
بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
كتبت قبل أكثر من سنة – تحديدا يوم 17 فبراير 2017 : جاء المستشار (تركي آل شيخ) إلى مصر مجددا قبل أيام قليلة فاتحا زراعيه إلى (أم الدنيا)، وهو الذي قال: مصر منارة فنية تاريخيا وحضاريا على مستوى العالم، وتابع: أن الفن المصري لغته تفهم من محيطه، وأن المملكة حريصة على علاقاتها مع مصر، حتى أنني قلت أنه يعد رقما صعبا في معادلة الفن المصري.
لقاءات عدة عقدها رئيس هيئة الترفيه السعودية المستشار (تركي آل الشيخ)، خلال زيارته الرسمية إلى مصر، بدأها بلقاء وزيرة الثقافة المصرية، د.نيفين الكيلاني، في دار الأوبرا بالقاهرة، للاتفاق على سبل التعاون بين الجانبين، في فعاليات فنية عدة تشمل المسرح والسينما والحفلات الغنائية.
وعدت وكتبت مرة أخرى في 19 يوليو 2024، مقالا بعنوان (انتباه: عفوا.. (تركي آل شيخ) لا يسعى إلى تدمير القوة الناعمة المصرية!، وقلت وقتها: لاشك أن الضجة التي أثيرت مؤخرا حول المستشار (تركي آل شيخ) بسبب دعمة الكبير لفيلم (ولاد رزق 3.. القاضية)، بسبب رداءة محتواه الذي يدعو للبلطجة والعنف، قد صب كل ذلك في تشويه صورة رجل أقبل على مصر بمحض إرادته منذ شهور قليلة وأبدى استعداد لدعم صناعة السينما والدراما والغناء.
وكنت واحدا من المشجعين – للأسف – لخطوة (تركي آل شيخ) في دعم (القوة الناعمة) المصرية، ولكني لا أنكر أن تصريحاته في أعقاب العرض الخاص لفيلم (ولاد رزق 3) استفتزني، حيث أثار حفيظة الجمهور المصري في محاولة ترسيخه الواضح لسينما البلطجة والعنف وإساءة طرحه لأفلام أخرى تروج للسرقة، وغيرها من الجرائم.
انطلقت في هذا الحين هتشاجات كثيرة تطالب بمقاطعة (تركي آل شيخ) متهمة إياه بتشويه السينما المصرية التي عرفت طوال تاريخها الحديث والقديم بتقديم موضوعات جادة وهادفة تصنع الإبهار والمتعة وتقدم رسائل إيجابية للمجتمع، وفي هذا ظلم وعدم فهم لرجل أخلص لمصر ولفنها.

إيمانه الزائف بالفن المصري
ولهذا ذهب (تركي آل شيخ) في غيه نحو دعم الفن المصري غير عابئ بالهجمات الشرسة عليه، انطلاقا من إيمانه الزائف بالفن المصري الرائد في المنطقة، ونظرا لحبه الشديد لمصر كما أعلن ذلك في أكثر من مناسبة.
وكان ظني – للأسف أيضا – أن (تركي آل شيخ) ينطلق من قاعدة معرفته الجيدة بأن (القوة الناعمة) طبقا لـ (جوزيف ناي) أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، الذي صاغ مفهومها عام 1990، بأنها (القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجذب والإقناع، بدلاً من القسر والإرغام والإكراه).
وهنا تسكن النواياه الخبيثة التي ظلت دفينة في عقله وحده طوال الوقت، ومن ثم كان طبيعا جدا أن تظهر سياسة محددة، استغلت من خلال المملكة ممثلة في (تركي آل شيخ) قدراتها لاحتواء عناصر القوى الناعمة المصرية لصالحها، من عمليات شراء واحتكار أغلبية ميراث السينما المصرية، إلى استيعاب المد المصري الحديث بعقود احتكار مع الفنانين المصريين في مقابل أجور ضخمة.
مروروا بكسب ود الرموز المصرية بحفلات التكريم، ودفع مقابل مادي كبير للمتعاونين مع مشروعاتها الفنية والثقافية، ومؤخرا منح الإقامة الذهبية والجنسية السعودية لمشاهير الفن والاعلام، وكنت أظن – للأسف – أن هذا يصب في مصلحة المصريين.. وتحمست وأكدت وقتها قائلا: أرجوكم إفهوا وعوا، لكن كم الأكمة من سموم قاتلة.
وهذا ما كشف مؤخرا عن تلك النوايا الخبيثة من جانب (تركي آل شيخ) نهاية موسم شهر رمضان الأخير، حيث كشف عن سمه القاتل وأطلق شرره المتطاير في تحد لإرادة الجمهور المصري، حين أعلن قائمة الأعلى مشاهدة على قنوات mbc مصر) وفقًا للتقرير والإحصائيات الصادرة عن إحدى المراكز المتخصصة في أبحاث السوق واستطلاعات الرأي المزعومة.
وجاء ترتيب الأعمال الأكثر مشاهدة – حسب زعمه – كالتالي:
المركز الأول برنامج (رامز إيلون مصر).
المركز الثاني مسلسل (العتاولة 2).
المركز الثالث (سيد الناس).
المركز الرابع (المداح 5).
المركز الخامس (إش إش).

أعمال ترسخ للفوضى
وفي زحمة الأحداث مر تصريح (تركي آل شيخ) الخبيث دون تعليق، خاصة أنه جاء بعد أعلن الرئيس السيسي عن غضبه من تلك الأعمال تحديدا، وطالب بتشكيل لجنة لمراجعة الدراما المصرية، تلك التي تنسف الهوية، وتبرز العنف وتتحدى التقاليد، وتنطق بألفاظ نابية، وترسخ للفوضى والعشوائية، وكان غضب الرئيس بناء على آراء الجمهور المصري الذي لفظ تلك الأعمال السيئة.
ثم عاد (تركي آل شيخ) كرد غير مباشر في أعقاب تهديدات الإعلامي (عمرو أديب) بسحب دعم هيئة الترفيه، حيث فاجأ رئيس الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية، الجمهور والمتابعين على السوشيال ميديا، بإعلانه إلغاء تصوير أحد الأعمال الفنية التي يقوم بتصويرها حاليا الفنانين المصريين (كريم عبدالعزيز، وأحمد عز).
وفي أسلوب المكايدة، وتكشيرا عن أنيابه الخبيثة: نشر (تركي آل شيخ) صورة للنجم (كريم عبد العزيز)، وكتب بكهن نسائي مفضوح: (نظرا لظروف خارجه عن إرادتنا بعد إصابة المخرج واثنين من فريق التصوير سيتم إلغاء العمل مع تعويض المنتج والممثلين وفريق التصوير).
وهو نفسه الذي أعلن في وقت سابق عن انطلاق تصوير فيلم (The Seven Dogs) للنجمين (كريم عبدالعزيز وأحمد عز)، عبر حسابه بموقع (فيسبوك)، قائلا: يوم مهم في تاريخي وفي تاريخ صناعة السينما في بلدي وفي العالم العربي، اليوم بدأ تصوير فيلم The Seven Dogs من قصتي وفريقBig Time ، وسيناريو وحوار محمد الدباح).
هنا اتضحت نوايا (تركي آل شيخ) الذي قرر معاقبة الجمهور المصري، لأن السبب في توقف الفيلم واهي تماما وعاري عن الحقيقية، بل يكشف عن نيته بعد أن ضاق صدره بعد الهجوم الكاسح للجمهور المصري اعتراضا على إنتاجه الدرامي الردئ في رمضان 2025، فقرر أن يعاقب الجمهور بإلغاء الفيلم الذي رصد له ميزانية ضخمة تقترب من 50 مليون دولار.
ويبدو لي أن (تركي آل شيخ) لم ينسى تراثه السيئ من الغضب على جمهور النادي الأهلي، رغم أن أعلن عن فتح (صفحة جديدة) في حب النادي الأهلي، في أكتوبر 2019 مشيرا إلى أن ما أحزنه كان سب البعض لـ (والدته) وهى بالمناسبة مصرية.
وقال (تركي آل الشيخ) عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك: (كيف أعادي جمهور الأهلي أو النادي الأهلي المصري.. فأنا واحد منهم، ولكن ما حز في نفسي هو سباب البعض لوالدتي، والآن وقد اتضح للجميع كل شيء، لذلك أعلن وبنية خالصة مسامحة الجميع والعودة من جديد لفتح صفحة جديدة في حب الكيان).

الخروج من حسابات الجمهور
واليوم قرر (تركي آل شيخ) بدأ خطته الجديدة في الخروج من حسابات الجمهور المصرية، وبالضرورة سوف ينسحب من دعم الفن المصري قريبا جدا، بعد أن كان يراه فرصة سانحة له في القضاء على القوى الناعمة المصرية، تارة بإنتاج مسرحي ردئ للغاية، يروج للتفاهة، وقد ساعده للأسف نجوم كبار ينتمون لهذا البلد، فضلا لرعايته واحتضانه لمؤدي المهرجانات قبل سنتين.
ولما رأى أن إنتاجه المسرحي ومؤدي المهرجانات لا يشفون غليله في ضرب الفن المصري في مقتل، ذهب إلى أرض الدراما، وهى أرض خصبة ومرتع لدس السم في العسل، فعمد لمشاركة الشركة المتحدة في الإنتاج، ولأن هذه الشركة مترعة بالفساد والمحسوبية وخراب الذمم والضمائر، فقد استنكوا للعبة (تركي آل شيخ)، وشاركوه مسلسلات العار التي شوهت ملامح الدراما المصرية هذا العام.
والآن بعد أن انكشف المستور، ونحن على وشك كشف الغمة التي خيمت على الدراما المصرية كاملة خلال القادم من الأيام القادمة، لابد لنا من التحذير من المشاركة في إنتاج الغث من دراما (تركي آل شيخ)، ولننتبه إلى أن تلك الشرزمة من الفنانين التي راحت تسبح باسمه وكرمه طوال السنوات الثلاث السابقة يمكن أن نلقي بهم جميعا في سلة القمامة.
فقد ظهر في موسم رمضان 2025، أجيال من الشباب الواعد الذي أثبت جدارته في مسلسلات الـ 15 حلقة، وهو ما يثبت أن مصر ولادة بالإبداع وأنه بالوعي وحده، واعتماد كتاب وخرجين وممثلين أكفاء، يمكن أن نعيد الدراما المصرية إلى مسارها الطبيعي، فليس بالمال الكثير وحده يحيا الإبداع.
فلنستغني تماما عن دعم (تركي آل شيخ) المشوب بنوايا خيبثة، وأفكار شيطانية رجيمة، لا تعلي من شأن الفن المصري، بقدر ما تحط من شأنه وتنال منه وتصيبه بالعطب، علينا أن نعي الدرس جيدا، وليكف البعض من الحديث المموج حول نزاهة هذا الرجل الذي أطاح من قبل بمواطنة مصرية اسمها (آمال ماهر)، ثم عاد وتنصل من كل دروب الانتقام التي ألحقها بها.
ولنتأمل تلك العبارة البليغة: (الدواء فيه سمٌ قاتل.. أشهر محاولة إنقاذ في تاريخ السينما المصرية)، عبر فيلم (حياة أو موت – 1954)، فرأس المدعو (تركي آل شيخ) ياسادة فيها سم قاتل، ولا يمكن أن تصفوا نيته مهما قال من تصريحات تحاول إهالة التراب على الحقيقة المرة والنوايا السيئة تجاه الفن المصري العريق.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.