رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(مايكروسوفت) في خدمة الغباء الإسرائيلي!

الوثائق المسربة التي كشفت عنها صحيفة (ذا جارديان) البريطانية بالتعاون مع مجلة 972+ الإسرائيلية
أحمد الغريب

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب

بعد أيام قليلة من وقف العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة الذي استمر لأكثر من عام ونصف، عملت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية على كشف تفاصيل تتعلق باستعانة جيش الاحتلال بـ (مايكروسوفت) لخدمة (الغباء الإسرائيلي) من خلال شركات التقنية الأمريكية في تنفيذ عدوانها على أهل القطاع.

(مايكروسوفت) من بين عمالقة التكنولوجيا الذين عززوا تعاونهم مع إسرائيل خلال عدوانها على غزة، إذ كشفت وثائق داخلية مسربة أن اعتماد جيش الاحتلال على تقنية الحوسبة السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة ارتفع بشكل كبير خلال المرحلة الأشد وحشية من حرب الإبادة على القطاع.

الوثائق المسربة التي كشفت عنها صحيفة (ذا جارديان) البريطانية بالتعاون مع مجلة 972+ الإسرائيلية وموقع (لوكال كول) الإخباري، تسلط الضوء على كيفية دمج إسرائيل تقنيات (مايكروسوفت) في حرب الإبادة التي شنتها على الفلسطينيين في غزة.

وتكشف كيفية تعميق الشركة الأمريكية علاقتها مع جيش الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023، عبر تزويده بخدمات حوسبة وتخزين أكبر وإبرام صفقات لا تقل قيمتها عن عشرة ملايين دولار لتوفير آلاف الساعات من الدعم الفني.

كما تقدم نظرة جديدة إلى كيفية لجوء قوات الاحتلال إلى شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى لتلبية المتطلبات التكنولوجية للعدوان.

مايكروسوفت
جوجل
أمازون

ماذا قدمت (مايكروسوفت) لجيش الاحتلال؟

بعد بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر 2023، واجه جيش الاحتلال زيادة مفاجئة في الطلب على التخزين وقوة الحوسبة، ما دفعه إلى توسيع بنيته التحتية الحاسوبية بسرعة واحتضان ما وصفه أحد المسؤولين الإسرائيليين بـ (العالم المذهل لمقدمي الخدمات السحابية).

ولتلبية هذه الحاجة، قالت مصادر إسرائيلية متعددة، لـ (ذا جارديان) وشركائها في التحقيق، إن جيش الاحتلال زاد اعتماده على شركات مثل (مايكروسوفت) و(أمازون) و(جوجل)، لتخزين وتحليل كميات أكبر من البيانات والمعلومات الاستخباراتية لفترة أطول.

وتشير الوثائق المسربة، التي تتضمن سجلات تجارية من وزارة الدفاع الإسرائيلية وملفات من شركة فرعية إسرائيلية تابعة لـ (مايكروسوفت)، إلى أن منتجات وخدمات الشركة الأمريكية، وخاصة منصة الحوسبة السحابية (أزور Azure) استخدمتها وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن مديرية الاستخبارات.

في حين استخدم الجيش الإسرائيلي بعض خدمات (مايكروسوفت) لأغراض إدارية، مثل أنظمة البريد الإلكتروني وإدارة الملفات، تبين الوثائق والمقابلات أن (أزور) استُخدمت لدعم العمليات القتالية والاستخباراتية.

وبصفتها شريكاً موثوقاً به لوزارة الدفاع الإسرائيلية، كلفت (مايكروسوفت) بشكل متكرر بالعمل في مشاريع حساسة وسرية للغاية.

كما عمل موظفوها بشكل وثيق مع مديرية الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك قسم التجسس النخبوي الذي يحمل اسم الوحدة 8200.

تظهر الوثائق أن (مايكروسوفت)، خلال السنوات الأخيرة الماضية، قدمت أيضاً للجيش الإسرائيلي إمكانية الوصول على نطاق واسع إلى نموذج (جي بي تي – 4) الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة (أوبن إيه آي)، وذلك بفضل الشراكة بين الاثنين (مايكروسوفت، وأوبن إيه آي).

وفى عام 2021، فشلت (مايكروسوفت) في الفوز بصفقة قيمتها 1.2 مليار دولار لإصلاح البنية التحتية للحوسبة السحابية في القطاع العام الإسرائيلي، بينما فازت الشركتان المنافستان (أمازون) و(جوجل) بصفقة المشروع الشهير والمثير للجدل (نيمبوس).

تكنولوجيا التجسس المتطورة للاستخبارات الإسرائيلية
استخدمت (أزور)، منصة الحوسبة السحابية التابعة لشركة مايكروسوفت

ضربة لمصالح (مايكروسوفت)

وشكلت صفقة (نيمبوس) ضربة لمصالح (مايكروسوفت) في إسرائيل ومكانتها بصفة مزود سحابي رئيسي لجيش الاحتلال، إلا أن الوثائق تكشف أن الشركة وجدت عزاء من مسؤولين إسرائيليين أكدوا استمرار شراكتها القوية مع الجيش.

وفي أعقاب ذلك أمل المسؤولون التنفيذيون في (مايكروسوفت) في تعزيز العلاقة أكثر مع جيش الاحتلال، وخاصة أن تقنياتها وخدماتها مدمجة في أكثر أجزاء عمليات الجيش الإسرائيلي تعقيداً وسرية.

وتوضح الوثائق المسربة دعم شركة التكنولوجيا العملاقة الأمريكية مجموعة من الأنشطة الحساسة؛ استخدمت (أزور)، منصة الحوسبة السحابية التابعة لشركة مايكروسوفت، من قبل وحدات استخبارات عسكرية متعددة، بما في ذلك الوحدة 8200 والوحدة 81 التي تطور تكنولوجيا التجسس المتطورة للاستخبارات الإسرائيلية.

ومن ثم استخدمت إحدى تقنيات (مايكروسوفت) في صيانة نظام (رولينج ستون) الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية لمراقبة تحركات الفلسطينيين وسجلاتهم في الضفة الغربية وغزة. خلال العدوان على غزة، استخدمت مجموعة أنظمة الاتصالات والمراسلة الخاصة بشركة مايكروسوفت من قبل (أوفيك)، وهي وحدة تابعة للقوات الجوية مسؤولة عن إدارة قواعد بيانات كبيرة لـ”بنوك الأهداف”.

كما عمل موظفو (مايكروسوفت) ومقاولوها بشكل وثيق مع أفراد عسكريين من مختلف المناصب في الجيش الإسرائيلي، وقدموا المشورة والدعم الفني عن بُعد وفي القواعد العسكرية.

كذلك وخلال العدوان على غزة أيضاً، قدم مهندسو (مايكروسوفت) الدعم لوحدات استخبارات الجيش الإسرائيلي مثل الوحدة 8200، والوحدة 9900 التي تجمع وتحلل الاستخبارات البصرية، لدعم استخدامها للبنية التحتية السحابية.

ووفقاً للوثائق، وافقت وزارة الدفاع الإسرائيلية على شراء 19 ألف ساعة من خدمات الدعم الهندسي والاستشارات من (مايكروسوفت)، لمساعدة مجموعة واسعة من وحدات الجيش، ويبدو أن الصفقات قد درت نحو عشرة ملايين دولار من الرسوم لشركة (مايكروسوفت)، وذلك بين بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023 ونهاية يونيو 2024.

استهلاك جيش الاحتلال لمنتجات (مايكروسوفت) القائمة على الذكاء الاصطناعي ارتفع أيضاً

إبادة الفلسطينيين فرصة للتربح

في نوفمبر 2023، تشير الوثائق إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لجأت إلى الشركة لتقديم الدعم السريع لوحدة الحوسبة المركزية للجيش، والمعروفة باسم (مارام) كانت (مارام) المسؤولة عن البنية التحتية التكنولوجية للجيش الإسرائيلي، في طليعة تحول الأخير إلى الاعتماد بشكل أكبر على شركات الحوسبة السحابية التجارية.

وفي مؤتمر للصناعة العسكرية في تل أبيب العام الماضي، قالت قائدة الوحدة (راشيلي ديمبينسكي) إن أنظمة الجيش الإسرائيلي في بداية الغزو البري كانت مرهقة، ما دفعها إلى شراء قدرات الحوسبة من (العالم المدني).

وفي تصريحات كشفت عنها مجلة 972+ وموقع (لوكال كول) الإخباري، صرّحت (ديمبينسكي) بأن الميزة الأكثر أهمية التي قدمتها شركات الحوسبة السحابية كانت (ثروتها الجنونية من الخدمات)، بما في ذلك قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

وقالت إن العمل مع هذه الشركات وفر للجيش الإسرائيلي (فعالية تشغيلية كبيرة جداً) في غزة.

وعلى الرغم من أن (ديمبينسكي) لم تذكر أسماء موفري الحوسبة السحابية الذين يعتمد عليهم الجيش الإسرائيلي الآن، إلا أن شعار (آزور)، إلى جانب شعاري (أمازون) و(جوجل) ظهر في شرائح محاضرتها.

وبحسب تحليل الوثائق المسربة، كان متوسط الاستهلاك الشهري للجيش الإسرائيلي لمرافق التخزين السحابي من (أزور)، في الأشهر الستة الأولى من العدوان، أعلى بنسبة 60% مقارنة بالأشهر الأربعة التي سبقت ذلك.

وتبين الوثائق أن استهلاك جيش الاحتلال لمنتجات (مايكروسوفت) القائمة على الذكاء الاصطناعي ارتفع أيضاً في فترة مماثلة، وبحلول نهاية مارس 2024، كان استهلاك الجيش الشهري لمجموعة أدوات التعلم الآلي من (أزور) أعلى بنحو 64 مرة مقارنة بسبتمبر 2023.

ولم تحدد الكيفية التي استخدم بها الجيش الإسرائيلي منتجات (آزور) القائمة على الذكاء الاصطناعي، لكن الوثائق تشير إلى أنه استعان بمجموعة من أدوات الترجمة وتحويل الكلام إلى نص.

وتبين أيضاً أن نسبة كبيرة من الخدمات القائمة على الذكاء الاصطناعي التي تدفع مقابلها وزارة الدفاع كانت تستخدم من قبل الجيش على ما يسمى بالأنظمة (المفصولة عن الهواء) المنفصلة عن الإنترنت والشبكات العامة، ما يزيد من احتمال استخدامها لمهام أكثر حساسية.

ومن جانبها رفضت (مايكروسوفت) التعليق على التحقيق أو الإجابة على أسئلة حول عملها لصالح الجيش الإسرائيلي، وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: (لن نعلق على الموضوع)، كما رفضت وزارة الدفاع الإسرائيلية التعليق.

استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات (أوبن إيه آي)

(مايكروسوفت) ليست وحدها

لم يقتصر تعاون جيش الاحتلال على (ايكروسوفت)، إذا استفاد أيضاً من خدمات الذكاء الاصطناعي للشركات المنافسة، وقد كشفت صحيفة (واشنطن بوست)، قبل أيام أن قسم الحوسبة السحابية في (جوجل) قدّم للجيش الإسرائيلي إمكانية الوصول إلى خدماته القائمة على الذكاء الاصطناعي.

كما تشير الوثائق المسرّبة أخيراً إلى أن استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات (أوبن إيه آي) مثل (جي بي تي – 4) وهو نموذج ذكاء اصطناعي قوي مصمم لفهم اللغة وتوليدها، ارتفع بحدة في الأشهر الستة الأولى من العدوان، ووصلت إسرائيل إلى النموذج عبر منصة (أزور)، وليس من خلال (أوبن إيه آي) مباشرة.

وفي مرحلة ما عام 2024، شكّلت التقنيات التي تطورها (أوبن إيه آي) ربع إجمالي استهلاك الجيش الإسرائيلي لأدوات التعلم الآلي التي توفرها (مايكروسوفت)، كانت تقارير إخبارية أفادت بأن الشركة استثمرت في السنوات الأخيرة 13 مليار دولار في (أوبن إيه آي).

وفي يناير 2024، استغنت (أوبن إيه آي)، من دون ضجة عن قيودها الخاصة ضد استخدام خدماتها للأنشطة (العسكرية والحربية) كجزء من إعادة كتابة شاملة لسياساتها، وفي تلك الفترة تقريباً، تلفت الوثائق إلى أن استهلاك الجيش الإسرائيلي لتقنيات (أوبن إيه آي) بدأ بالارتفاع.

وعندما طُلب من (أوبن إيه آي) التعليق، لم ترد على أسئلة حول معرفتها بكيفية استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها، وقال متحدث باسمها: (لا شراكة بين أوبن إيه آي والجيش الإسرائيلي، وأشار إلى سياسة الاستخدام المحدثة للشركة، والتي حظرت استخدام تقنياتها لتطوير أو استخدام الأسلحة، أو إيذاء الآخرين، أو تدمير الممتلكات).

ما تم الكشف عنه حتى الآن ليس سوى نذر يسير من الجرائم المشتركة بين (واشنطن وتل أبيب)، لكن ما فرته حتى اللحظة وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية، يكشف عن كيفية تسخير واشنطن كافة ما هو متاح لها من تقنيات عسكرية وتكنولوجية حديثة استخدمها الجيش الإسرائيلي وبغباء في قتل ما يزيد عن 47 ألف فلسطيني من أهل قطاع غزة الأبرياء دون ذنب.

وللحديث بقية..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.