
بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
لى صديق حاد الطباع، لا يعجبه العجب أو الصيام في رجب كما يقولون – كتبت عنه في مرات سابقة – لا تقع عينه سوى على النواقص والعيوب سواء في بيته أو أسرته أو مجتمعنا، ولذا هو دائما غاضب لأقل الأسباب حتى يتخيل لك أنه ساخط على الناس والمجتمع والماضي والحاضر.
وتجده على الفور جاهر بنقد ما يراه بصوت عال وانفعال محموم عن (المسرح)، حتى بتنا نخاف على صحته ، فكل مرة يرى خطأ ما – من وجهة نظره – يتحول إلى شعلة من الغضب، يتكلم في سرعة محمومة حتى تنفر عروقه ويكاد أن ينقطع نفسه.
ولذا نصحنا أسرته بأن تبقيه في المنزل ولا يخرج إلا قليلا حتى لا يسبب لهم المشاكل ولا لصحته النفسية والبدنية، فكثيرا ما يتم فهم نقده على نحو خاطئ، فالمنطلق الأساسى لنقده لـ (المسرح) هذا هو حبه الشديد والعميق لوطنه وأمته وأهل بلده، و تمنيه أن يرى مصر (تاج العلاء في مفرق الشرق) كما غنت السيدة ام كلثوم .
ومنذ أسبوعين دعيت لتحكيم مسابقة مسرحية تقيمها وزارة الشباب لطلاب الجامعات في نشاط (المسرح)، وهى جزء من نشاط ضخم تقوم به الوزارة تحت مسمى (مسابقة إبداع)، التي تعتبر أكبر مسابقة جامعية فى الشرق الأوسط من حيث عدد المشاركين واتساع مجالات التسابق وتنوعها.
وتمتد جغرافيا على امتداد الوطن كله بامتداد جامعاتها التى أصبحت 27 جامعة حكومية حتى الآن، تضم 442 كلية الى جانب 26 جامعة خاصة – تضم أقل من نصف هذا العدد من الكليات – عدا المعاهد العليا والمؤسسات التعليمية الأهلية والتكنولوجية.
يدرس فيها حوالى 3 ونصف مليون طالب وتقترب قيمة جوائز المسابقة من مبلغ 5 مليون جنيه، توزع على الأوائل فى 19 مجال من المجالات الأدبية والفنية والعلمية والخدمة المجتمعية.
بدأت المسابقة فى دوراتها الأولى على انها مخصصة للانشطة الادبية و الفنية، ولكن مع ازدياد اهتمام الدولة بالعلم وتشجيع الابتكار أضافت الوزارة مجالا جديدا هو مجال الابتكارات العلمية.
والذى يسعى لاكتشاف مبتكرين ومخترعين بين طلاب الجامعات فى الابتكارات الهندسية كالسيارات الكهربائية والغواصات الآلية والروبوتكس والطابعات ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعى وإنترنت الأشياء وتطبيقاته.
كما أضيفت أيضا جائزة للمبادرات المجتمعية الجماعية وليست الفردية، بشرط أن تكون المبادرة نابعة من احتياجات المجتمع وتعود بالنفع عليه، من خلال تقديم حلول قابلة للتطبيق لأحد القضايا أو المشكلات.

المجالات الأدبية والفنية
وبالتالى فهذا الفرع من المسابقة يستلزم من الطلاب دراسة للواقع المجتمعى ومشكلاته، ومن خلاله أيضا يتعلمون كيف يفكرون فى آليات للعمل المجتمعى، وكيف يحصلون على تمويل لمبادرتهم ، كل هذا فى إطار تعاون جماعى ضمن فريق.
أما بقية مجالات التسابق فهى المجالات الأدبية والفنية المعروفة، ومع ذلك استطاعت الوزارة أن تضيف مسابقات أكثر تخصصا، ففى مجال الأدب هناك مسابقات للشعر (الفصحى والعامية والأغانى) وكتابة القصة (الطويلة والقصيرة) ومجال تأليف (المسرح).
وأضيف لها المجال الثقافى (أسئلة فى الثقافة العامة والمعلومات)، أما المجال الفنى وهو الأكبر والأكثر اتساعا فيضم الغناء، والاإنشاد الدينى والموسيقى فلكل منها مسابقة للأعمال الجماعية وأخرى للفردية، أما مجال الفنون التشكيلية فيضم التصوير الزيتى و الفوتوغرافى و الاشغال الفنية و الجرافيك والنحت.
وهناك مسابقات للفنون الشعبية والأفلام القصيرة، أما مسابقة عروض (المسرح) فتنقسم لثلاث مسابقات: الأولى للعروض المسرحية للطلاب المتخصصين (أكاديمية الفنون – أقسام المسرح بكليات الآداب – كليات التربية النوعية) ومسابقة أخرى لبقية طلاب الجامعات من غير المتخصصين ومسابقة للعروض الغنائية والاستعراضية، ثم أضيفت مؤخرا مسابقة المراسل وهى للتقارير الإخبارية المصورة والإذاعية.
قررت أن أصطحب صديقى الساخط الغاضب معى ليرى جزءا من هذا النشاط ربما يسكن قلبه ويستريح عندما يطالع ورودا طلابية من مختلف الجامعات والكليات تتفتح وتبدع في مجال (المسرح).

انتهى عرض (المسرح) الأول
وبالفعل مضينا سويا إلى (المسرح) الخاص بوزارة الشباب الكائن في مبناها العريق بميدان سفنكس، وعند اقترابنا من المبنى كانت أعمال التجديد والتطوير تجرى فيه على قدم وساق فحمدت الله أن صديقى لن يجد ما يعيب عليه أو ينقده.
انتهى عرض (المسرح) الأول فنظرت لصديقى و قلت له ما رأيك ؟ أظن أنك مش لاقى حاجة تعترض عليها، حتى لو مستوى الولاد مش عاجبك كفاية انهم حاولوا والمرة الجاية يبقوا أحسن من كده.
فوجئت بصديقى يصرخ في وجهي: هى المسابقة الكبيرة والعظيمة مش بتتصور ليه وتتذاع عشان مصر كلها تشوفها ؟ الولاد دول مش يستحقوا يتنور عليهم؟
قلت: أهو انت غلطان بقى، وزارة الشباب بتصور كل المسابقات على حسابها وبتحطها على الشبكة العنكبوتية.
قال على الفور: عنكبوتية ايه يا أبو عنكبوتية؟، أنا باتكلم على المحطات التليفزيونية، باتكلم على (الشركة المتحدة) بتاعة الإعلام، مش المفروض المسابقة دي نشاط حكومى مفيد و حيوى و بيخدم قطاع مهم و كبير هو قطاع الشباب؟
مش (الشركة) كانت هتضرب كذا عصفور بحجر واحد: انها تسجل ساعات إرسال بسعر زهيد بدل الملايين اللى بتصرفها على برامجها اللى بتخسر، وفي نفس الوقت تخلى الشباب يفهم أن اهتمام الدولة مش بس بالتفوق الرياضى، لا كمان التفوق الفني والأدبى و العلمي.
وإن التفوق في التعليم لا يتعارض مع ممارسة أي هواية.. يا أستاذ اللى عنده هواية فنية أو أدبية عمره ما يرفع على أهله بندقية ولا حتى شومة.. بلاش يا سيدى (المتحدة)، فين ماسبيرو؟، فين القناة الثقافية؟، فين القناة الأولى اللى طوروها بملايين كتير؟، مادة ببلاش أهى، ولا عشان هى ببلاش تبقى وحشة؟
فقلت له: يا أخى ده بدل ما تفرح بالشباب اللى زى الورد اللى شوفتهم لازم تنكد على نفسك وعليا.. ياللا بينا نروح!
وعندما اتجهنا لباب الخروج من وزارة الشباب إذا بصديقى يقف في عرض الشارع صارخا: ايه ده ؟، معقول كده؟، ده مش حرام؟
قلت له في لهفة: فيه إيه؟، أشار بيده إلى سور الوزارة وانهار في البكاء!
وللحديث بقية ..