كتب: أحمد السماحي
منذ بداية مشواره كان الفن بالنسبة للفنان (مصطفى متولي) رسالة، وليس نجومية ولا شهرة ولا أضواء، لهذا لم يسع في حياته أن يصبح نجما، كانت كل أحلامه أن يكون ممثلا، ويمارس هوايته التى عشقها ومارسها منذ صباه المبكر.
وعندما أسس شركة إنتاج مع زميليه المصور السينمائي سمير فرج، والمخرج سمير سيف، كان شعاره احترام (عقلية) الجمهور، وكان الموضوع الجيد هدفه، والفن الجاد حلمه، والسينما الصادقة أقصى طموحاته.
ورغم تركيز (مصطفى متولي) في فنه، واحترامه لموهبته الفنية، لكنه كان من الفنانيين الذين وقع عليهم ظلما كبيرا، على مدى مشوارهم الفني، وظلمه كان على كافة المستويات، تم ظلمه بسبب أعماله التليفزيونية التى قدمها لتليفزيونات بعض الدول العربية، ولم تعرض في مصر فأخرت نجوميته كثيرا.
ووقع عليه ظلما آخر عندما تزوج من شقيقة (عادل إمام)، فكان (الزعيم) يسند إليه كثير من الأدوار المهمة من خلال أعماله السينمائية، والمسرحية، فاعتقد الجمهور، وزملائه النجوم أن (عادل إمام) يفرضه على المنتجين والمخرجين، فأخذوا منه موقف بالسلب، وإن لم يفصحوا عنه.
فكانوا عندما يعلموا عن عمل جديد لـ (عادل إمام)، كانوا يسألون باستنكار (ومصطفى متولي) هيلعب دور إيه يا ترى؟!، ونسى البعض أن (مصطفى متولي) فنان أكاديمي، موهوب، ودارس لفن التمثيل، حيث التحق بمعهد الفنون المسرحية عام 1968، وتخرج منه عام 1972.
النشأة وباتريس لومومبا
ولد مصطفى متولي في محافظة (كفر الشيخ) في قرية (بيلا)، وعرف التمثيل مبكرا، فهو في مدرسة (بيلا) الابتدائية، وهو في سن العاشرة، وقع الاختيار عليه من قبل مشرف التمثيل بالمدرسة، وذلك ليقوم ببطولة مسرحية (باتريس لومومبا).
والتى تحكي سيرة الثائر الأفريقي العظيم، وكان المتفق عليه أن تعرض المسرحية في حفل كبير يحضره محافظ (كفر الشيخ) وقتئذ (حمدي عبيد).
وشعر الطفل (مصطفى متولي) بالسعادة البالغة لاختياره لتجسيد دور البطولة في هذه المسرحية، ومن كثرة سعادته، وضع قبل بداية المسرحية في يديه، (الكلابشات) التى استعارتها المدرسة من قسم البوليس، والتى سينفذ بها مشهد اعتقال الثائر الأفريقي.
وبدأ يسير بين طرقات المدرسة وهو يرتدي (الكلابشات)، وأثناء ذلك سقط مفتاح (الكلابشات) على الأرض، دون أن ينتبه أحد إليه، وعبثا حاولوا أن يعثروا عليه، فلم يستطعوا!
ولم يكن أمام فريق عمل المسرحية أن يبدأ العرض في موعده، وتحايلوا على الأمر بأن ظهر من البداية و(الكلابشات) في يده، وكأنه يحيا في قيد دائم!
وانتهت المسرحية، ونالت استحسان الجميع، وأبدى السيد المحافظ رغبته في مصافحة فريق عمل المسرحية، فذهب الجميع إليه، وعندما صافحه (مصطفى متولي) كان (الكلابشات) مازالت في يديه، فأنتابت المحافظ الدهشة!
وعلى الفور تطوع مدير المدرسة بشرح حقيقة المفتاح الضائع، فضحك المحافظ طويلا، وعندما انصرف المحافظ خشي (مصطفى) أن يتركوه مقيدا بهذا الشكل، لكنهم استدعوا شاويش من القسم، وفك (الكلابش).
مصطفى متولي والزوبعة
أحب (مصطفى متولي) التصفيق الذي سمعه، وهو يؤدي دوره في مسرحية (باتريس لومومبا)، لهذا عندما انتقل إلى المرحلة الإعدادية كان أول ما فعله أن التحق بفريق التمثيل، وقدم في نهاية العام مسرحية (الزوبعة) تأليف الكاتب محمود دياب.
وقام بتجسيد دور (صالح) بطل المسرحية، وتشاء الأقدار أن تكون هذه المسرحية نفسها جواز المرور لإلتحاقه بمعهد الفنون المسرحية.
وقدم دور (صالح) أمام لجنة القبول التى تكونت من الأساتذة (جلال الشرقاوي، سعد أردش، نبيل الألفي، عبدالرحيم الزرقاني، د. إبراهيم حمادة، د. رشاد رشدي، وعلي فهمي).
المثير أنه قام بنفس الدور للمرة الثالثة بعد تخرجه من معهد الفنون المسرحية، حيث قدم دور (صالح) في مسلسل تليفزيوني بعنوان (الزوبعة) إخراج إبراهيم الصحن، اﻧﺘﺎﺝ مؤسسة الخليج للأعمال الفنية، دبي، عام 1977.
وكان بطولته مع مجموعة من النجوم منهم (نادية رشاد، فردوس عبدالحميد، أمينة رزق، توفيق الدقن، شفيق نور الدين، ملك الجمل محمود السباع، محمد السبع، أنور إسماعيل، محمود التوني، وإبراهيم عبدالرازق، عبدالمحسن سليم، سعاد نصر، أحمد عبدالوارث، وفيق فهمي، عبدالوهاب خليل، محمد) وغيرهم.
35 مسلسل لم تعرض في مصر
رغم سعادة (مصطفى متولي) بدوره في (الزوبعة)، وبالعمل مع مجموعة كبيرة من زملائه الفنانيين الكبار، لكن هذا المسلسل لم يعرض في مصر، هو وغيره من الأعمال التى قدمها على مدى خمس سنوات!
وبالتحديد منذ تخرجه عام 1972، وحتى عام 1977، قدم خلالها 35 مسلسلا للعديد من القنوات العربية، وكان من أبرز هذه الأعمال مسلسل (أم العروسة) للكاتب عبدالحميد جوده السحار، و(الجريمة) للأديب نجيب محفوظ، وغيرها.
والمسلسل الوحيد الذي عرض له في مصر من بين كل هذه المسلسلات هو (دعوة للحب) تأليف نادية رشاد، وإخراج أنعام محمد علي، وبطولة (ميرفت أمين، مصطفى فهمي، إيمان الطوخي، وممدوح عبدالعليم) وغيرهم.
على باب زويلة، ومارد الجبل
كان عدم عرض أعمال (مصطفى متولي) في مصر، كارثة فادحة على المستوى الشخصي له، ولكن لم يكن باليد حيلة، بعدما كانت الأدوار التى تعرض عليه عظيمة القيمة والأهمية.
وانتبه (مصطفى متولي) أن الجمهور المصري لا يعرفه رغم الأعمال التليفزيونية التى قدمها، وأثناء ذلك عرض عليه دور في مسرحية تليفزيونية تعرض على مسرح (الجيب) من إخراج محمد عبدالعزيز، وبطولة (جميل راتب، وكريمة مختار).
وفي أحد الليالي حضر المخرج الكبير (نور الدمرداش) المسرحية ليصطحب زوجته الفنانة (كريمة مختار) بعد انتهاء دورها في المسرحية، فجلس في المسرح، وشاهد المسرحية، ولفت أداء (مصطفى متولي) انتباه ملك الفيديو (نور الدمرداش) وأثنى عليه.
وفي هذه الفترة كان يستعد لتقديم مسلسل (على باب زويلة) قصة محمد سعيد العريان، سيناريو وحوار صبري سلامه، بطولة (محسنة توفيق، صفاء أبوالسعود، فاروق الفيشاوي، وجدي العربي، وجمال إسماعيل، وأنور إسماعيل) وغيرهم.
وجسد (مصطفى متولي) دور (تيمور)، ونجح بقوة من خلال الدور، مماجعل المخرج (نور الدمرداش) يسند إليه دورا آخر في مسلسل (مارد الجبل) بطولة (نور الشريف، ورجاء حسين، وتوفيق الدقن).
وجسد مصطفى متولي دور (رواس) وحقق نجاحا كبيرا أيضا من خلاله، مما جعل (نور الدمرداش) يرشح للعب دورا آخر مختلف تماما عن (رواس)، وهو دور (عباس الحلو) الشاب الطيب مكسور القلب في رائعة نجيب محفوظ (زقاق المدق).
ونجح (مصطفى متولي) بقوة مما لفت الانتباه إليه، فبدأ المنتجيين والمخرجين، يسندون إليه أدوارا كبيرة من خلال أعمالهم فرشحه المخرج (عبد الله الشيخ) للعب دور مهم في مسلسل (آل ياسر).
رأفت الهجان وحلم الجنوبي والتوأم
توالت الأدوار والمسلسلات مثل (الأزهر الشريف، بعثة الشهداء، ياسين وبهية، الرحلة، بكيزة وزغلول، رأفت الهجان، أنا وأنت وبابا في المشمش، عمر بن عبدالعزيز، لن أعيش في جلباب أبي، البراري والحامول.
وهارون الرشيد، حلم الجنوبي، حياة الجوهري، التوأم، بحار الغربة، جمهورية زفتى، رياح الشرق، لا شيئ يهم، حارة المعروف، درب ابن برقوق، أم كلثوم، أوبرا عايدة، حلم العمر، خيوط من ذهب، سامحوني ماكنش قصدي، حارة الطيب) وغيرها.
خلي بالك من زوزو والإرهابي
في السينما بدأ (مصطفى متولي) من خلال دور قصير جدا عبارة عن مشهدين في فيلم (خلي بالك من زوزو) بطولة سعاد حسني، وحسين فهمي، وكان مساعد المخرج حسن الإمام، هو سمير سيف، الذي أعجب بأداء مصطفى متولي، من خلال المشهدين اللذين قام بهما.
وربطت بينهما صداقة، وعندما أخرج (سمير سيف) أول أفلامه (دائرة الانتقام) بطولة نور الشريف، وميرفت أمين، وصلاح قابيل، أسند إليه أحد الأدوار البسيطة في الفيلم.
وتوالت دواره من خلال أفلام منها (ضربة شمس، لا تظلموا النساء، لهيب الانتقام، الراقصة والسياسي، بلاغ للرأي العام، أصدقاء الشيطان، الوحوش الصغيرة، الطعنة الأخيرة، عيش الغراب).
وقدم مجموعة كبيرة من الأدوار المتميزة من خلال أفلام النجم (عادل إمام)، وهى (رمضان فوق البركان، عنتر شايل سيفه، سلام يا صاحبي، النمر والأنثى، شمس الزناتي، المولد، مسجل خطر.
واللعب مع الكبار، رسالة إلى الوالي، بخيت وعديلة، جزيرة الشيطان، حنفي الأبهة، المنسي، الأرهابي).
الإنتاج في حياة مصطفى متولى
أسس (مصطفى متولي) عام 1990 شركة إنتاج مع زميليه المصور السينمائي سمير فرج، والمخرج سمير سيف، وكان باكورة أفلامهم فيلم (شمس الزناتي)، ثم فيلم (الإرهابي).
رحم الله الفنان الكبير الخلوق (مصطفى متولي) الذي ولد في 29 أغسطس عام 1949، ورحل في نفس الشهر لكن يوم الخامس منه عام 2000.