رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

في ذكراها الخمسين.. نكشف كيف أنقذت (أم كلثوم) طلعت حرب من الإفلاس!

زارت طلعت حرب في مكتبه طالبةً الاستشارة في مأزق كانت قد ورّطت نفسها فيه

كتب: أحمد السماحي

ارتبطت (أم كلثوم) ــ التى نحيي هذه الأيام ذكرى رحيلها الخمسين ــ بعلاقات صداقة وطيدة مع كبار شخصيات عصرها من مختلف المجالات، سواء السياسية، أوالاقتصادية، أوالثقافية، أوالاجتماعية.

من هذه الصداقات علاقتها برائد الاقتصاد المصري (طلعت باشا حرب) الذي قربها إليه وإلى أسرته، بعد وصولها إلى القاهرة، في بداية العشرينات، وإعجابه بالأغنيات الراقية التى تغنيها في عصرغنائي كان مليئا بالإسفاف والإنحلال.

وتوطدت علاقة (أم كلثوم)، بطلعت حرب، عندما زارته في نهاية العشرينيات في مكتبه طالبةً الاستشارة في مأزق كانت قد ورّطت نفسها فيه مع إحدى شركات الاسطوانات لقلة خبرتها في هذا المجال وقتئذٍ.

وفي هذا الوقت كانت لا تملك المال الذي يخلّصها من الإخلال بالشرط الجزائي، فما كان منه إلا أن أمر لها بسلفة مادية بضمان صوتها.

تمكن رائد الاقتصاد إنقاذ شركة الغزل والنسيج من الإفلاس

إفلاس شركة الغزل والنسيج

لم تنس (أم كلثوم) لـ (طلعت حرب) هذا الموقف، لهذا عندما كان يمر بضائقة مالية كادت تؤدي إلى إفلاس شركة (الغزل والنسيج) بالمحلة، ساندته ووقفت بجواره.

حيث ذكر أحد المسئولين الكبار في شركة (الغزل والنسيج) بالمحلة الكبرى لمجلة (آخر ساعة) عام 1938 أن لـ (أم كلثوم) الفضل في استمرار وجود هذه الشركة، ففي أحد الأيام دخلت كوكب الشرق على (طلعت باشا حرب) في مكتبه ببنك مصر، فوجدته حزينا بائسا فسألته: خير يا باشا؟!

فأجابها: أنا حزين للغاية (يا ثومة) فاليوم سأدفن بنفسي أحد أبنائي!

فارتبكت (أم كلثوم) عند سماعها لهذا الخبر، وأرادت أن تستفسر عن تفاصيل هذا الحادث.

واستطرد (طلعت حرب) حديثه قائلا: حدث إفلاس لشركة (الغزل والنسيج) بالمحلة، ومطلوب مني دفع الدين أو حتى جزء منه، وللأسف ليس لدي من المال ما يمكن به إنقاذ هذا المشروع القيم من الإفلاس!

وعلى الفور طلبت (أم كلثوم) معرفة رصيدها بالبنك، وأخرجت دفتر الشيكات، وكتبت شيكا بالمبلغ كله الموجود برصيدها لطلعت حرب، وبهذا المبلغ استطاع رائد الاقتصاد إنقاذ شركة الغزل والنسيج من الإفلاس.

لم يقدر لمشروع الفيلم بعد هذا أن يخرج إلى حيز الوجود بسبب إصرار عبد الوهاب على موقفه

أم كلثوم وعبد الوهاب

لم ينس طلعت حرب لـ (أم كلثوم) هذا الموقف الذي يؤكد حبها لبلدها ولاقتصادها، لهذا حاول كثيرا أن يجمعها في عمل سينمائي مع الموسيقار الكبير (محمد عبد الوهاب) منافسها القوي طوال العشرينات والثلاثينات والأربعينات.

ففى أحد المرات وكما جاء في مجلة (الاستديو) التى كانت تصدر في الثلاثينات، حاول أن يجمعهما في فيلم بعنوان (ألمظ وعبده الحامولي) على أن يمثل (عبد الوهاب) دور (عبده)، وأم كلثوم دور(ألمظ) لكن المشروع فشل!

وقد ذكر الكاتب الكبير (مصطفى أمين) سر عدم إتمام المشروع، حيث قال: أصرت (أم كلثوم) على أن يلحن أغاني الفيلم الملحنون الذين تتعاون معهم في هذه الفترة بصفة منتظمة وهم (رياض السنباطي، وزكريا أحمد، ومحمد القصبجي).

ولكن (محمد عبد الوهاب) طلب أن يلحن كل أغاني الفيلم، ولم توافق (أم كلثوم) إلا على أغنية واحدة يلحنها لها (عبد الوهاب)، ولم يقدر لمشروع الفيلم بعد هذا أن يخرج إلى حيز الوجود بسبب إصرار عبد الوهاب على موقفه.

محاولة أخرى قام بها (طلعت حرب) للجمع بين القطبين

محاولة للجمع بين القطبين

محاولة أخرى قام بها (طلعت حرب) للجمع بين القطبين (أم كلثوم) و(محمد عبد الوهاب) في عمل سينمائي، حيث دعاهم ومعهما الشاعر أحمد رامي إلى لقائه.

وناشدهما بحب الوطن والفن أن يقبلا الاشتراك معا في فيلم سينمائي غنائي ينتجه (ستوديو مصر) الذي أسسه، وطلب منهما تحديد الأجر الذي يرونه مناسبا لهما.

وأجاب الطرفان أن الأجر لا يلعب دورا هاما في هذا المشروع، فقط طلبا أن يتساويا في الأجر بالنسبة للتمثيل، أما ألحان الأغاني فلعبد الوهاب أجر خاص له، وأصر عبد الوهاب على تلحينه جميع الأغاني.

وعارضت (أم كلثوم) هذا الرأي، وطلب كما سبق أن طلبت أن يلحن أغانيها (السنباطي، وزكريا، والقصبجي) مع احترامها لألحان (عبد الوهاب)، وأخيرا وافق (عبد الوهاب)، وسعد (طلعت باشا حرب).

ولكن تنبه أحمد رامي لوجود أغان مشتركة بين البطلة والبطل، في الفيلم بحكم أنه يجمع بين (أم كلثوم وعبد الوهاب)، وسأل من الذي سيقوم بتلحين (الثنائيات الغنائية)؟!

وبروح ودودة قالت أم كلثوم: بالطبع (عبد الوهاب) إذا كان ديالوج واحد، أما إن زاد، فيكون الديالوج الغنائي الثاني لأحد ملحنيها، وعاد (عبد الوهاب) يعترض، فقد رأى في ذلك مساس بفنه، وتأزمت الأمور، وألغى (طلعت حرب) فكرة اشتراك القطبين في عمل سينمائي واحد.

غنت أم كلثوم قصيدة (أذكروه وخلدوه) التى لحنها (رياض السنباطي)

أذكروه وخلدوه

لم تنس (أم كلثوم) كل ما فعله رائد الاقتصاد (طلعت حرب) لها، خاصة أن أول فيلم قامت بتمثيله كان فيلم (وداد) أول إنتاج لـ (ستوديو مصر) الذي أسسه طلعت حرب، لهذا كان من الطبيعي أن تخلده بصوتها فطلبت من الشاعر (صالح جودت) كتابة قصيدة عنه.

فكتب لها قصيدة (أذكروه وخلدوه) التى لحنها (رياض السنباطي)، وقامت بغنائها عام 1957 في قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة احتفالا بذكرى رائد الاقتصاد طلعت حرب، والتى تقول كلماتها:

يا شبابَ الثورةِ البيضاءِ في الوادي الأمينْ

أُذكروهُ خَلِّدوه فـي كتابِ الخالدينْ

ثائرٌ لا تنتهي آمالُهُ خالدٌ لا تنطوي آجالُهُ

قلتُ لمّا لم يُقَـمْ تمثالُه، خيرُ تمثالٍ لهُ أعمالُهُ

مالُنا في كلِّ جيلٍ مالُهُ وبإعناق الوَرَى أفضالُهُ

إنْ يكنْ ضاعَ مع الطغيانِ أجرُ المحسنينْ

فاذكروهُ خلّدوهُ فـي كتابِ الخالدينْ

ثائرُ النيلِ العزيزُ المُلْهَمُ حَسَدَتْ مصرَ عليهِ الأممُ

وازدهَى الشرقُ وعزَّ الحَرَمُ فله في كلِّ بيتٍ أنْعُمُ

وله في كلّ جوٍّ أنجمُ وله في كلِّ بحرٍ عَلَمُ

وله في كلِّ بَرٍّ هَرَمُ

عبقريٌّ مشرقُ الصفحةِ مرفوعُ الجبينْ

فاذكروه خلّدوه في كتابِ الخالدينْ

كَرِّموا ذكرى الزعيمِ الأوّلِ هبةُ الماضي إلى المستقبلِ

مطلعُ النصرِ المبينِ المقبلِ كمْ دعاكم لجليلِ العملِ

وهداكمْ للجهادِ الأمثلِ إنّه طلعةُ نورِ الأملِ

وهو قبلَ الثورةِ الكبرى بشيرُ التائرينْ

فاذكروه خلّدوه في كتاب الخالدين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.