رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب: الصراع الدرامي بين (وتقابل حبيب) و(رد قلبي)!

تظل الدراما، سواء في السينما أو التلفزيون، انعكاسًا للتحولات الاجتماعية والفكرية في المجتمع

بقلم الإعلامي: شريف عبد الوهاب

الدراما الحقيقية لاتنتهي بانتهاء عرضها، بل تبدأ تاثيراتها في الظهور من خلال النقاشات والتأملات التي تثيرها في أذهان المشاهدين مثل مسلسل (وتقابل حبيب) الذي استمتعنا به في رمضان.

فالفن ليس مجرد أداة للترفيه، بل هو انعكاس للمحتمع وتحولاته، ومن بين هذة الأعمال التي أثارت اهتمام الجماهير بشكل كبير وملحوظ ، يبرز مسلسل (وتقابل حبيب) كواحد من انجح مسلسلات رمضان

حيث حقق نجاحا جماهيريا كبيرا بفضل الحبكة الدرامية المتماسكة للمؤلف (عمرو محمود ياسين)، والأداء المتميز لنخبة من الممثلين، وعلى رأسهم (ياسمين عبد العزيز وانوشكا وصلاح عبد الله)، لقد اضافوا بعدا خاصا للشخصيات.

هذا النجاح دفعني الى التأمل في تطور الصراع الدرامي عبر الزمن، مما قادني إلى مقارنة مسلسل (ونقابل حبيب) بفيلم (رد قلبي) رغم اختلاف الوسيط الفني والحقبة الزمنية.

قد يبدو للبعض أن مقارنة عمل كلاسيكي  بمسلسل حديث أمر غير منطقي، إلا أن جوهر الصراع في العملين يكشف عن نقاط تشابه جوهرية تتعلق بالثروة، السلطة، والعلاقات بين الطبقات الاجتماعية.

تظل الدراما، سواء في السينما أو التلفزيون، انعكاسًا للتحولات الاجتماعية والفكرية في المجتمع، فالصراعات التي تقدمها ليست مجرد أحداث خيالية، بل هي تجسيد لصراعات حقيقية بين الحب، المال، المكانة الاجتماعية، والطموح.

يعد فيلم (رد قلبي) ومسلسل (وتقابل حبيب) نموذجين لصراع الحب في مواجهة العوائق الطبقية والمالية

نموذجين لصراع الحب

في هذا السياق، يعد فيلم (رد قلبي) ومسلسل (وتقابل حبيب) نموذجين لصراع الحب في مواجهة العوائق الطبقية والمالية، لكن كل منهما يعكس هذا الصراع بأسلوب وزاوية مختلفة تتناسب مع مرحلته الزمنية.

إنجي وعلي: الحب في مواجهة الطبقة

في فيلم (رد قلبي)، الصراع الطبقي هو المحور الأساسي. تنتمي (إنجي) إلى طبقة أرستقراطية مرفهة، بينما يأتي (علي) من بيئة متواضعة كابن جنايني.. رفض أسرة (إنجي) لحبهما لم يكن نابعًا من اختلاف القلوب، بل من اختلاف الطبقات، حيث يُنظر إلى (علي) باعتباره غير لائق اجتماعيًا.

هذا الرفض يعكس واقع مصر قبل ثورة 1952، حيث كانت الطبقية صارمة، ولم يكن بإمكان الفقراء تجاوز الحدود المفروضة عليهم.

ليل وفارس: الحب في مواجهة الثروة

أما في (وتقابل حبيب)، فإن التفاوت الاجتماعي لم يعد حاجزًا كما كان في الماضي، لكنه تطور إلى شكل أكثر تعقيدًا، حيث أصبحت الثروة – بغض النظر عن مصدرها – هي المعيار الحاسم للقبول أو الرفض.

(ليل) ليست من طبقة فقيرة، فجَدُّها قاضٍ وله مكانته الاجتماعية، لكن عائلة (فارس) لا تقبلها لأنها لا تمثل استثمارًا ماليًا مربحًا، مما يعكس تحول القيم المجتمعية نحو تقديس المال بدلًا من الانتماء الطبقي.

إنجي وعلي: التمرد والثورة كوسيلة للانتصار

في (رد قلبي)، تحاول (إنجي) التمرد على قيود مجتمعها لكنها تجد نفسها مجبرة على الخضوع لضغوط عائلتها، في المقابل، يخوض (علي) رحلة صعود اجتماعي من شاب فقير إلى ضابط، ليعود ويثبت أن الحب يمكن أن ينتصر عندما تتغير الظروف.

هنا، يأتي الانتصار من خلال الثورة التي تسقط النظام الطبقي، مما يعكس رؤية السينما في تلك الحقبة حول العلاقة بين الحب والتغيير السياسي.

ليل وفارس: الصراع بين المبادئ والطموح

أما في (وتقابل حبيب)، فإن الصراع لا يعتمد على تحول اجتماعي شامل، بل على قرارات فردية تعكس الضغوط المادية.. (فارس) يجد نفسه ممزقًا بين حبه لـ (ليل) ومتطلبات عائلته التي ترى الزواج وسيلة لتعزيز نفوذها المالي، أما (ليل)، فترفض أن تكون مجرد أداة في لعبة المصالح، وتسعى لإثبات ذاتها بعيدًا عن سلطة المال.

إنجي وعلي: من الخضوع إلى الانتصار

يتحول (علي) من شاب فقير إلى شخص يفرض وجوده بقوة، بينما تتأرجح (إنجي) بين التمرد والخضوع حتى تصل إلى لحظة الانتصار.. المجتمع نفسه هو الذي يساعد في إعادة التوازن بينهما بعد تغير الظروف الطبقية.

على عكس (رد قلبي)، لا توجد ثورة اجتماعية في (ونقابل حبيب)،

السعي خلف الحب الحقيقي

ليل وفارس: بين القيود والتمرد

على عكس (رد قلبي)، لا توجد ثورة اجتماعية في (ونقابل حبيب)، لكن الشخصيات تحاول خلق ثورتها الخاصة.. (فارس) يدرك تدريجيًا أن عائلته لا تهتم إلا بمصلحتها المالية، لكنه يبقى عالقًا بين الولاء للعائلة والسعي خلف الحب الحقيقي، أما (ليل)، فتخوض صراعًا ضد نظرة المجتمع لها، وتحاول بناء هويتها المستقلة بعيدًا عن دور الضحية.

إنجي وعلي: انتصار الحب عبر الثورة

في (رد قلبي)، ينتصر الحب في النهاية بفضل التحولات الاجتماعية والسياسية، حيث تتحطم الطبقية أمام الثورة، مما يجعل القصة قصة حب متجذرة في التغيير المجتمعي.

ليل وفارس: سقوط المال المشبوه وانتصار الحب

أما في (ونقابل حبيب)، فإن المال القائم على النفوذ الفاسد قد يمنح القوة مؤقتًا، لكنه يؤدي في النهاية إلى السقوط.. أفراد العائلة الذين جعلوا المال معيارًا للعلاقات يواجهون مصائر مأساوية، فيما ينجو من راهنوا على الحب.

الخاتمة: الحب كضحية في لعبة المال، لكنه في النهاية ينتصر

في (رد قلبي)، يُطرح الصراع الطبقي كمشكلة يمكن حلها عبر التغيير السياسي، بينما في (ونقابل حبيب)، يتحول المال إلى سلاح يُستخدم ضد العلاقات العاطفية، مما يعكس رؤية أكثر تعقيدًا للواقع المعاصر.

ورغم اختلاف الطرح، يظل كلا العملين تأكيدًا على أن الحب، رغم كونه ضحية لصراعات المجتمع، يظل حاضرًا ومستعدًا للانتصار عند أول فرصة سانحة.

* رئيس الشعبة العامة للاذاعيين العرب – رئيس الشبكة الثقافية بالإذاعة المصرية الاسبق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.