
بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة
أحياناً يولد الفشل من رحم النجاح، وهو شعر به المتابعون للموسم الثالث من مسلسل (موضوع عائلي) والذي جاء فارغاً مستفزاً فوضويا، والسبب أنه لم يكن سوى استغلال لنجاح الجزءين السابقين.
نقول ونعيد ونكرر.. الموهبة وحدها لا تكفي لتحقيق نجاح الفنان، ولكن لابد من الذكاء والحكمة في الاختيار والقدرة على اتخاذ القرار السليم والقدرة على الاعتذار عن العمل غير المناسب بصرف النظر عن المكتسبات المادية.
وعدم مجاملة أحد أياً كانت درجة قربه على حساب عمل سيحاسب عليه الجمهور، إذا أحبه انحنى لأبطاله تقديراً، وإذا قبله صفق لهم، و إذا رفضه قذفهم بما هو متاح لديه.
قبول الفنان لعمل سيء لا يكون ثمنه فقط انتقاد ورفض الناس لهذا العمل، ولكن يمكن أن يمتد إلى التشويش على أعمال سابقة ناجحة والنيل من انجازات حققها من قبل، ومن يعي ذلك يتمهل كثيراً قبل أن يلقي بنفسه من القمة إلى القاع.
من أكبر الخطايا التي وقع فيها الكثير من الفنانين هو استغلال نجاح عمل قدموه وتقديم أجزاء تالية منه رغم أن قماشته الدرامية لا تحتمل ذلك، وهو الخطأ الذي ارتكبه كبار في الإبداع وفي الموهبة، مثل الكاتب العظيم (أسامة أنور عكاشة) الذي قدم عملاً عبقرياً هو مسلسل (ليالي الحلمية).
ونتيجة نجاح الجزء الأول قدم الثاني وقبله الناس ثم الثالث وأيضاً قبله الناس ثم الرابع وما بعده ليشوه بالأجزاء الأخيرة نجاح الأجزاء الأولى رغم أن قماشته الدرامية كانت تحتمل.

شخصيات تشبه شخصية مثّلها
التكرار لا يكون فقط في تقديم أجزاء من عمل نجح، ولكن تقديم شخصيات تشبه شخصية مثّلها النجم ونجحت، ليدور في فلكها ويعيد تقديمها بمسميات أخرى وفي إطار معالجات تختلف شكلاً وتتطابق مضموناً.
مثل الفنان محمد سعد الذي نجح في شخصية اللمبي، فأعاد تركيبتها في شخصيات (بوحة وعوكل وبوشكاش) وغيرهم حتى انصرف عنه من حملوه على الأعناق، وسقط فنياً وجماهيرياً، وبعد أن استوعب الدرس قدم مؤخراً (الدشاش) المختلف كلياً وهو ما أعاد إليه الكثير من جماهيريته المفقودة.
نعم، الجمهور يغفر للفنان خطاياه عندما يفيق ويعود إلى صوابه؛ المهم أن يدرك أن الجمهور لا يدمن شخصية درامية ويريد تكرارها، ولكنه يدمن فناناً لديه من الوعي ما يدفعه للتنويع الدائم وعدم الوقوع في أسر شخصية أو عمل بعينه.
وليت فنانينا يعيدون تأمل رحلة الكبير والزعيم (عادل إمام)، الذي احتفظ بالقمة أكثر من نصف قرن، ولم يفكر في استغلال نجاح شخصية أو عمل ويكررها أو يكرره، ولكنه حرص على تقديم الكثير والكثير من الأنماط البشرية والكثير والكثير من القضايا.
ولذا جلس على العرش ولم يستطع أحد أن يهز عرشه أو يخلفه، وحتى الآن لم يأت من يجلس بعده على العرش رغم تخليه عنه بفعل الزمن، ورغم أن لدينا العشرات من الفنانين الموهوبين ولكن ليس لدينا من يمتلك ذكاء عادل إمام.
كتبت في هذا المكان في فبراير ٢٠٢٣ مقالاً بعنوان (موضوع عائلي.. ليس مضيعة للوقت)، ومما قلته فيه (الوصول إلى قلب الجمهور أمر سهل ويسير على صناع الدراما، ولا يستلزم سوى الصدق، الصدق في النص وفي الأداء.
والصدق لا يتحقق لمن يستغفلون الناس ويخدعونهم بادعاء الشمولية والقدرة على أداء مختلف الألوان الفنية، ولا يتحقق بالفذلكة والفهلوة، ولا يتحقق بالتفاهة والسطحية، ولا يستلزم إبهاراً شكلياً على حساب المضمون، ولا ميزانيات ضخمة وديكورات فخمة.
فقط يستلزم أمانة فنية تفرض ما يتناسب مع النص المكتوب وتحوله من ورق إلى حياة تنبض على الشاشة وتجذب الانتباه وتستحوذ على المشاهد وتجره إليها ليتجاوز كونه مجرد شخص يقتل فراغاً إلى إنسان يشارك أبطال العمل الذي يشاهده همومهم وأوجاعهم.
يضحك معهم ويبكي لبكائهم، ويتحول إلى طرف فاعل في العملية الفنية، برفعه العمل وأبطاله إلى القمة بدلاً من الانصراف عنه والندم على الوقت الذي أضاعه مشاهداً لنص أجوف وأبطال ضالين ومضللين.

قيمة (ماجد الكدواني)
مسلسل (موضوع عائلي) أضحكنا كثيراً من فرط الكوميديا، وأبكانا قليلاً جراء التراجيديا.
وفي إعادة ما كتبت مقارنة بين ما سبق وما شاهدناه في الجزء الثالث من (موضوع عائلي)، والذي يستحق أن يقال فيه كل ما هو عكس ما ذكرت سابقاً، مشاهدته مضيعة للوقت، عمل تافه مستفز خال من المنطق.
ثقيل الظل وخال من الكوميديا، ليس فيه أي صدق ولا إبداع، وقد أساء صناعه للصورة التي قدموها سابقاً عن (الشيف إبراهيم)، وأساء فيه الفنان الكبير (ماجد الكدواني) لنفسه ولموهبته ولقدراته.
لا خلاف على قيمة (ماجد الكدواني) كفنان كبير ثقيل الموهبة، ولكن أن يقبل بالجزء الذي تم عرضه مؤخراً فقد وقع في فخ المستغلين لنجاح أعمال لهم، وللأسف أنه طمس معالم الشخصية التي أحبها الناس ليقدمها بصورة متناقضة، رجل كذاب صانع للكوارث في حياة أسرته ومع ذلك يتوهم أنه داعية قيم تربوية.
مسلسل موضوع عائلي) أساء لكل من شارك فيه، فمهما كانت موهبة الفنان لا يمكن أن تراها في ظل حالة فوضى درامية، الفبركة واللامنطق لا يتيحان للمشاهد الاستمتاع بأداء الممثل.
والأبطال بينهم مواهب كبيرة (ماجد الكدواني وطه دسوقي ومحمد رضوان وسما إبراهيم وياسمينا العبد ومحمد القس ومحمد شاهين)، مواهب ضاعت في نص مفكك وإخراج رديء، نور صورة باهتة و(رنا رئيس) تؤكد من عمل لعمل أنها محدودة الموهبة و(رانيا يوسف) الإضافة التي خربت المواهب المحيطة بها.
(أحمد الجندي) مؤلفاً ومخرجاً هو الصانع الأول للفخ الذي وقع فيه كل الفنانين، وهو رجل يجيد صنع النجاح ويلاحقه حتى يستخرج من رحمه فشلاً وخيبة له ولمن يستجيب له، وليت كل من يتعامل معه يرى تجربته مع (الكبير أوي) الذي حوّل أيضاً نجاحه إحباطاً.