
كتب: أحمد السماحي – تصوير: موسى محمود
نحتفي هذه الأيام بعيد ميلاد قامة فنية شاهقة هو الفنان المدهش (يحيى الفخراني)، الذي امتلأت أعماقه بالرغبة في صنع فن مختلف يخاطب العقل أكثر مما يدغدغ المشاعر.
ويستفز التفكير أكثر مما يدعو للتسلية، ويعبر عن الواقع أكثر مما يهرب منه، و(يحيي الفخراني) هو نهر الإبداع، وفيضان الانفعالات الذي يعيش أدواره في توحد شديد، ويندمج مع الشخصية ويذوب داخل دمائها ولحمها.
المتلقي لأعمال (يحيى الفخراني) لا يشعر وهو يشاهد هذه الأعمال بأنه يتفرج على ممثل يمثل دورا، لكنه يشعر أن هناك طاقة ضوئية تشع داخل كيان إنساني يرينا نفسه بوضوح كامل من خلال الأدوار التى يجسدها.
و(يحيي الفخراني) يعطينا من خلال شخصيته، وفنه، مذاق مصر الحقيقي، ويضع يدنا على مفاتيح الشخصية المصرية، ويدخل بنا إلى خفايا الروح الأصيلة لمصر.
المتابع لمشوار (يحيى الفخراني) الفني يجد أنه جاهد بموهبته جهاد الأبطال الصابرين، حيث بدأ مشواره من خلال أدوار صغيرة وثانية، وكان حريصا على أن يعطي وقته، وجهده، كله لأعماله الفنية، إعتقادا منه وإيمانا راسخا في قلبه أن الإجادة الفنية هي الأساس الأول والوحيد لأي نوع من أنواع النجاح.
والحقيقة أن إخلاص (يحيى الفخراني) للفن بهذه الصورة يعتبر نموذجا من أعلى نماذج الصدق والالتزام، وبالطبع لا يكفي أن يكون الإنسان مخلصا حتى يحقق نتائج لها قيمة في المجال الفني.
فالإخلاص وحده لا يصلح لتقديم أعمال فنية قيمة مثل التى قدمها (يحيى الفخراني)، وما أكثر المخلصين الذين بذلوا أفضل الجهود ثم انتهوا مع ذلك إلى أعمال قليلة التأثير والقيمة.
و ذلك لأن الإنتاج الفني الجيد الأصيل يحتاج إلى الموهبة الطبيعية العالية، وهنا نجد أن (يحيى الفخراني) قد تمتع منذ البداية بهذه الموهبة الخصبة، وكانت هى المصدر الأساسي لمختلف أعماله الفنية الناجحة.

النجم شديد الموهبة
وكان إخلاص (يحيى الفخراني) للفن مثمرا لأن عنده ما يقدمه للناس، ولديه هذه الموهبة العالية التى يمكنها إذا إقترنت بالجدية والصدق والإخلاص أن تحقق نتائج عظيمة مثل النتائج التى توصل إليها نجمنا شديد الموهبة بالفعل.
و(يحيى الفخراني) من العظماء الذين وصلوا بأعمالهم إلى نماذج فنية شديدة الإنسانية، والجميل أن هذه النماذج ليست من وحي الخيال أو مستوردة، ولكنها نماذج فنية من أبناء مصر المحروسة الذين يعيشون فوق أرض مصر الطيبة.
فلم يحاول (يحيي الفخراني) أبدا أن يقدم شخصيات لم يصادفها أو يسمع عنها، أو يفتعل أحداثا لم يعشها، بقدر ما كان مشغولا بالتعبير الصادق عن بيئته وشعبه ونفسه.
وكانت النتيجة الطبيعية هى أن يلتف حول أعماله الناس، ويكتسب كل هذا الحب من خلال فنه الصادق الذي يقدمه، فأسعد اللحظات التى يعيشها (يحيى الفخراني) أن يقدم عملا فنيا يجمع بين المتعة والإحترام.
و(يحيى الفخراني) وصل إلى نجوميته بجهده الخارق المليئ بالصبر وطول البال والتسامح وعدم انتظار الجزاء أو طلبه من الآخرين، ولم يصل إلى نجوميته بنصف موهبة أو بعلاقات صداقة مع المنتجين والمخرجين، ولكن بحسن ودقة إختياراته الفنية.
فعلى مدى مشواره لم يستسلم لنجاح شخصية وكررها، ففي ذروة نجاح شخصية (سليم باشا البدري) قال: (بس خلاص مش لاعب!)، فهو لا يحب أن يعيش في آسر شخصية واحدة فترة طويلة حتى لو كانت الشخصية ثرية وغنية دراميا.
فهو يحب أن يجرب شخصيات أخرى، وهذا ما حدث فبعد (سليم باشا البدري) قدم (عبدالمتعال محجوب) في رائعة الكاتب مصطفى أمين (لا) وتوالت الشخصيات فقدم (ربيع الحسيني) في رائعة محمد جلال عبدالقوى (نصف ربيع الآخر).
و(سيد يوسف) في (الخروج من المأزق)، و(علي بابا) في (ألف ليلة وليلة)، و (بشر عامر عبدالظاهر) الشهير بـ (بوتشي) في رائعة (زيزينيا) و (سيد عبد الحفيظ) الشهير بسيد أوبرا في (أوبرا عايدة).
و(جابر مأمون نصار) في (للعدالة وجوه كثيرة)، و(رحيم المنشاوي) في (الليل وآخره)، و(مصطفى الهلالي) في (سكة الهلالي)، و(حمادة عزو) في (يتربى في عزه) و(شرف فتح الباب بركات) في (شرف فتح الباب) ووووووو..

الملك لير وأرض الأحلام
الحقيقة أن التوقف عند أعمال (يحيى الفخراني) صعب جدا لأن كل عمل من الأعمال التى قدمها في المسرح أو السينما أو التليفزيون يحتاج دراسة عنه، لأنها أعمال عاشت معنا وماتزال تعيش معنا بجمال ونبل وانكسار وهزيمة وانتصار شخصياتها.
كما أن (يحيى الفخراني) كان دقيقا جدا في اختياراته، فلم يقدم إلا ما يشعر به باستثناء أعمال قليلة جدا، ورغم أن البعض يحسبه على الدراما التليفزيونية، لكنه قدم في السينما تجارب سيمائية شديدة التميز والاختلاف، كان في منتهى الجرأة عندما قدمها.
من منا ينسى (الأقزام قادمون، الغيرة القاتلة، حب في الزنزانة، الكيف، خرج ولم يعد، الحب في الثلاجة، عودة مواطن، عنبر الموت، إعدام قاضي، الذل، أنا وأنت وساعات السفر، محاكمة علي بابا، للحب قصة أخيرة، إعدام ميت، بابل حبيبتي، أرض الأحلام) وغيرها.
وفي المسرح قدم روائع تشهد على عظمته الفنية مثل (بكالوريوس في حكم الشعوب، سعدون المجنون، غراميات عطوة أبومطوة، أنشودة الدم، راقصة قطاع عام، جوازة طلياني، الملك لير) فضلا عن أوبريت (ليلة من ألف ليلة).

رفض فيلم (العار)
من الأشياء التى لا يعلمها الكثيرين أنه رفض دور الدكتور (عادل) في فيلم (العار) تأليف محمود أبوزيد، وإخراج علي عبدالخالق، وهو الدور الذي قام به (محمود عبدالعزيز) وكان نقطة انطلاقه نحو النجومية.
وقد رفض (يحيى الفخراني) الدور لأسباب كثيرة من أهمها أنه كان مشغولا بارتباطات أخرى، ففي السينما كان مرتبطا بفيلم اسمه (عشرة على عشرة) بطولته مع مديحة كامل، وكان لابد من الذهاب يوميا إلى الأسكندرية، ولم يكن أمامه إلا الاعتذار.

قبل فيلم (الذل)
كما منح (محمود عبدالعزيز) واحدا من أهم أدواره، رد له محمود عبدالعزيز الجميل دون أن يقصد حيث كان (محمود عبدالعزيز) مرشحا لبطولة فيلم (الذل) تأليف محمود أبوزيد، وإخراج محمد النجار، لكن حدث خلاف بين المنتج والمؤلف والبطل.
وبحكم أن الأطراف الثلاثة المتنازعة أصدقاء (الفخراني) فحاول الفخراني الأصلاح بينهم أكثر من مرة، لكن محاولاته باءت بالفشل، وأثناء ذلك تم عرض الدور عليه.
ونظرا للمأزق الذي وقع فيه أصدقائه وافق على بطولة الفيلم، ولم يقم بالدور إلا بعد أن اتصل بصديقه النجم (محمود عبدالعزيز) يستأذنه، فقال له محمود عبدالعزيز (يا يحيي أنا فعلا لا يمكنني عمل الفيلم مبروك عليك).

من سيربح المليون
من المعلومات التى لا يعلمها الكثيرين أيضا أن مبدعنا (يحيي الفخراني) كان أول فنان يُعرض عليه تقديم برنامج (من سيربح المليون) قبل الإعلامي اللبناني الكبير (جورج قرداحي)!
وعندما سألته عن مدى صحة هذه المعلومة قال لي: (المعلومة صحيحة فقد عرضت علي قناة (mbc) البرنامج قبل أي شخص آخر، لكني كنت مترددا في قبوله، وخوفا من أن يأخذني من عملي الأصلي كممثل.
وفي هذا الوقت وحتى أهرب من العرض المعروض علي، طلبت أجرا كبيرا جدا، ووافقوا عليه، فاعتذرت، لكنهم كان لديهم إصرار على موافقتي، فرفعوا الأجر، فخفت من الفلوس! وقلت بيني وبين نفسي أنا ممثل ولابد أن أظل ممثلا وليس مذيعا!.

الملك والأستاذ
المثير والعجيب أن نجمنا المدهش (يحيي الفخراني) لديه عمل فني موافق على بطولته، عبارة عن مسلسل مكون من 15 حلقة تحت إسم مؤقت بعنوان (الملك والأستاذ) تأليف أمين جمال، وإخراج محمد العدل، وإنتاج جمال العدل، لكن المسئولين في (الشركة المتحدة) لم يتحمسوا له!
بتقولوا أيه يا ولاد؟ لم يتحمسوا له!.. أه وربنا حصل!، ففي الوقت الذي نتباهي أن لدينا نجم أسطوري اسمه (يحيي الفخراني) كل العالم العربي يحسدننا عليه.
وكل نجوم العالم العربي يتمنوا التمثيل أمامه، وطلب مني بعضهم هذا بطلب شخصي، نجد أن المسئولين في (الشركة المتحدة) يغضون الطرف عن هذا الهرم الفني ويلهثون وراء من هم أقل منه بكثير وكثير، ولنا الله!
على أية حال نقول لنجمنا الكبير (يحيى الفخراني) في عيد ميلاده الثمانين: كل عام وأنت بألف بخير وصحة عافية، وتمتعنا أكثر بإبداعك الذي لايفنى.




