدني) الفني، فهناك غيرها الكثير، فيوجد أدوار آخرى قدمها (صلاح السعدني)، وكان يعشقها.
أول هذه الأدوار ـ كما ذكر لي في حوار بيننا ـ هو دور (ممدوح) في رائعة الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، والمخرج نور الدمرداش، مسلسل (لا تطفئ الشمس) .
حيث قدم دور (ممدوح) بشكل مختلف تماما عن الذي قدمه (أحمد رمزي) في نفس القصة في الفيلم السينمائي، وأحب الجمهور في الشارع المصري دور (ممدوح) وتجاوبوا معه بشدة لدرجة أنه عندما مات في المسلسل وصلت برقيات كثيرة من المشاهدين للمخرج نور الدمرداش تعاتبه على موت الشخصية!.
ويذكر (صلاح السعدني) أنه أثناء تمثيله لدور (ممدوح) ابن المستشار، كان عليه أن يرتدي عددا من الثياب الغالية، ونظرا لضيق ذات اليد، وعدم تمكنه من إرتداء الملابس الغالية.
لاحظت هذا الفنانة (مديحة حمدي) شقيقته في المسلسل والتى كانت تؤدي دور (نبيلة)، وقامت بإحضار عدد من ملابس شقيقها ليرتديها (صلاج السعدني).
والدور الثاني الذي أحبه (صلاح السعدني) دور (أبوالمكارم) الأخرس في رائعة الكاتب عبدالمنعم الصاوي، والمخرج نور الدمرداش (الساقية) فهذا الدور حقق من خلال أجزائه الثلاثة نجاحا كبيرا، ودعم النجاح الذي قدمه في (لا تطفئ الشمس).
صلاح السعدني .. الزير سالم
من الأدوار التى فتن بها (صلاح السعدني) دور (المهلهل بن ربيعة، أو الزير سالم) في رائعة (ملحمة الحب والرحيل) تأليف الكاتب الأردني الشهير وليد يوسف، وإخراج وفيق وجدي.
وعن هذا الدور قال : من أجمل الأدوار التى قدمتها في مشواري دور (الزير سالم)، لكن هذا الدور تعرض للظلم بسبب عدم عرضه في القاهرة، وبالتالي لم يحظى بنسبة مشاهدة عالية.
وقدمنا من خلاله تفسيرا جديدا تماما لأسطورة (الزير سالم)، والأصل في تقديم هذا التفسير هو الدكتور (وليد سيف) الذي كتب السيناريو والحوار؟
ولكن من المؤكد أنني ساهمت مساهمة فاعلة وقوية في تجسيد هذا التفسير، بأن قدمت الشخصية في ثوبها الحقيقي، وأظهرت أن (الزير سالم) لم يكن باحثا عن عدل أو عن بطولة، ولا عن حق.
ولكنه رجل مصاب بـ (شذوذ) وهذا تفسير من التفاسير التاريخية المعروفة، وإن كان هو قد أدعى أنه (زير نساء) كي يتخلص من العقدة النفسية التى تحرقه وتؤرقه.
وبدليل أنه جعل العرب يحاربون بعضهم 40 عاما، هل هناك شذوذ أكثر من ذلك؟!، وقد عرض المسلسل في كثير من الدول العربية ونال حظه من الشهرة الكبيرة، لدرجة أن دولة (ليبيا) الشقيقة عرضته ثلاث مرات في عام واحد.
صلاح السعدني .. ياسين في الثلاثية
لم تكن شخصية (الزير سالم) هي الوحيدة التى فتن بها (صلاح السعدني) فقد فتن أيضا بشخصية (ياسين) في رائعة (الثلاثية) لكاتب مصر العالمي نجيب محفوظ، وإخراج يوسف مرزوق.
حيث قدم الدور بمزاج عالي، وبوجهة نظر مختلفة تماما عن الدور نفسه الذي قدمه الممثل القدير (عبدالمنعم إبراهيم) في السينما، وعند عرض المسلسل أشادت سيدة الشاشة العربية (فاتن حمامه) بأداء (صلاح السعدني) ووصفته بالأداء العبقري.
وأكد (صلاح السعدني) أن هذا المسلسل تم إغتياله عندما عرض في شهر رمضان في وقت السحور، ومعظم الناس نائمة في بيوتها.
أدوار ندم على عدم تمثيلها
خلال السطور الماضية توقفنا عند أشهر الأعمال التى أحبها (صلاح السعدني) وفتن بها، ولكن هناك أعمال رفضها، وندم عليها، من هذه الأعمال فيلم (الهروب) تأليف مصطفى محرم، إخراج عاطف الطيب، وبطولة أحمد زكي، حيث كان من المقرر أن يلعب دور الرائد (سالم زيدان) وهو الدور الذي لعبه الفنان الكبير عبدالعزيز مخيون.
كما ندم على فيلم آخر رفض المشاركة فيه وهو فيلم (الدنيا على جناح يمامه) تأليف الكاتب وحيد حامد، وإخراج عاطف الطيب، حيث كان من المقرر أن يلعب دور (حسن درويش) حبيب (إيمان خطاب، أو ميرفت أمين) وهو الدور الذي لعبه يوسف شعبان.
ومن الأدوار التى رفضها أيضا دوره في فيلم (يوم مر ويوم حلو) تأليف وإخراج خيري بشارة، وبطولة فاتن حمامه، حيث كان من المقرر أن يقوم بدور (حربي) وهو الدور الذي أداه محمود الجندي.
رحم الله الفنان الكبير والقدير (صلاح السعدني) الذي رحل بجسده فقط، لكنه من حين لآخر يطل علينا من خلال دور في مسلسل قديم يعاد عرضه، أو فيلم سينمائي يعرض على إحدى الفضائيات.
