رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب: حواري مع (الميكروفون) – رفيق العمر (1)

كان وسيطًا أمينًا بيني وبين العالم

بقلم الإعلامي: شريف عبد الوهاب

(المشهد: غرفة إذاعية قديمة، تتناثر فيها أوراق البرامج، وصور من الماضي معلقة على الجدران. يجلس (شريف) أمام (الميكروفون) القديم، يتأمله بحنين، يمرر أصابعه عليه وكأنه يبعث فيه الحياة من جديد)

شريف (بصوت دافئ، يشوبه الحنين):

كم مرّت من السنوات، وأنت هنا، رفيقي الصامت الذي لم يخن يومًا، لم يعترض، لم يقاطع، بل كان وسيطًا أمينًا بيني وبين العالم… كنت أودعك كلماتي، فتبعثها إلى الآذان، وتحملها إلى القلوب. واليوم، وبعد كل هذا العمر، أشعر أنك أنت من يريد الحديث معي.

يسود الصمت للحظة، وكأن (الميكروفون) يتأمل حديث شريف، ثم فجأة، ينبعث منه صوت، صوت ليس كأي صوت، بل هو صوته، لكنه هذه المرة ليس مجرد صدى، بل شخصية مستقلة تحمل في طياتها كل الذكريات.

(الميكروفون).. (بصوت دافئ مليء بالحنين):

ها قد عدت إليّ أخيرًا.. لكن قُل لي، هل ما زلت تذكر أول مرة التقينا فيها؟

شريف يبتسم، يتأمل (الميكروفون) وكأنما يعود بالزمن إلى الوراء:

وكيف لي أن أنسى؟ كان اللقاء الأول في (صوت العرب)، حيث كانت المرة الأولى التي خفق فيها قلبي مع الموجات، حيث كنتُ شابًا يافعًا، تتلمس أناملي طريقها إلى هذا العالم السحري، عالم الإذاعة. كنت أتعلم كيف ألوّن الكلمات بالصوت وحده، كيف أجعل المستمع يرى دون أن يرى، ويسمع أكثر مما يسمع.

(الميكروفون).. (بشغف وكأنه يسترجع الذكريات معه):

كنتَ مذيعًا شابًا، متحمسًا، تتلمس طريقك بين الكبار في الإذاعة، وشيئًا فشيئًا، شققت طريقك، من مدير إدارة المنوعات إلى مدير عام البرامج الخاصة، ثم مدير عام الإدارة العامة للمنوعات، وصولًا إلى نائب رئيس شبكة (صوت العرب)، وأخيرًا رئيسًا للشبكة الثقافية، لكن هل كنتَ تتخيل أن هذا سيصبح قدرك؟

لم يكن القدر وحده، بل كان الشغف والاجتهاد

شريف (بهدوء وتأمل):

لم يكن القدر وحده، بل كان الشغف والاجتهاد.. بدأتُ مذيعًا من الدرجة الثالثة عام 1983، ومنذ ذلك الحين وأنا أتنقل بين البرامج الثقافية والمنوعات والسياسية، أتعلم من كل تجربة، وأدرك أن الكلمة مسؤولية، وأن الصوت قد يكون سلاحًا أو طوق نجاة.

(الميكروفون).. (متسائلًا):

لكنّك لم تكتفِ بالإذاعة، بل خضتَ غمار الكتابة الدرامية.. هل كنت تبحث عن أفق جديد للصوت؟

شريف (بعينين يملؤهما الشغف):

تمامًا! فالكلمة المسموعة تحتاج إلى صورة في الذهن، وما الدراما إلا لوحة مرسومة بالحوار والمواقف.. كنت أعيش شخصياتي كأنها جزء مني، أتنفس من خلالها، وأمنحها صوتًا يتردد بين الناس.. الدراما كانت نافذتي إلى عالم أوسع، عالم يمكنني من خلاله أن أترك بصمة لا تُمحى.

(الميكروفون).. (بفضول متزايد):

وبين الصوت والصورة، وجدتَ طريقك إلى الكاريكاتير… كيف اجتمعت الكلمة والريشة؟

شريف (يضحك، ثم يجيب بحنين):

لطالما كنتُ مولعًا بالرسم، لكنه لم يكن مجرد خطوط، بل كان حوارًا صامتًا مع الواقع.. الكاريكاتير يشبه الإذاعة، فكلاهما يعتمد على الإيحاء، على ترك فراغات يملؤها المتلقي.. بالصورة كما بالصوت، كنت أبحث عن لحظة التأثير، عن تلك الومضة التي تجعل المستمع أو القارئ يتوقف، يفكر، وربما يبتسم أو يحزن.

(الميكروفون).. (بمرح ممزوج بالتقدير):

إعلامي، كاتب، رسام كاريكاتير.. لكن لا تنسَ الجوائز التي حصلتَ عليها!

شريف (بابتسامة متواضعة):

الجوائز شهادة تقدير، لكنها ليست الغاية.. نعم، حصلتُ على جوائز عديدة في الإذاعة والإعلام، تقديرًا لمسيرتي، وكنتُ فخورًا بها، لكن أكثر ما يسعدني هو أن يظل صوتي حيًا في ذاكرة المستمع، أن تجد كلماتي صداها، أن يترك قلمي أثرًا، سواء في دراما مسموعة أو في رسم ساخر.

(الميكروفون).. (بصوت عميق كأنه يحاول كشف المزيد من الأسرار):

وبعد كل هذه الرحلة، ماذا بعد؟ هل ما زال لديك حلم لم يتحقق؟

الحلم لا يتوقف.. ربما يكون في برنامج جديد يفتح أفقًا مختلفًا

شريف (بابتسامة واثقة):

الحلم لا يتوقف.. ربما يكون في برنامج جديد يفتح أفقًا مختلفًا، أو في رواية تعبُر من الخيال إلى الواقع، أو في فكرة تغيّر شيئًا في هذا العالم. ما دام الصوت قادرًا على أن يصل، والحبر قادرًا على أن يكتب، والريشة قادرة على أن ترسم، فإن الحلم باقٍ.

(الميكروفون).. (بصوت مفعم بالأمل):

إذن، لنبدأ الحديث من جديد.. الأثير بانتظارك، والصوت لا يموت!

شريف ينظر إلى (الميكروفون)، يضع يده عليه، يغمض عينيه للحظة وكأنه يستشعر قوة اللحظة، ثم يفتحها بابتسامة، تمتلئ الغرفة بالصمت للحظات، قبل أن يبدأ البث… صوت الهواء في الأثير، ثم يأتي صوته عبر الميكروفون، قويًا، واضحًا، كما كان دائمًا… وكأن الزمن لم يمضِ.

شريف (بصوته الإذاعي المعتاد، المليء بالشغف والأمل):

إذن، فلنبدأ…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.