(انتصار).. مثلت، فأبدعت، فتوهجت، وأصبحت ممثلة عالمية بشهادة 120 مليون مصري

كتب: أحمد السماحي
صفق الجمهور المصري طوال شهر رمضان ـ وحتى الآن ـ للفنانة شديدة الموهبة (انتصار) التى مثلت، فأبدعت، فتوهجت من خلال أدوارها الثلاثة التى قامت بتجسيدها طوال الشهر الكريم.
في أي مكان تذهب إليه، في الشارع، في المواصلات العامة، في المقاهي الشعبية، في النوادي، في محلات الملابس، ونحن نشتري ملابس العيد، لا حديث للناس إلا على (انتصار) وأدوارها التى قدمتها في رمضان.
وهذه الأدوار هى (80 باكو) و(إش إش) و(قهوة المحطة) فضلا عن ظهورها الخفيف والقصير جدا في الجزء الثاني من (أشغال شقة جدا).
كانت الأدوار الثلاثة فرصة ذهبية لتفجر (انتصار) موهبتها المدهشة، ولتأكد من خلالها على موهبتها التمثيلية، وقدرتها على أداء كافة الأدوار مهما كانت هذه الأدوار بعيدة عن طبيعتها، وبعيدة عن الأدوار التى حققت شهرتها.
وقدمت (انتصار) من خلال أدوارها الثلاثة برهانا جديدا على قوتها التمثيلية التى تهب كالطوفان وتخترق الكل.

(إخلاص كابوريا) في (إش إش)
في مسلسل (إش إش) تأليف وإخراج محمد سامي، جسدت (انتصار) دور الراقصة القديمة (إخلاص كابوريا) التى كانت راقصة شهيرة يوما ما و تمتلك (ملهى ليلي)، ورغم شهامتها وجدعنتها كان قلبها نقطة ضعفها.
فأحبت، وتزوجت رجل نصاب، نصب عليها وأخذ منها (الملهى)، ولم يكتف بهذا الظلم، ولكنه سجنها، هو وشقيقه، و(شادية) اللبيسة الخاصة بها.
وبعد سنوات من السجن خرجت (إخلاص كابوريا) محطمة، منهوكة القوى، منكسرة، سرقت فلوسها، ولا تملك أي شيئ، وما زاد من كآبة الحياة لها موت ابنتها التى تركتها لزوجها ـ (لحم أحمر) ـ وهي في السجن.
فى دور (إخلاص كابوريا) ظهرت (انتصار) طوال الحلقات بملابس أقل من بسيطة، وبدون مكياج، وبتسريحة شعر عادية جدا، وبدت لنا كبنت البلد الجميلة التى تتحمل ظلم الأقدار لها، وظلم الرجل الذي أحبته، ووقفت إلى جانبه.
ونجحت (انتصار) في الإرتقاء بدورها بأدائها الواثق الذي يقف على أرض صلبة من الخبرة والموهبة، وأكسبت شخصية (إخلاص كابوريا) ثقلا، ومنحتها روحا وحضورا، خفف كثيرا من خلل الإيقاع.
وثرثرة السيناريو الذي راح يتلكأ عند كل شخصية من الشخصيات الكثيرة التى حشدها فأثقلت كاهل المسلسل.

(مدام لولا) في 80 باكو
في مسلسل (80 باكو) تأليف غادة عبدالعال، وإخراج كوثر يونس، تركت (انتصار) نفسها لمخرجة شابة يملأها الحماس والرغبة بإثبات النفس وتقديم رؤية درامية محتلفة.
وأستطاعت (انتصار) من خلال دور (مدام لولا) أن تعطي الأجواء حياة ونبضا وحساسية، فهي هنا صاحبة صالون تجميل للسيدات والبنات الشعبيات، لكنها لا تتعامل مع البنات اللواتي يشتغلن معها على أنهن يعملن عندها.
ولكنها تتعامل معهن كأم، وأخت، ترشدهن، وتوجههن، ولا تقتسم منهن أموالهن التى يأخذونها من الزبائن (كبقشيش)، ولكنها تتركها لهن.
وعندما سرقتها واحدة منهن وهى (عبير/ رحمة أحمد) لم تطردها من الصالون، ولكنها أعطتها درسا في الحياة، لأنها تعلم أنها مسكينة وغلبانة!
وعندما سافرت لأداء (العمرة) طلبت منها (بوسي/ هدى المفتى) مفرش للسفرة، فقالت لها بكل جدعنة (سيبني وأنا أجهز لك، واشترى ما يناسبك).
فالمسلسل ككل كان بسيطا وصادقا، نظرا لأهتمام مخرجته (كوثر يونس) بالتفاصيل الدقيقة جدا، فملابس الممثلات كانت بالفعل ملابس هذه البنات، لدرجة أننا لم نشعر أننا نشاهد عملا دراميا.
ولكننا نشاهد محل الكوافير الموجود في شارع من شوارع مصر الشعبية، ونظرا لأن الفن الصادق يعتمد على هذه التفاصيل الصغيرة، لهذا حقق (80 باكو) كل هذا النجاح.
ورسم المسلسل شخصية المرأة بكل عواطفها وتعقيداتها وغيرتها وعشقها المجنون، وكانت (انتصار) هي أيقونة المسلسل بحزنها النبيل، وانكساراتها وضعفها، وقلة حيلتها، وقوتها، وعنفوانها، وشهامتها، وعطائها.
ولن ننسى لها مشاهدها الدافئة وهى تحكى لـ (بوسي) قصتها العاطفية والحياتية، أو مشاهدها عندما زارت (عاصم/ محمد لطفي) الرجل الوحيد الذي (طبطب) عليها ولملم جروحها، عندما كان مريضا.
أومشاهدها مع شقيقتها الطماعة المستغلة (ميمي/ زينة منصور)، التى تعتبرها البنك الخاص بها، تأخذ منها وقت ما تشاء، دون أن ترد هذه الفلوس.

(ألفت) في (قهوة المحطة)
كما لمعت (انتصار) بقوة من خلال مسلسل (قهوة المحطة) تأليف المبدع عبدالرحيم كمال، إخراج المتميز إسلام خيري، في هذا العمل لعبت دور (ألفت) الصعيدية، زوجة المعلم (رياض) صاحب القهوة التى تقع فيها جريمة قتل الشاب الحالم (مؤمن الصاوي).
ومن خلال الحلقات جسدت (انتصار) دور زوجة مهمومة لمرض زوجها بالسرطان في مراحله المتأخرة، وأم مجروحة من ابنها (هاني) الذي حملته في أحشائها، نظرا لإدمانه المخدرات.
فالولد يتعامل معها ومع والده بقسوة وجحود، لدرجة أنه يثور عليها، وعلى والده، ويسرق جزء من مصاغها.
هنا دور ميلودرامي لعبت فيه (انتصار) دور الصعيدية لأول مرة بنوتات موسيقية خافتة على سلم العواطف، وجددت من نفسها ووضعت موهبتها في إطار لم تجربه من قبل.
وكانت مشاهدها مع (طارق/ يوسف عثمان) ابنها بالتبني، ومشاهد مع زوجها (المعلم رياض/ بيومي فؤاد)، ومشاهدها مع ابنها (هاني) درس في التمثيل.
واضافت (انتصار) بموهبتها المتفجرة، وملابسها السوداء أو الملونة المحتشمة، (وبنس الشعر) في رأسها، سهم جديد إلى سهامها الذهبية.

أشغالة شقة جدا
في الجزء الثاني من مسلسل (أشغال شقة جدا) لجأ إليها صناعه، بعد النجاح المدوي الذي حققته من خلال ظهورها القصير جدا، والخفيف في الجزء الأول وتجسيدها الرائع لدور الشغالة الثرثارة (أم صابرين).
هذا الدور (الكراكتر) أضافت (انتصار) عليه الكثير مما جعلها لا تبعد عن ذاكرة المتفرج رغم اختفاءها السريع، لقد نجحت في أن تكون الحاضرة الغائبة.
وأن تؤكد وجودها باختفائها كما أكدته بحضورها وهو أمر تعجز عنه كثير من الممثلات ونجحت (انتصار) في تحقيقه بيسر وبساطة وأستاذية حقه.
في النهاية نوجه تحية حب وتقدير لممثلة عبقرية الموهبة، لا يهمها جمالها، ولا مساحة الدور، ولا وضع اسمها على الأفيش، ولا صنع (ترندات) حول نفسها.
فهي طول الوقت في مرحلة تحدي مع نفسها وليس مع الآخرين، لأنها ممثلة عشقت مهنتها فأمتعتنا من خلالها.