
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
قرر المخرج (محمد سامي) اعتزال إخراج (الدراما) وفرح جمهور المشاهدين المصريين، وتبادل الناس الهدايا وكسروا عشرات القلل القناوي خلفه حتى لا يعود مجددا، وزاد البعض في طمعه فطالبوه بأن يقنع زوجته مي عمر بالاعتزال هى الأخرى حتى (ينضف) الوسط الفني.
ثم ذهب الجميع إلى أسرّهم ليناموا قريري العيون بما حققوه، دون أن يسأل واحد منهم فقط نفسه سؤال بسيط.. هل كانت مشكلة (الدراما) المصرية طوال السنوات الماضية هى (محمد سامي)؟!، هل كان الرجل بهذا التأثير وهذه القوة ليتمكن بمفرده من إفساد الذوق المصري العام طوال سنوات؟!
وحتى إذا افترضنا جدلا أنه يملك هذا التأثير العميق الذي لم يمتلكه مخرج من جيل العمالقة وآخرهم يوسف شاهين لتوجيه المشاهدين واللعب في ذائقتهم الدرامية، وهو افتراض مستبعد تماما بكل المقاييس المنطقية، فأين هى الجهات المسؤولة في الدولة التي كانت تشاهده وهو يفعل بالأخلاق والذوق العام الأفاعيل دون أن تحرك ساكنا؟!
الأسبوع الماضي كتبت مقالا أحذر فيه من أن انتفاضة رعاة الفشل وصنّاعه لتلبية رغبة الرئيس في إصلاح حال (الدراما)، يعني أن الخطوة وئدت قبل حتى أن تولد، لأن من كانوا مساهمين كبار في انحدار الذوق العام لن يتحولوا بين ليلة وضحاها ليصبحوا مصلحين لها.
وحدث ما توقعته بالضبط تقريبا، حيث أرسل لي صديق عزيز ردا من جهة ما، مفاده أن (الدراما) التي قصدها الرئيس في كلمته من إنتاج شركات غير مصرية وتعرض على قنوات غير مصرية مثل مسلسل (العتاولة 2، وسيد الناس)، وهما من إنتاج شركة الصباح، و(إش إش) إنتاج المنتج السعودي حسن عسيري، وكذلك (شهادة معاملة أطفال) وبرنامج (رامز إيلون مصر) برعاية هيئة الترفيه السعودية.
وخلال الأيام الماضية اندلعت بالفعل معارك (التلقيح) على جانبي البحر الأحمر، كل طرف يريد تحميل المسؤولية الكاملة للطرف الآخر، وكأن المشكلة فيمن أنتج (الدراما)، وليست فيمن سمح بالعرض وخان الأمانة التي اضطلع بها على المشاهدين المصريين.

آفات البلطجة والإسفاف
وفي غمرة حماس العديد من الجهات العليا لتشكيل لجان وتسمية خبراء لتنقية (الدراما) المصرية، من آفات البلطجة والإسفاف والهزل والإساءة لشعب كامل، في عملية تشبه تنقية لطع دود القطن، مع فارق جوهري أن الأخير كان يقوم بتنقيته فلاحون وفلاحات تحت إشراف صارم من نظار الزراعة.
أما في (الدراما) فإن الدود نفسه الذي ينخر فيها منذ سنوات، هو من يتصدر حاليا لتنقية نفسه، أو هذا ما يريدنا أن نقتنع به وفي سبيل ذلك يرمى أمامنا بعض الآفات الصغيرة مثل مخرج متخصص في الأعمال المسيئة، أو ممثل أدمن تقديم دراما دون المستوى.
كذلك حمل رد الجهة إياها حفنة أسئلة أعيد طرحها وأضع أمامها علامات استفهام إضافية من عندي لعل أحدا يجيب عليها من المسؤولين، أو من الجهات التي تتسابق على تنفيذ رغبات الرئيس.
هل الأعمال الدرامية التي تنتجها أي شركة أو هيئة غير مصرية، وتعرض على قناة (إم بي سي مصر) التي تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي، ويطبق عليها ما يطبق على القنوات المصرية، أو هكذا يفترض أن تكون، يتم مراجعتها رقابيا قبل وبعد التصوير كما يحدث مع الأعمال المصرية؟!
لماذا لم يصدر المجلس الأعلى للإعلام أي ملاحظات على محتوى برنامج (رامز إيلون مصر) الذي عرض مضامين عديدة تخالف الأكواد الإعلامية، كما يفعل مع باقي القنوات المصرية، خصوصا أنه يعرض على قناة مصنفة مصرية؟!

(طارق نور) والمؤثرين
مع إعلان الشركة المتحدة تشكيل لجنة من الخبراء لتطوير الإعلام و(الدراما)، فهل سيقوم السيد (طارق نور)، بمراجعة البرامج التي تعاقدت عليها الشركة مع عدد من المؤثرين على السوشيال ميديا، ممن يقدمون مضامين لا تليق بشركة كبيرة ورائدة؟!
ما الذي يمنع الشركة المتحدة أو غيرها من شركات الإنتاج المصرية، من إنتاج أعمال (جادة)؟!
وما هى معايير اختيار سيناريوهات الأعمال التي تنتجها أي شركة؟، وهل إنتاج أعمال جادة لا يتماشى مع أفكار الأستاذ (طارق نور)، من حيث التركيز على الترفيه بكل أنواعه باعتبار أنه من يجذب الرعاة والمعلنين؟!
وأضيف إلى تلك الأسئلة مجموعة جديدة من عندي، أين كانت (الشركة المتحدة) وكل المنتجين طوال السنوات الماضية؟!، وإذا كان الكل حاليا يتسابق في إدانة المحتوى الدرامي الذي يقدم، فمن الذي ينتجه؟!
ومن الذي سمح للأعمال المفسدة بالعرض على الشاشات المصرية في ذروة أوقات المشاهدة، طوال السنوات الماضية؟!، وهل انتبه الجميع للمشكلة فجأة لمجرد أن الرئيس ذكرها؟!، وكيف يمكن لنا أن نثق في مسؤولين لا تستيقظ ضمائرهم إلا على صوت رئيس الجمهورية فقط؟!