رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب: كيف ننهض بـ (الدراما) والإعلام المصري؟

كانت مصر الرائدة وصاحبة السبق في صناعة الدراما والإعلام منذ نشأة الإذاعة والتلفزيون

بقلم الإعلامي: شريف عبد الوهاب

الإعلام و(الدراما) ليسا مجرد أدوات للترفيه أو نقل الأخبار، بل هما نافذة الشعوب إلى الوعي والمعرفة، وهما القوة الناعمة التي تصيغ صورة الأمة في الداخل والخارج. لم تكن مصر يومًا مجرد بلدٍ عابرٍ في المشهد الإعلامي العربي، بل كانت الرائدة وصاحبة السبق في صناعة الدراما والإعلام منذ نشأة الإذاعة والتلفزيون. لكنها اليوم تعاني من أزمة حقيقية، تتجلى في تراجع المستوى الفكري والفني، وتغليب الإثارة على القيمة، والشكل على المضمون.

الإذاعية اللبنانية (وداد حجاج) أرسلت صرخة تعبّر فيها عن استغرابها مما آل إليه الإعلام المصري، قائلة:

(كيف تحوّل الإعلام المصري من منصة تنويرية تصدّر للعالم رموز الفكر والفن والثقافة، إلى مساحة يملؤها الضجيج والصخب والتفاهة؟ كيف أصبح المشهد أشبه بمرآة مشوّهة، تعكس صورًا مبتذلة عن المجتمع، بينما تغيب عنه القضايا الحقيقية؟).

هذه التساؤلات تعكس إدراكًا عربيًا بأن هناك فجوة بين مصر التي كانت تقدم أعمالًا خالدة في (الدراما) مثل ليالي الحلمية، أرابيسك، رأفت الهجان، بوابة الحلواني، وبين مصر التي تملأ شاشاتها اليوم بأعمال تفتقر إلى العمق والرسالة.

تشكيل الوعي والتعبير عن المجتمع بصدق وعمق

الطريق إلى التصحيح

لا يكفي تشخيص المشكلة، بل لا بد من البحث عن حلول تعيد للإعلام و(الدراما) دورهما الحقيقي في تشكيل الوعي والتعبير عن المجتمع بصدق وعمق، كيف نبدأ رحلة التصحيح؟

1- النص هو النجم قبل الممثل

الأزمة الكبرى في (الدراما) المصرية اليوم هى تغليب (النجم) على (النص)، أصبح الممثل هو محور العمل، ويتم تفصيل السيناريو على مقاسه، ما أدى إلى غياب الحبكة الدرامية الحقيقية وإضعاف جودة القصة.

بينما في العصر الذهبي للدراما، كانت الحكاية هى الأساس، وكانت الأسماء اللامعة تتنافس على تقديم أفضل ما لديها في خدمة النص، وليس العكس.

الحل يبدأ من البحث عن نصوص قوية تطرح قضايا عميقة وتعكس الواقع المصري بكل تعقيداته، بدلًا من تقديم أعمال سطحية تعتمد على شهرة الأبطال فقط.

2- العودة إلى الروايات الفائزة بالجوائز

مصر مليئة بأدباء وروائيين قدّموا أعمالًا حصلت على جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، فضلًا عن جوائز عربية ودولية، لكن هذه الروايات لا تجد طريقها إلى الإنتاج الدرامي.

لماذا لا نرى أعمالًا مستوحاة من روايات نجيب محفوظ التي لم تُحوَّل بعد إلى (الدراما)؟، لماذا لا نعيد اكتشاف أعمال (صنع الله إبراهيم، إبراهيم عبد المجيد، بهاء طاهر) وغيرهم؟، يجب أن يكون هناك تعاون بين قطاع الدراما والمؤسسات الأدبية لاختيار أنسب الأعمال وتحويلها إلى إنتاجات تلفزيونية وسينمائية ذات قيمة.

3-  التنوع في الإنتاج الدرامي

هناك نمط واحد يسيطر على (الدراما) المصرية اليوم، وهو (الدراما) الاجتماعية التي تدور حول الأزمات الأسرية أو العنف والجريمة، بينما غابت عن الشاشة أنواع أخرى لا تقل أهمية:

(الدراما التاريخية) التي تحكي عن شخصيات وأحداث شكّلت التاريخ المصري، مثل عصر محمد علي، أو كفاح المصريين ضد الاستعمار.

(الدراما العلمية) التي تسلط الضوء على إنجازات العلماء المصريين مثل (أحمد زويل، مجدي يعقوب، فاروق الباز، وعلي مصطفى مشرفة)، لتعريف الأجيال الجديدة بإنجازاتهم.

(الدراما الدينية) التي تعيد تقديم السير الذاتية لعلماء الإسلام والمفكرين الكبار بأسلوب عصري يجذب الشباب، بدلًا من الاقتصار على أعمال سطحية أو وعظية.

(الدراما الكوميدية) الراقية، التي لا تعتمد على التهريج والإسفاف، بل تقدم محتوى ذكيًا مثلما كان الحال في أعمال فؤاد المهندس، سمير غانم، ونجيب الريحاني.

(الدراما الفلسفية) التي تطرح أسئلة فكرية وجودية، وتساعد الجمهور على التأمل في قضايا الحياة والمجتمع، مثلما فعل يوسف شاهين في السينما.

التنوع الدرامي ضروري لإثراء المشهد الفني، وجذب شرائح مختلفة من الجمهور، وإعادة الدراما إلى دورها الحقيقي في تشكيل الوعي.

4- دعم المواهب الشابة في الكتابة والإخراج

هناك جيل جديد من الكتّاب والمخرجين يمتلكون رؤية مختلفة وقدرة على تقديم محتوى مبتكر، لكنهم يواجهون صعوبات في الدخول إلى المجال الفني بسبب سيطرة الأسماء الكبيرة على الصناعة.

الحل هو إنشاء مسابقات سنوية لاكتشاف المواهب الجديدة في الكتابة والإخراج، وإعطائهم الفرصة للعمل على مشاريع درامية وسينمائية حقيقية، تحت إشراف كبار المبدعين.

5- الإعلام كأداة للتنوير وليس للإثارة

الإعلام يجب أن يعود إلى دوره الأساسي في تشكيل الوعي، وليس مجرد منصة للإثارة والجدل الفارغ.

البرامج الحوارية يجب أن تكون ساحة للنقاش الجاد، لا للصراخ والجدل العقيم.

مقدمو البرامج يجب أن يكونوا أصحاب رؤية وثقافة، لا مجرد (نجوم) يبحثون عن الشهرة على حساب القيم والمحتوى.

المحتوى الإخباري يجب أن يركّز على القضايا الحقيقية، بدلًا من الاعتماد على الأخبار المثيرة والمحتوى السطحي.

6- استثمار التكنولوجيا في خدمة الدراما والإعلام

العالم يتجه نحو المنصات الرقمية، مثل نتفليكس، أمازون برايم، شاهد، لكن المحتوى المصري على هذه المنصات لا يزال محدودًا. لماذا لا يكون لدينا منصة مصرية رقمية تنافس عالميًا؟ لماذا لا نستثمر في إنتاج محتوى يواكب التطورات التكنولوجية ويستهدف الأجيال الجديدة؟

النهضة الحقيقية تبدأ من العودة إلى الجذور، إلى النصوص العميقة

مصر تستحق الأفضل

مصر ليست بلدًا عاديًا، بل هي صاحبة أول إذاعة في الشرق الأوسط، وأول ستوديو سينمائي عربي، وهى التي قدمت للعالم رموزًا ثقافية خالدة، فلا يليق بها أن تكون صورتها اليوم رهينة للضجيج الإعلامي والسطحية الدرامية.

إن النهضة الحقيقية تبدأ من العودة إلى الجذور، إلى النصوص العميقة، إلى التنوع في الطرح، إلى الاهتمام بالمواهب الحقيقية، وإلى إعلام يحترم عقول المشاهدين بدلًا من أن يعبث بها.

إن مصر تستحق إعلامًا ودراما يرتقيان بها، لا يجرّانها إلى الوراء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.