
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
(ظلم المصطبة)، مسلسل استعرض بعض الأمراض التي يعاني منها الريف المصري، فقد انتبهت الدراما المصرية هذا العام إلى الريف المصري الذي تجاهلته سنوات وسنوات، ركزت على الصعيد وقضايا الثأر والحارة الشعبية وما فيها من فقر وخلل قيمي، انتبهت إلى أن الريف فيه الكثير من المشاكل التي تصنع دراما وتستقطب الجمهور بل وتحقق نجاحاً كبيراً.
وهو ما تحقق من خلال مسلسل (ظلم المصطبة)، الذي أضاء على حياة الريف وسطوة رجال الدين وأصحاب المال فيه، وتحكمهم في حياة الناس ومقدراتهم، وإذلالهم لمن يخرج عن إرادتهم ومن كان موضع شك في إمكانية أن يخرج عن إرادتهم قبل أن يفعل.
الظلم ليس له وطن، ولكن له أنماط وأساليب، تختلف من مجتمع لآخر، حسب العادات والتقاليد، و(ظلم المصطبة) مستوحى من موروث (ظلم المصطبة ولا عدل المحكمة)، جملة تلخص قناعات فئات اجتماعية تفضل وقوع الظلم من المحاكمات العرفية على تحقيق العدالة وفق القانون ومؤسسات الدولة.
فئات لا تعرف القانون ولو عرفته لا تتقبله، والنتيجة تحكّم قلة في المجتمعات التي تعتنق هذا الفكر البدائي على الغالبية العظمى، يسوقونهم كما المواشي، يتحكمون فيهم ويقهرونهم، والصمت يكون هو رد الفعل الطبيعي حيث يستوطن الخوف النفوس المقهورة، يخافون القتل والتجويع والطرد والفضيحة والاذلال، فهذه القلة تستطيع فعل الكثير، وتلك الأغلبية لا تستطيع فعل شيء، عاجزة حتى عن الصراخ والتأوه.
أمراض الريف كثيرة، والتصدي لها يستلزم الكشف عنها ومناقشتها عبر الإعلام والفن والثقافة، وجميع هؤلاء يتجاهلونها بقصد ومن دون قصد، فالقاهرة بحواريها وأحيائها الشعبية و(كومبونداتها) استولت على عقول المؤلفين ورؤى المخرجين وقرار المنتجين، وبعدها الصعيد بتعقيداته وعاداته، ثم المدن الساحلية وصراعاتها في البر والبحر.

صورة المسلسل القاتمة
ولم يكن للريف مكان رغم أن أمراضه لا تقل خطورة عن أمراض القاهرة والصعيد والساحل، حتى جاء مسلسل (ظلم المصطبة)، الصورة فيه قاتمة مظلمة كما حياة الناس هناك، العلاقات فيه معقدة والمصالح متشابكة والظلم أشكاله متعددة، المرأة مقهورة والرجل مستأسد، تتعرض للضرب من الزوج والقهر من الأشقاء، وليس لها حق الرد، محرومة من ميراثها وحقوقها المادية والمعنوية.
وهو ما تجسد في علاقة (هند) أو (ريهام عبدالغفور) وزوجها (الحاج حمادة) أو (فتحي عبدالوهاب)، وشقيقها (محمد علي رزق)، صاحب المال يتحكم في مصير صاحب العلم وهو ما تجسد في علاقة (الحاج حمادة) وزوج شقيقته وهو في ذات الوقت شقيق زوجته سحر وتجسدها (بسمة).
والدين يتم استغلاله كعصا يسوقون بها المغلوبين على أمرهم رغم جهل رجل الدين وجشعه، والذي يحلل لنفسه الزواج من الثانية من دون مبرر، فقط لإشباع غريزة حيوانية داخله، والمطالب بحقوقه يصبح مطارداً ليس من الشقيقين صاحب المال ورجل الدين فقط ولكن من كل أهل القرية وغير مرغوب فيه من شقيقته وزوجها خوفاً وطمعاً.
صاحب المال ورجل الدين لا يتحكمان في مصير أهل القرية الغرباء ويستعيدان زمن السخرة فقط ولكنهما يتحكمان في شقيقتهما وزوجها ومشاعرها، ومثلما يقدم (ظلم المصطبة) رجل الدين جاهلاً يكتب له غيره خطبة الجمعة والكلام الذي يقوله للناس، يقدم صاحب المال حرامي بنى المول التجاري الذي يملكه من مال شريكه في الغربة حسن والذي يجسده إياد نصار.
وبعد أن سرق ماله سرق حبيبته وأوهمها أنه سافر إيطاليا وتزوج من إيطالية حتى تقبل به زوجاً بديلاً، وعندما عاد حسن لاسترداد حقوقه تحوّل إلى رجل مطارد يتنقل من بلد لآخر هرباً من ظلم أهل القرية أو (ظلم المصطبة)، تنقّل بين الوجه البحري والصعيد والقاهرة بصورة تستحضر مشاهد مسلسل قديم جداً.
لكنه لا يزال حاضراً في الذاكرة وهو (أحلام الفتى الطاير) الذي كان نقطة انطلاق الكبير عادل إمام إلى النجومية.

هشاشة علاقات الأقارب
الظلم الذي تعرض له كل من (حسن وهند) جاء من الأقربين، كما أن عادات المجتمع الريفي كرست هذا الظلم، اختبار صدق كل منهما بواسطة لسع اللسان بالنار فيما يسمى بالبشعة، ورغم أن هذه العادة أنصفتهما إلا أن ذلك لا ينفي أنها عادة بشعة ينبغي منعها بأوامر قانونية تفرض معاقبة كل من يلجأ إليها.
وأيضاً المجلس العرفي الذي لجأت إليه الشرطة لتحمي (هند) من (حمادة) كانت نتيجته قتلها أمام العمدة والكبار المستعان بهم لحمايتها وحماية ابنتها، والنميمة التي تسري في المجتمعات الريفية مسرى النار في الهشيم وتحرق فيه سمعة الكثيرين لمجرد شكوك لا أساس لها من الصحة.
قضايا رئيسية مثل العنف الزوجي، الإجبار على الزواج، حرمان الأنثى من الميراث، الزواج الثاني، تطرق لها المسلسل وناقش الكثير من القضايا الفرعية مثل الغيرة بين الشقيقات بسبب الحب، وهشاشة علاقات الأقارب أمام علاقات المصالح، وتلويث البراءة بالشعارات الدينية مثلما حدث مع رحاب شقيقة هند الصغرى والتي جسدتها فاتن سعيد، الفتاة التي كانت ضحية شقيقاتها وضحية الشعارات الجوفاء.
مسلسل (ظلم المصطبة)، تأليف أحمد فوزي صالح وشارك في كتابة السيناريو والحوار حرفيون جدد يجيدون وصف المشهد وكتابة الحوار المعبر وباللهجة السليمة لأهل المركز الذي تدور فيه الأحداث بمحافظة البحيرة، والإخراج لأحمد علي الذي قدم عملاً متميزاً لولا الاستغراق في المشاهد المظلمة وضعيفة الإضاءة.
وحتى لو كان فعل ذلك لرمزيته للظلام الفكري والقيمي والسلوكي السائد في مجتمع الأحداث.
مباراة في التمثيل قادتها (ريهام عبدالغفور)، وشارك فيها (إياد نصار وفتحي عبدالوهاب وأحمد عزمي وبسمة)، وباقي طاقم المسلسل استمتعنا به وعشنا أحاسيس أبطاله استمتعنا بنطقهم السليم لللهجة أهل البحيرة، ومن الوجوه الجديدة المبشرة في هذا المسلسل (فاتن سعيد) والتي جسدت شخصية (رحاب) وسيكون لها مستقبل مهم في عالم النجومية.