

بقلم الكاتب والناقد: عمرو زويتة
في حلقة الأمس قلنا في بداية تحليلنا لمسلسل (معاوية): أخيرا بعد عقود من الزمن يظهرعمل كهذا بعد أن استقر علماء أهل السنة والجماعة فى منطقتنا العربية على تحريم ظهور الصحابة فى أى عمل درامى مرئى أو مسموع أو محسوس.
وللأسف بدأ هذا التحريم من مصر من خلال مؤسسة الأزهر، التى تخطت دورها بكونها مؤسسة علمية معنية بدراسة العلوم الشرعية بغرض تقديم فهم دينى أقرب الى روح مقاصد الخطاب القرآنى وكيفية التعاطى العلمى الخلاق مع الإرث الدينى فى تنوعه وإختلافه وتباينه.
وتوقفنا في التحليل لمسلسل (معاوية) عند: وصلت لحد الإعتداء على بيت مال البصره من قبل جيش طلحه والزبير وقتل حراسه وخطف عامله عثمان بن حنيف وتعذيبه ونتف لحيته،
وبالتالى ظهور (طلحة، والزبير، وعائشة) لم يتم استثمار وجودهم بشكل فاعل مع أنهم كطرف أول من فتحوا (هاويس الدم)، وظهروا (طلحة والزبير) من حيث الشكل وكأنهم متسولين.
والخلاصة قتل الاثنين (طلحة والزبير) فى موقعة الجمل!، وكان أمام الورق فرص هائله فى بيان دوافع أطراف الصراع المحركة للأحداث وبالتالى إستنطاق الشخصيات من خلال رؤية فنية تكافئ جلل المحنة وبداية مسار الدم، إن كنا جادين فى المعرفة بحق، لكن للأمانة شكلنا لسه بنهزر..

شخصية (علي بن أبى طالب)
واليوم نستكمل ملا حظتنا على مسلسل (معاوية) ونقول: الأكثر غرابة هى شخصية (علي بن أبى طالب) الذى جسده (إياد نصار)، لأنه الطرف الآخر من الصراع مع (معاوية) وأخذ وقت طويل من حيث الكتابة والظهور، بمعنى كان لديه الوقت فى رسم الشخصية بشكل كافي.
وهوشخص يعيش دراما منذ ولادته حتى مقتله من (ابن ملجم)، بمعنى أن شخصية (على بن أبى طالب) مكسب فنى من حيث المخزون الدرامى فيها كما وكيفا.
فهل شعرنا بالصراع الهائل بداخله بين الإنتصار للحق والرغبة والتمسك بأحقيتة بالخلافة وبين الثمن الفادح الذى ستدفعة الأمة الإسلامية من إسالة الدماء التى راح ضحيتها عشرات الألاف من أرواح المسلمين وخيرة جيوشها،
فهل شاهدنا ذلك على مستوى الكتابة أو الآداء التمثيلى؟
ظهرت الشخصية كما ظهرت غالبية الشخصيات مسطحه ذات بعد واحد بلا معنى، ظهور أشبه باللاظهور، والأحداث والمواقف تعطيه الوقت وجاهزة للإفصاح عن نفسها لو أراد.
فهل كان العمل هدفه الاحتفاء بإعتلاء التصنيف الأول فى تقديم هذا الكم من الصحابة فى أول عمل عربى دون أن يطرح شيئا ذو قيمة، مالجديد الذى قدمه العمل؟.
أم كانت كل هذه الأسماء الكبيرة مجرد ذكرها فى العمل بمثابة فرشة درامية لـ (معاوية) البطل؟، أم داخل فيها ريحة مناكفة مع الشيعة، أم غراما وتماشيا مع نظام الحكم الوراثى بكل هيلمان الكرسى الأموي، أم كلهم جميعا؟
عموما غالبية الشخصيات تم كتابتها على نحو بائس لايعكس صورتها المستقرة لدى عموم المسلمين ليس من باب التاريخ، ولكن من باب الرؤية الفنية المتدنية للشخصيات، وبالتالى غياب رؤية فنية تفيد الغرض من وجودهم، وأظن أن الكتابة لم يكتبها شخص واحد لأن أساليب صياغة الحوار مختلفة.
(المغيرة بن شعبة) و(معاوية)، و(عمرو بن العاص)، و(زياد بن أبيه) كانوا مضرب الأمثال فى الدهاء والمكر وحسن التصرف.

المغيرة بن شعبة
(المغيرة بن شعبة) لم يظهر إلا وكان متردد ذائغ البصر خائف من شيئ ما، مع أنه كان يملك من الدهاء ورجاحة العقل مالم يتاح لغيره، قال عنه الطبري: ماوقع عليه استشكال إلا وجد له مخرجا، لكن للأسف المسلسل أبعد مايكون عن شخص المغيرة.
ولو المسلسل وقف باهتمام وروية أمام أعظم نصيحة فى التاريخ الإسلامى كله من المغيرة لعلي بعد مقتل الخليفة (عثمان) بأن يبقى على ولاة (عثمان) حتى تأتيه بيعتهم.
وبأن يولى (طلحة بن عبيد الله) على الكوفة و(الزبير بن العوام) على البصرة لأنهم طلاب خلافة وأن يبقى (معاوية) على دمشق حتى تستقر وتهدأ الأمور، ولو سمع (علي) بنصيحة المغيرة، لكنا تجنبنا أنهار الدم التى سالت فى (الجمل وصفين والنهروان)، ورفضها (علي) خوفا من الإدهان فى دينه.
وللأمانة هذا يفصح عن دوجمائية (علي) الذى قاد الأمة إلى مهالك وبحور من الدماء كان يمكن تجنبها، بل كان أمامه خيارات أخرى منها أن يرد بيعته وتعاد البيعة من جديد وأمامه فرص كبيرة لإعادة بيعته مرة أخرى وبذلك يجنب المسلمين ويلات الإقتتال بين المسلمين، وهذا هو ماأجده الأقرب إلى المنطق ولا أجزم بصحته.
ولو كنت فى مجال إختيار للبيعة سلميا لإخترت (معاوية) دون لحظة تفكير، ليس لأنه الأتقى بل لأنه رجل دولة كما ينبغى لرجال الدولة أن تكون.
وهذا ليس إدانة لعلي الخليفة بقدر المرونة فى إستيعاب ملابسات اللحظة وإختيار الأقل كلفة تجنبا لإراقة الدماء، والتعامل معهم على أنهم بشر تصيب وتخطئ، وهذا لايقلل منهم من تقديرنا وإحترامنا لهم.

شخصية (معاوية)
الذى جسده الممثل السورى (لجين إسماعيل)، الورق وقع فى كتابة متضاربة فى رسم شخصية (معاوية)، فحين جلس (معاوية) مع جاريته المفضلة (السوداء) مهموما من أخبار إنتهاكات الخوارج فى البصرة ويستنكر بحسرة وألم مافعلوه وخروجهم على سلطته وهو يتلو حديث (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
وهو ناسي أنه خرج على بيعة على ورفض عزل على له وتحجج بالقصاص من قتلة (عثمان) ودخل فى (حرب صفين) الذى راح ضحيتها سبعين ألفا من المسلمين وبينهم صحابة رسول الله، وعلى رأسهم (عمار بن ياسر) الذى قال فيه الرسول (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) وكان يحارب فى جيش (علي).
وياليته عرضه كتناقض داخل (معاوية) بصفته إنسانا، لكن التناقض فى صلب الكتابة لأن مسار الكتابة جعلت من (معاوية) ناسك متعبد هدفه هو خدمة الناس وتحسين أحوالهم وليس طمعا فى الخلافة بل ذهدا فيها.
وحتى مجرد ذكر (علي بن أبى طالب) يؤكد (معاوية) دائما فى المسلسل على إمارته وأنه ابن عمه، ويختم بالترحم عليه مع أن الشائع عن (معاوية) أنه كان لعانا لعلى، بل يطلب بلعن علي،.
وطلب مرة من (الأحنف بن قيس) بلعن علي فرد عليه أنه يوافق بشرط الصعود على المنبر وقول أن (معاوية) أمرنى بلعن علي فسكت (معاوية) كمدا من تملص (الأحنف).

جاريتة المحبوبة (السوداء)
وحتى لو كان (معاوية) بهذه الأخلاق السمحة مع (علي) فلماذا لجأ لمسار الدم وهو أشنع حلا لأى خلاف والذى يجعل من هذا الاحترام الشكلى مجرد أكذوبه، حتى وصل الخلاف بينهم لقرار السيف ليحسم الأمر بينهم أى إحترام تحدثنى عنه بعد ذلك،
وجاريتة المحبوبة (السوداء) حين دست له السم لم يقتص منها أو يعذبها بل بحث عن ابنها المخطوف حتى عثر عليه وقدمه لها وتركها ترحل فى سلام.. الورق يريد أن يقول أن (معاوية) ليس انتقامى، بل متسامح حتى مع من أرادوا قتله والتخلص منه.
وفى المسلسل هو من أمر بدس السم لمالك بن الأشتر، والتخلص منه حتى يتمكن عمرو بن العاص من مصر.
وأيضا قتل (محمد بن أبى بكر) بطريقة بشعة الأساس فيها تمكين عمرو بن العاص وبالمرة إنتقاما منه لكونه أحد من تسوروا بيت عثمان وشاركوا فى قتله.
وبعيدا عن العمل كان (معاوية) يرتاح للاغتيال وتصفية منافسينة و(الحسن بن علي) خير دليل يوضح ذلك.
وحين التقى (معاوية) بأبو أيوب الأنصارى فى المسلسل أثناء محاولة فتح القسطنطنية رحب به ترحاب يعكس مقدار احترامه وتقديره لصحابة رسول الله، وأتى بولده (يزيد) ليعرفه على مقام وقدر صاحب رسول الله، ويتلو آيه (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).
مع أن (أبو أيوب) لم يكن من المقربين قرابة علي وآل بيته من الرسول، فكيف يفعل ذلك مع (أبو أيوب) ويستبيح دم (علي) وآل بيت رسول الله فى (حرب صفين)، فهل لو تقابل (معاوية) فى الحرب وأتت له فرصة قتل (علي) أو الحسين كان حيتركهم مثلا؟
الإخراج كان متواضع، صحيح أن السيناريو والحوار أثروا على الإخراج تأثيرا بالغا، لكن المخرج يراقب أداء الممثلين وانفعالاتهم ويستطيع أن يأخذ منهم الأداء الذى يراه مناسبا، حتى بالكتابة المتواضعة للورق.
(زياد ابن أبيه) الذى جسده (راكان عبد الواحد) صحيح أنه ظهر كمحارب معدود لكنه كان صدامي وأحمق ومندفع مع أنه كان واسع الحيلة.

عمرو بن العاص
(عمرو بن العاص) الذى جسده (وائل شرف) ظهر بشخصية منكفئ على ذاته لم تظهر حيله وتجلياته حتى مع (معاوية) سوى فى موقف التحكيم مع أبو موسى الأشعرى، وكان يمكن استثماره أفضل من ذلك بكثير، لكن للأسف لم نرى من العمل أى محاولة للتعرف عن قرب لشخص (عمرو بن العاص).
(علي بن أبى طالب) الذى جسده (إياد نصار) كان الأكثر سوءا، الدور أخذ من (إياد) الكثير، ولم يضيف له بل خصم من رصيده، لم يدرس الشخصية وتفاصيلها، ولم يعثر على السكة التي سيخدل منها لأداء شخصية (علي)، ففشل فشلا ذريعا.
دور على الخليفة لإياد نصار تحدى كبير عن قدرة وموهبة إياد، لكنه أخفق ولا أحمله المسئولية فى الإخفاق وحده ،
ويسأل عن هذا المخرج فهو المسئول عن الأداء قبل الممثل، ويسأل الورق الفقير أيضا، وهذا يعكس أن التحضير رغم وقته الكثير لم يكن تحضير موفق أو مدروس بعناية.
شخصية (علي) حلم لأى مخرج أو سينارست أو ممثل للمحن والكوارث والاختبارات المأساوية التى مر بها على، والنتائج الكابوسية التى وصل اليها، فحياته كلها مشحونه بالدراما، للأسف العمل فرط فى استثمار (علي) تحت دوافع تخص صناعه، وظهوره على هذا النحو يؤكد ضحالة الطرح وفقر الخيال.
والخوف من التناول الفنى الشجاع الذى يرصد ويفند.
الآداء الجيد هو (لجين إسماعيل) فى دور (معاوية) من بداية إنفراده بالخلافة، لكن وهو طفل وصبى لم يهتم العمل به، ولم يبرزوا شخصية (معاوية)، وهو صغير، بالرغم من ظهور الخصال والمواهب منذ الصغر.
لكن المكافأة فى أداء (لجين) فى دور (معاوية) وهو يدير ويحكم، وكيف يسترضى الناس ويضمن ولائهم، وكيف يكون قواعد جماهرية تدين له بالولاء، هنا الدور ارتفع بالمستوى من حيث الكتابة ومن حيث الأداء.
ومدى كفاءته فى الإدارة وإتخاذ القرار، فكان بارع فى معرفة متى يلجأ إلى الرأى ومتى يستخدم السيف، فكان رجل دولة لايضاهيه أحدا سواه، أداء (لجين) كان أحد مكافئات العمل المستحقة.
ومن الأدوار التى قامت بأدوار شرفية وتميزت فيها كان أحمد بدير، فآداؤه يعكس موهبة كبيرة فى التجسيد، ورغم صغر حجم الدور والمشاهد القليلة الذى جسدها، لكن الدور ليس سهلا بل مركب إستطاع أن يجسد فيه عدة مشاعر مختلفة، مابين الخوف الكبير على حياة إبنه وبين اتهامه بأنه يتخابر لحساب الأعداء وبين مسايرة الخاطفين لإبنه، آداء أحمد بدير يؤكد أنه لايوجد دور كبير ودور صغير لكن هناك ممثل كبير وممثل صغير.
الآداء النسائى فى معظمه كان الأفضل وشكل إضافة ايجابية للمسلسل: الممثلة ميسون أبو أسعد فى دور أخت معاوية كانت جيدة فى حدود دورها، والممثلة أسماء جلال أيضا فى دور فاخته زوجة معاوية قدمت آداء جيد.

الأزياء والأثاث
كانت مبالغ فيها ولاتعكس الزمن الموجوده فيه، خاصة ملابس (معاوية) وأخته وزوجاته وجواريه، فالتصميمات عصرية لاتعكس زمن معاوية.
أيضا كان مستفز من حيث عدم محاكاته للزمن من ستائر وأسرة ومخدات ومقاعد ومكاتب وخيم وسجاجيد، وواضح من نوعية القماش أنها صناعة حديثة،

المبانى
أيضا كانت غير مناسبة للعمل من الناحية التاريخية من حيث تصميمها وطلاء جدرانها الحديث.

المعارك والمجاميع
لم يكن تصميمها أحسن حاجة، خاصة فى ظل إنتاج لم يبخل على العمل ودفع بسخاء، لايوجد جديد فى المعارك وكلها تقطيعات مستلهمة من أفلام عالمية، لكن على نحو محلى تم تنفيذه بشكل مقبول، أما المبارزات الثنائية كانت موفقة ومدروسة.
أيضا كان تحريك المجاميع فى بعض الأوقات خاصة فى المعارك انتابه بعض من الاضطراب والخلل المسموح به الذى لايصل الى الفوضى،

التصوير
كان جيدا واستعانوا فيه بفريق أجنبى رفع من قيمة الصورة وقيمة العمل، مع أنهم توسعوا فى الجرافيك كثيرا، وفى معركة ذات الصوارى على سبيل المثال تم تصميم يضاهى أسطول اجمانون فى فيلم طرواده وبنفس الزوايا الواسعة، لإستعراض ضخامة الأسطول.
وللأمانة كان فيه مبالغة كبيرة لعمل لم يكن محتاجا لكل هذا العدد من السفن، وفوق قدرات أسطول المسلمين وقتها، مش عشان جرافيك يعنى ببلاش نكتر منه، لدرجة أنى شعرت وكأنه استعراض أسطول السنة فى مواجهة إسطول الشيعة.
لكن التصوير كان متنوع فى بيئات مختلفة ومعارك فى الأرض ومعارك فى البحر ونجح فى مهمتة وكان إضافة للعمل.

الموسيقى
كانت أيضا من إيجابيات العمل وساهمت موسيقى (إياد الريماوي) إيجابيا فى حدود وظيفتها، برغم مفاجئة المسلسل بنهايته فى الحلقة 21 لأن مسلسل معاوية لديه من الأحداث مايستوفى 30 حلقة وزيادة، ونهايته بهذا الشكل غير المألوفة سواء 15 أو 30 يؤكد أن العمل كان مليئ بالمشاكل وأن إدارته كانت منقسمة على نفسها والكراسى طايره فى الهوا مهما أجتهدوا فى التكتم والإخفاء،
أخيرا العمل يستحق المشاهدة ويستحق قراءته وتأويله بطرق مختلفة، الشيئ الجيد الذى يستحق الشكر حقا هو الإنتاج الذى دخل فى منطقة محفوفة بالمخاطر، وخاطر وصرف ببذخ ولم يبخل – فأصبح له سبق الدخول بعد مسلسل (عمر) قبل سنوات – حتى لو العائد والمردود قليل، ويحسب له أنه ساهم في تمهيد الطريق.