رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أميرة السمني تكتب: على اسم مصر: مصر في أشعار (صلاح جاهين)

أميرة السمني تكتب: على اسم مصر: مصر في أشعار (صلاح جاهين)
كجموع المصريين آمن بالثورة واعتنق مبادئها وعبر عن إيمانه بها بكتابة الشعر،

بقلم: أميرة السمني *

حددت وزارة الثقافة المصرية يوم 19 فبراير الماضي للاحتفاء بـ (عمنا صلاح جاهين)، في إطار مبادرتها لعزة الهوية المصرية برعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وقد نظم المركز القومي للترجمة، برئاسة الأستاذة الدكتورة كرمة سامي، احتفالية كبرى في محبة (عمنا صلاح جاهين).

وكان من دواعي سروري تلبية الدعوة الكريمة للمشاركة في هذه الاحتفالية مع الموسيقار الكبير (منير الوسيمي والأساتذة الكبار الدكتور مصطفى رياض والدكتورة لبنى عبد التواب والدكتورة آمال الحضري)، وجاءت مشاركتي بعرض بعنوان (على اسم مصر: مصر في أشعار ورسوم صلاح جاهين).

نشأ (صلاح جاهين) في سنوات طفولته الأولى في أحضان جده الصحفي (محمد حلمي الذي وثق ما حدث في حادثة دنشواي في مقال بعنوان (يا دافع البلاء) في جريدة اللواء عام 1906، فتشرب حب مصر منذ نعومة أظافره وعرف تاريخها ونضالها ضد الاحتلال وحلم باليوم الذي تتحرر فيه مصر ويحكمها مصري من أبنائها.

تعلم (صلاح جاهين) الكتابة والقراءة على يد والدته قبل أن يتعلم المشي، وأحب كتابة الشعر والرسم والتمثيل، حتى أنه نظم قصيدته الأولى باللغة العربية الفصحى وهو في الخامسة عشر من عمره، وذلك عندما خرج طلبة المدراس في مظاهرات ضد الإنجليز عام 1946 ينادون بالجلاء والحرية فأطلق الإنجليز الرصاص عليهم وأردوا أحدهم قتيلًا، فتألم جاهين لما حدث وكتب قصيدة مطلعها:

كفكفت دمعي.. فلم يبق سوى جلدي

ليث المراثي تعيد المجد للبلد!

وعندما قرأ (صلاح جاهين) أبيات فؤاد حداد (في سجن مبني من حجر، في سجن مبني من قلوب السجانين، قضبان بتمنع عنك النور والشجر، زي العبيد مترصصين) شعر أن الكتابة بالعامية هى وسيلة التعبير الأقرب لقلبه، والتي ستجعل أفكاره تصل إلى من يخاطبهم ويعبر عنهم.

بعدها بعام قامت ثورة يوليو 1952، وكجموع المصريين آمن بالثورة واعتنق مبادئها وعبر عن إيمانه بها بكتابة الشعر، لم يحب (صلاح جاهين) الأغنية الوطنية بشكلها القائم آنذاك، والذي كان على حد وصفه يشبه الأناشيد المدرسية مع إيقاع موسيقى عسكري.

أميرة السمني تكتب: على اسم مصر: مصر في أشعار (صلاح جاهين)
أراد أن يجعل منها أغنية ذاتية تعبر عن الوجدان والمشاعر وتصل إلى البسطاء والعمال والفلاحين

أغنية تعبر عن الوجدان

وأراد أن يجعل منها أغنية ذاتية تعبر عن الوجدان والمشاعر وتصل إلى البسطاء والعمال والفلاحين، وبالفعل نجح مع (عبدالحليم حافظ وكمال الطويل) في إبداع أغاني وطنية ذات طابع احتفالي صارت جزء من وجدان الشعب المصري مثل (بالأحضان، صورة صورة، يا أهلًا بالمعارك).

غمرت السعادة قلوب المصريين ومن بينهم (صلاح جاهين) عندما أعلن جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس عام 1956، فما أن انتهى خطاب الرئيس حتى بدأ في كتابة ديوانه (موال عشان القنال)، ومن أبياته غنى عبد المطلب أغنية (يا سايق الغليون):

يا سايق الغليون

عدّي القنال عدّي

وقبل ما تعدّي

خد مننا وادّي

ده اللي فحت بحر القنال.. جدي

وفي ذكري تأميم قناة السويس الأولى وبمناسبة انسحاب المرشدين الأجانب من إدارة القناة عام 1957 غنت (أم كلثوم) من كلماته أغنية (فرحة القنال):

محلاك يا مصري وأنت ع الدفة

والنصرة عاملة في القنال زفة

يا ولاد بلدنا تعالوا ع الضفة

شاوروا لهم

غنوا لهم

وقولوا لهم

ريسنا قال .. مفيش محال

راح الدخيل وابن البلد كفّى

شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس، فكتب (صلاح جاهين) الكثير من القصائد ليشحذ همم المصريين للتصدي للعدوان، ومن بينها قصيدة (حنحارب) التي لحنها سيد مكاوي، وغنيت كأغنية جماعية وصارت تتردد حتى على ألسنة تلاميذ المدارس:

حنحارب

حنحارب

كل الناس حتحارب

مش خايفين

م الجايين

بالملايين حنحارب

حنحارب

حتى النصر

تحيا مصر

تحيا مصر

أميرة السمني تكتب: على اسم مصر: مصر في أشعار (صلاح جاهين)
أغنية (والله زمان يا سلاحي) لأم كلثوم التي كانت السلام الوطني لمصر

والله زمان يا سلاحي

وكذلك أغنية (والله زمان يا سلاحي) لأم كلثوم التي كانت السلام الوطني لمصر بين عامي 1960 و1979، وأغنية (الجنة هى بلادنا وجهنم هي حدودنا) لفايدة كامل.

وتنوعت أشكال قصائده الوطنية فلم تقتصر على الطابع الحماسي فحسب، بل أضفى عليها لمسة من الرقة والعذوبة كما في كلمات أغنية أحلام (يا حمام البر سقف) المأخوذة من ديوان (موال عشان القنال).

أصابت نكسة 1967 قلوب المصريين في مقتل، ولم يحتمل (صلاح جاهين) وهو (القلب الذي يمشي على قدمين) كما يصفه الشاعر محمود درويش، صدمة كهذه فأصيب بمرض الاكتئاب وظل هذا الجرح في قلبه لا يلئتم طيلة حياته، وعبر عن مدى حسرته وألمه في قصيدة (تراب دخان) وفي قصيدة (سوناتا 7) التي نلمس بين سطورها مدى رهافة هذا القلب الصادق المثقل بحب الوطن وهمومه:

وقالوا طفوا النور حصل هجوم

طفينا كله بس للأسف

قلبى المضىء بالحب كالنجوم

لمع فى قلب الضلمة وانكشف

هدف مباشر جت له قنبلة

جاله النابالم إداله لون كئيبأسود كأنه وصمة مخجلة

أو حرق ختم معتقل رهيب

وقالوا روح لأطبة السوفييت

حضن الصديق علاج لكل داء

فى موسكو خدنى فى حضنه كل بيت

مافضلش غير خطوة على الشفاء

يا أصدقاء آسف لكين محال

ماليش دوا غير طرد الاحتلال

وفي أعقاب النكسة كتب (صلاح جاهين) رائعته الخالدة (على اسم مصر) التي لو لم يكتب غيرها لكفته كما قال والد الشعراء فؤاد حداد، وفيها يذكر شعب مصر بتاريخه العظيم ويروي حكايات تاريخ مصر وأبطال نضالها ورموزها، فيكتب عن الجبرتي والرافعي ومصطفى كامل ومحمد فريد وعرابي والطهطاوي وسعد زغلول.

أميرة السمني تكتب: على اسم مصر: مصر في أشعار (صلاح جاهين)
يبشرنا أن مصر ستطوي هذه الصفحة وتطرد إسرائيل

مصر تطرد إسرائيل

ويبشرنا أن مصر ستطوي هذه الصفحة وتطرد إسرائيل وتستعيد كرامتها:

ضحك التاريخ ضحكته المشهور بها واندار

ودخل مناقشة مع الجغرافيا عما صار

هل نعترف بالبيان اللي أذيع العصر

أم ننتظر مصر تطرد إسرائيل بالقسر

وساعتها تحصل بكل جدارة يوم النصر

على اسم مصر  

……………………………………….

على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء

أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء

بحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب

وبحبها وهي مرمية جريحة حرب

بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء

واكرهها والعن أبوها بعشق زي الداء

واسيبها واطفش في درب وتبقى هي في درب

وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب

والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب

على اسم مصر

مرت سنوات حرب الاستنزاف ثقيلة وحزينة على مصر، وخاصة سنة 1970 التي شهدت أحداث جسام، كان أولها في فبراير عندما قصفت طائرات إسرائيل مصنع (أبو زعبل) وقتلت 80 عاملًا، فنشر جاهين قصيدة (عناوين جرانين المستقبل) في مربعه بجريدة الأهرام، وفيها تنبأ بقرب العبور والنصر:

احنا العمال اللى انقتلوا

قدام المصنع فى ابو زعبل

بنغنى للدنيا ونتلو

عناوين جرانين المستقبل:

وحدة صف الأحرار

جبهة لكل الثوار

عبور الجيش لسينا

الزحف من الأغوار

جيش العدوان يتقهقر

الأرض قايدة نار

والبحر قايد نار

الاستعمار أثبت فشله

البيت الأبيض لا يخجل

إحنا العمال اللى انقتلوا

قدام المصنع فى أبو زعبل

بنغنى للدنيا ونتلو

عناوين جرانين المستقبل:

محكمة للمجرمين

قائمة بالمتهمين

إدانة مستر نيكسون

بقتل الاسطى ياسين

القاتل استعمارى

القتلى وطنيين

عمال مدنيين

نصارى ومسلمين

مرتكبو المذبحة يعتقلوا

الحكم عى المتهم الأول

احنا العمال اللى انقتلوا

قدام المصنع فى ابو زعبل

بنغنى للدنيا ونتلو

عناوين جرانين المستقبل:

الجو غدا يتحسن

معرض لزهور السوسن

الخطة الخمسية تنفذ

مهرجانات النصر غدا

تصفية الصهيونية

دولة فلسطين .. تعلن

دستور وقوانين .. تعلن

حرية الدين .. تعلن

قوس تذكارى جارى عمله

طالين منه احنا وح نفضل

احنا العمال اللى انقتلوا

قدام المصنع فى ابو زعبل

بنغنى للدنيا ونتلو

عناوين
جرانين
المستقبل

أميرة السمني تكتب: على اسم مصر: مصر في أشعار (صلاح جاهين)
كتب (صلاح جاهين) بدموعه قصيدة (الدرس انتهى لموا الكراريس)

مدرسة بحر البقر

وفي أبريل 1970 قصفت إسرائيل مدرسة بحر البقر الابتدائية بالشرقية بطائرات الفانتوم الأمريكية وقتلت 30 طفلًا في مجزرة مروعة أدمت قلوب المصريين ولكنها لم تنجح في إخافتهم وإطفاء جذوة المقاومة المشتعلة.

فكتب (صلاح جاهين) بدموعه قصيدة (الدرس انتهى لموا الكراريس) ثم لحنها سيد مكاوي وشدت بها (شادية) لتكون صرخة قوى مصر الناعمة في وجه ضمير العالم متبلد الحس:

الدرس انتهى لموا الكراريس

بالدم اللى على ورقهم سال

فى قصر الأمم المتحدة

مسابقة لرسوم الأطفال

ايه رأيك فى البقع الحمرا

يا ضمير العالم يا عزيزى

دى لطفـلة مصرية وسمرا

كانت من أشطر تلاميذى

دمها راسم زهرة

راسم راية ثورة

راسم وجه مؤامرة

راسم خلق جبابرة

راسم نار

راسم عار

ع الصهيونية والاستعمار

والدنيا اللى عليهم صابرة

وساكته على فعل الأباليس

الدرس انتهى

لموا الكراريس ..

ايه رأى رجال الفكر الحر

فى الفكرادى المنقوشة بالدم

من طفل فقير مولود فى المر

لكن كان حلو ضحوك الفـم

دم الطفل الفلاح

راسم شمس الصباح

راسم شجرة تفاح

فى جناين الاصلاح

راسم تمساح

بألف جناح

فى دنيا مليانة بالأشباح

لكنـها قلـبها مرتاح

وساكتة على فعل الأباليس

الدرس انتهى

لموا الكراريس …

ايه رأيك يا شعب يا عربى

ايه رأيك يا شعب الأحرار

دم الأطـفال جايلك يحبى

يقول انتقموا من الأشرار

ويسيل ع الأوراق

يتهجى الأسماء

ويطالب الآباء

بالثأر للأبناء

ويرسم سيف

يهد الزـف

ويلمع لمعة شمس الصيف

فى دنيا فيها النور بقى طيف

وساكتة على فعل الأباليس

الدرس انتهى لموا الكراريس

أميرة السمني تكتب: على اسم مصر: مصر في أشعار (صلاح جاهين)
رثاه (صلاح جاهين) بقصائد عديدة ومنها قصيدته الرائعة (أنغام سبتمبرية)

جمال عبد الناصر

لم تكتفي سنة 1970 من دموع المصريين فأبت أن تودعهم قبل أن يودعوا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ورثاه (صلاح جاهين) بقصائد عديدة ومنها قصيدته الرائعة (أنغام سبتمبرية)، التي تلقيها سعاد حسني بصوت أقرب للنحيب فلا تملك وأنت تستمع إليها إلا أن تشاركها البكاء.

بعد ثلاث سنوات تحققت نبوءة (عناوين الجرانين) وعبر الجيش لسيناء وتقهقر جيش العدوان، وجاءت لحظة نصر 1973 فوجدت جاهين حاضرًا يدون النصر في قصيدتين، الأولى قصيدة (أكتوبر):

وحياة عيون مصر اللى نهواها

وأكتوبر اللى كما النشور جاها

بلاش نعيد في ذنوب عملناها

وحياة ليالى سود صبرناها

واتبددت بالشمس وضحاها

نكبح جماح الغرور، مع أنه

مـن حقنا، ونحمى النفوس منه

ولو العبور سألونا يوم عنه

نقول: مجرد خطوة خدناها

أما القصيدة الثانية فتحمل عنوان (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، وهو الشعار الذي رفعه عبد الناصر، وقد لحن هذه القصيدة وغناها سيد مكاوي، وغنتها أيضًا سعاد حسني.

صدقت بقى يا ابني انت وهو إن العبارة ماشية كدهو

وإن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة

نفوق بقى والنبي ونصحصح

ونفهم الدرس ونتنصح

إن كان عدوك شضلي بيبطح

لازم تكون قبضاي وفتوة

مفيش بلد صانت كرامتها إلا بتضحية من أمتها

ولا أرض أصبح لها حرمتها

إلا اللي شعبها عنده مُروة

وهكذا كان (صلاح جاهين) حاضرًا دائمًا في كل اللحظات العصيبة التي مرت بها مصر، في الكرب والفرح، في النكسة والنصر، في الثورة والانكسار، يؤرخ بأشعاره ورسومه ما تمر به مصر من أحداث عظام، ويعبر بصدق عن مشاعر ووجدان الشعب المصري، ويبشر بحب مصر ونصرها حتى في أحلك اللحظات.

الحديث عن مصر في أعمال (صلاح جاهين) لا ينتهي، تحدثنا اليوم عن أشعاره، وربما يتسع المجال إلى الحديث عن مصر في رسومه في مقال آخر بإذن الله.

* أميرة السمني، كاتبة محتوى وباحثة دكتوراه في اللغويات بجامعة عين شمس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.