رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: (صلاح أبو سالم).. الشاعر الغنائي المظلوم !

بليغ حمدي

بقلم الكاتب الصحفي (محمد شمروخ)

(على حسب وداد قلبي يابوى) أغنية شعبية قديمة في الأساس، شاعرها (صلاح أبو سالم)، وملحنها مجهولان كمثل أغلب صناع التراث الغنائي الشعبي، وحتى عند قريب كانت تغنى بكلماتها ولحنها الأصلى على المزمار ولعبة التحطيب في الأفراح والموالد والمناسبات السعيدة.

وكان لحنها الأساسي من أشهر المعزوفات الشعبية، فهو بالرغم من أنه لحن حزين إلا أنه يمتاز بأنه موسيقى راقصة حتى أنه يمكن أن ترقص عليه الخيل.

ولكن في بداية الستينات، قرر شاعر شاب اسمه (صلاح أبو سالم) أن يكتب الأغنية بكلمات جديدة مع الحفاظ على مقدمتها الشهيرة كمذهب للأغنية الجديدة، هنا قرر ملحن شاب أيضاً في ذلك الحين، اسمه (بليغ حمدي) أن يضع لحنا جديداً لها يحافظ فيه على روح الأغنية مع الإبقاء على اللهجة الأصلية الجنوبية المميزة لها في المذهب، ويغنيها (عبد الحليم حافظ).

وكان (صلاح أبو سالم) حقاً، شاعراً موهوباً له العديد من الأغنيات لمطرببن آخرين، وتميز بأنه كان يطعم كثير من أغانيه بذلك الطابع الخفيف، فيسبغ أجواءها ببساطة شعبية أصيلة بلا تسطح أو ابتذال، لتبدو كلماته ومعانيه سلسة ذات نكهة خاصة.

ولعل ذلك اللون تسبب في أن كثيرين ظنوا أن مؤلف الأغنية هو (عبد الرحمن الأبنودي)، ذلك لأنها باللهجة الصعيدية فظنوها أبنودية النسب!

أما (صلاح أبو سالم) فقد توفي مبكراً في ريعان الشباب في سنة 1971 قبل أن يكمل الأربعين بعامين، فلم يعاصره الجيل الحالي ولم يسمع به ويراه مثل الأبنودي.

و(صلاح أبو سالم) بالمناسبة منوفي أصلى حيث ولد في منوف نفسها وتلقى تعليمه في مدرسة المساعى المشكورة، ثم حضر إلى القاهرة ليكمل تعليمه ويحصل على ليسانس الآداب بجامعة القاهرة.

صلاح أبو سالم

على حسب وداد الأصلية

غير أن أغنية على حسب وداد الأصلية كانت مجهولة المؤلف والمحلن وهما في غالب الظن شخص واحد، كغالبية التراث الشعبي كما قلنا في بداية المقال.

ولابد أن نقرر من حيث المبدأ أنه من حق الشعراء والملحنين كذلك، ان يغترفوا من التراث الشعبي ويعيدوا، إنتاجه خاصة المشهور منه، لكن بشرط دون أن يطمسوه أو يغيروا ملامحه الأساسية فتلحق بهم تهمة السطو.

وعلى سبيل المثال كانت أغنية (وأنا كل ماقول التوبة) فإن هذا المقطع منها هو جزء من الأغنية الطويلة التي تحكى قصة (بهية وياسين)، وهى أيضاً مجهولة المؤلف والملحن وغناها كثير من المطربين  في أثواب جديدة؟

أظن أن أولهم كانت ليلى مراد في فيلم (سيدة القطار) سنة 1952، بكلمات أضافها بيرم التونسى للأغنية الأصلية ولكن حافظ ملحنها حسين جنيد  على موسيقاها الأصلية قدر الإمكان، ثم غناها محمد العزبي كموال بكلمات مختلفة وبلحن مختلف وكذلك غنت شادية قريباً من ذلك.

وأيضاً فعل كثيرون غيرهم، بسبب شهرة وحلاوة الأغنية والتى سبق أن تمنى (سيد درويش) أن يكون هو صاحب لحنها الذي وضعه شخص مجهول لم يدررس الموسيقى وربما كان أمياً لا يقرأ، وذلك في مقابل أن يتنازل (سيد درويش) فنان الشعب عن عشرة ألحان كثمن لنسب اللحن إليه!

لكن مع الأسف، استباحها لحن (بليغ حمدي) وطمس لحنها الأصلى الأجمل والأروع، فحين غناها عبد الحليم حافظ في عام 1965 غناها بموسيقى أخرجتها من أجوائها الشعبية الجنوبية ولكنها نجحت مع الجمهور اللاشعبي.

ولا أدرى ما الذي جعل بليغ – ربما تحت وطأة التطوير – يتجاهل اللحن الأصلى، تماماً كما تجاهل الأبنودي النص الأصلى للموال ولم يأخذ منه إلا المقطع الشهير (وأنا كل التوبة يابوي ترميني المقادير).

لكن (على حسب وداد قلبي) كانت على العكس تماماً فبليغ كان أكثر إبداعاً في لحن (على حسب وداد قلبي) لأنه لم يفقدها أثر الأجواء الشعبية كما فعل مع الأخرى بعدها!.

ولكن المحزن أننى سألت أكثر من شخص – بعيداً عن المتخصصين – عن صاحب أغنية (على حسب وداد)، فكان يأتينى الجواب بكل ثقة ومن بينهم كثير من سميعة العندليب: (طبعاً الأبنودي)!

ولست بلائم على أحد فقد كنت أظن أنها كذلك لولا حرصى على التركيز عقب سماع أي أغنية على معرفة صاحب الكلمات لأنه يمثل الضلع المظلوم في مثلث الأغنية (المطرب- الملحن – الشاعر)

عبد الرحمن الأبنودي لم يكتب الأغنية

أغانيه الأخرى شدا بها كثيرون

و(صلاح أبو سالم) لم يكن فقط حظه قليل في الحياة التى غادرها في الثامنة والثلاثين قبل أن ينشر أول ديوان له والذي كنبه بخط يده.

 كما أن أغانيه الأخرى التى شدا بها مطريون ومطربات عصره مثل (محمد قنديل وكارم محمود ومحمد رشدى) خاصةً في (فيلم السيرك)، و(فايزة أحمد وشادية وفايدة كامل وعادل مأمون ومحرم فؤاد وسيد إسماعيل وعبد اللطيف التلبانى) وغيرهم، لم يشتهر منها الكثير ولكن ريما عوضت أغنية (على حسب وداد)، ذلك.

غير أن أبسط حقوقه أن ننشر بين الناس أن (صلاح أبو سالم) هو صاحب الأغنية الرائعة وليس الخال الأبنودي، والذي نؤكد ونقر بأنه لا ذنب له في هذا الخطأ وربما لم يسمع بهذا الخليط أبداً.

ولكن الأشد إيلاماً من كل ما سبق، هو أن (صلاح أبو سالم) ليس وحده المظلوم بتجاهله كصاحب أغنية مشهورة، ذلك لأن كثيراً من الشعراء الغنائيين غالباً ما نغمطهم حقهم في كثير من الأغاني التى ارتبطت بحياتنا ودارت حولها الكثير من الذكريات ولم يزل يرددها الناس في كل مكان.

ومع ذلك لا يعرفون ولا اهتموا بأن يعرفوا من هم أصحاب هذه الأغنيات والتى لا تنسب إلا إلى المطرب أو المطربة، وكذلك كان لكثير للملحنين أيضاً حظهم العاثر في التجاهل وإن كانوا أوفر حظاً من الشعراء!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.