رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف يكتب: مشايخ (الفضائيات).. دعاة أم فنانون؟!

مبروك عطية المشهور بلقب شيخ (الفضائيات) أبو وردة

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف

أعرف أن الكتابة في أي موضوع له علاقة بالدين يمثل حساسية بالغة لدى الكثيرين، خصوصا ممن تربوا على أن تكون علاقتهم بالدين تلقينية وليست نقدية، متجاهلين الدعوة الصريحة في القرآن للإنسان أن يقرأ ويفكر حتى يكون إيمانه عن قناعة ورسوخ.

ولهذا السبب ترددت لفترة طويلة قبل التعليق على البرنامج الجديد الذي قدمه الداعية أو شيخ (الفضائيات) مبروك عطية الذي اشتهر بأسلوبه الغريب على الدعوة، والذي يجمع بين السخرية والفكاهة زعما بأن ذلك يجعله أقرب للبسطاء.

ثم جاءت تصريحات ياسر برهامي الذي يصنف باعتباره رئيس الدعوة السلفية الأخيرة، في (الفضائيات) لتقضي على ترددي في الكتابة حتى لو جلبت لي نقمة السفهاء.

(برهامي) قال خلال محاضرة له أن دعوة الاتحاد العام لعلماء المسلمين لمناصرة الفلسطينيين عسكريًا من قبل الدول الإسلامية، غير واقعية وخاطئة، باعتبار أن المقاومة وأهالي غزة قرّروا خوض الحرب دون التشاور مع بقية المسلمين، باستثناء إيران!

أي أن نصرة الشقيق المسلم في نظر (برهامي) تتوقف على ما إذا كان استشار شقيقه في مقاومة احتلال منزله أم لا! وبالتالي فنحن أمام فتوى شرعية جديدة تسمح للمسلم أن يتقاعس حتى لو رأى شقيقه يتعرض للضرب المميت في الشارع، طالما أنه لم يستشره قبل الدخول في المشاجرة!!

كما أن برهامي نفسه سبق وأن افتى في (الفضائيات) بعدم جواز محاربة إسرائيل على المسلمين المصريين لأن مصر ترتبط بمعاهدة سلام مع دولة الاحتلال، وأن المسلمين يجب أن يلتزموا بالمواثيق الدولية، رغم إقراره بأن الاحتلال الإسرائيلي يخرق الاتفاقية وينتهك المقدسات الإسلامية.

أبو وردة تخلى عن الدعوة في رمضان الماضي، واتجه لتقديم برنامج يستضيف فيه فنانين ومطربين

شيخ (الفضائيات) أبو وردة

أما مبروك عطية المشهور بلقب شيخ (الفضائيات) أبو وردة بين متابعي، فقد تخلى عن الدعوة في رمضان الماضي، واتجه لتقديم برنامج يستضيف فيه فنانين ومطربين، وليسوا أي مطربين وإنما مطربي المهرجانات بكل ما يمثلونه من تدني للذائقة الفنية المصرية.

لا أعرف أسباب تحول (مبروك عطية)؟، وهل كان ذلك رضوخا لسطوة المال، أم قوة الترند الذي لم تعد الدعوة تجلب الكثير منه مقارنة بالبرامج الفنية؟، لكن استوقفتني تبريرات أسرته أن البرنامج صور قبل سنوات وخلال فترة كورونا.

تلك التبريرات تنطبق عليها الحكمة الشهيرة (عذر اقبح من ذنب) فهل تتوقف الدعوة الإسلامية في (الفضائيات) مثلا خلال فترات العزل، أم أنه يوجب على المشايخ والدعاة التخلي عن طريق الدعوة؟!، وهل البديل هو تقديم برامج “هلس” فنية والسماح لمطرب مهرجانات بتلحين آيات قرآنية بينما الشيخ يهتز طربا؟!

الفكرة التي يجب التوقف أمامها بكثير من الحذر، أن ما فعله مبروك عطية يمثل توجها مستقرا لدى بعض الدعاة في الفترة الأخيرة، حيث سبقه المعز مسعود المعروف بأنه (داعية أولاد الذوات)، الذي اعترف مؤخرا بأنه فنان قبل أن يكون داعية، وأن حلم حياته كان الغناء، لأن الكثيرين كانوا يقولون له أن صوته حلو.

لا أعرف ولم يوضح المعز أو مبروك الرابط الذي اكتشفه كلا منهما (على كبر) بين الدعوة الإسلامية والفن، خصوصا النوع الهابط والمسف منه الذي يهوى بالذوق ولا يرتفع به.

كما لا أعرف لماذا لا يختار كلا منهما مجالا من الاثنين ليتخصص فيه، سواء الفن أو الدعوة حسب ما يريحهما، دون الوقوع في شرك إرباك الملايين من متابعيهما بين المجالين؟!

لكن ما فعلاه وما قاله (برهامي) عبر (الفضائيات) لم يفاجئني مثلما لا يفاجئني أي موقف من أي داعية أو شيخ في أي بلد عربي ينقلب على مواقفه وآرائه بين يوم وليلة، ببساطة لأن الدعوة في اعتقادي تحولت منذ زمن بعيد الى بيزنس.

ونادرا ما تجد واحدا من دعاة (الفضائيات) والأندية الاجتماعية يشغل باله بمدى تأثير ما يقوله على متابعيه، أو مقدار ما تفعله دعوته في إصلاح أخلاقهم، بقدر اهتمامهم بمدى تأثير كلامهم على أرصدتهم البنكية.

ياسر برهامي

(دعاة الغفلة) وفقدان المصداقية

كذلك لم يعد الكثير من (دعاة الغفلة) يهتمون بفقدان المصداقية، سواء عندما يظهرون من قصورهم المنيفة ليطالبوا الناس بالزهد، أو يحثوهم على طاعة الحاكم سواء كان رشيدا أو ظالما، على طريقة الشيخ مبروك (حسن البارودي) في فيلم (الزوجة الثانية).

ين كان يستخدم الآية الكريمة (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ليقنع شكري سرحان (أبو العلا) بتطليق زوجته فاطمة (سعاد حسني)، لكي يتزوجها العمدة عتمان (صلاح منصور).

هذا النهم للمال والشهرة حوّل الكثيرين منهم إلى (منتج إعلامي) يخضع لاعتبارات التقييمات والمصالح، والترند، ناهيك طبعا عن محاولات كسب رضاء أصحاب السلطة والمال في عموم الوطن العربي، حتى أن أغلبهم لم يعد لديه الوقت الكافي ليسأل نفسه: هل دور الداعية أن يكون (نجم شاشة)، أم أن دوره أن يكون مرشدًا علميًا وأخلاقيًا؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.