بقلم الإعلامي: علي عبد الرحمن
منذ الجمهورية الأولي بعد ثورة يوليو 1952 ودور (الإعلام) المصري رائد في أفريقيا والمنطقه العربيه ودول عدم الإنحياز، وقتها كانت الإذاعه المصريه رغم فقر إمكاناتها تعبر وتسوق وتوضح حجم دور مصر في كافة مسارات التحرر الوطني والتعليم والاعلام والدعوه والتنوير حتي أفرزت هذه الجهود الاعلامية.
إضافة إلي دور المسرح والأزهر والكنيسه ثم التليفزيون لاحقا، أفرز كل ذلك مدى قوة مصر الناعمه وأثرها علي تشكيل أجيال محبة لمصر، معترفة بفضلها، مخلصة لشعبها، ومن هؤلاء الأجيال قادة وروادا في دولهم.
وظلت هذه الأجيال منتمية إلى مصر وكل ما لهو علاقة بها من لهجتها وفنها وإعلامها وروادها، ومع تطور منظومة (الإعلام) المصري أفقيا لتشمل عشرات المحطات الإذاعية وعشرات القنوات التليفزيونيه وعشرات المواقع والصحف وسيلا من الفنون المسرحيه والدراميه والغنائيه والسينمائية.
والتطور الرأسي تقنيا وإنفاقا، مما يستلزم توسعا وترسيخا لمكانة مصر ودورها في المنطقه وقارتنا وقضايا العالم بما يلائم حقيقة الدور المصري وحقيقة ضخامة منظومة (الإعلام) المصرية.
ولكن هذا لم يحدث بالقدر الملائم للدور والمكانة، لأسباب عديده منها ترهل (الإعلام) الرسمي وتراكم مشاكله وانسحابه من سوق المشاهده والتأثير، وأيضا انخراط (الإعلام) الخاص في أمور سطحيه وملاسنات، وإنتاج يدر دخلا فقط دون النظر عن خدمة أهداف الوطن وإستراتيجياته.
ورغم أن دولا حولنا ضخم إعلامها دورها فوق واقعه كما فعل (الإعلام) القطري، والإعلام الإماراتي والإعلام السعودي، وإعلام دول أخري صغيرة أو كبيرة، حتي بدأ التسويق لدور دولهم علي أنه الأكثر فاعليه والأهم تأثيرا والأجدر نفوذا في منطقتنا والعالم.
بل وتمدد نفوذ إعلام بعض الدول إلي مناطق نفوذ إعلام مصر في الداخل وفي الخارج المحيط بنا، واستمرت هذه المنظومات الإعلاميه في تجويد خططها الوطنيه وتحسين محتواها ووضع كل جاذب لرسائلها والمنافسه المقصوده برامجيا ودراميا وإخباريا،حتي أصبحت مصدرا لكثير من أهل مصر وشعوب المنطقة.
صناع السياسات الإعلامية المصرية
ولم يلتفت صناع السياسات الإعلامية المصرية وصناع المحتوي إلي ما يتنامي من حولهم أثرا وتأثيرا،ولم نقدم محتوي تنافسيا أو سبقا إخباريا أو تدعيما لقوي الريادة المصريه ذات البساط المنسحب تدريجيا.
مع استمرار (الإعلام) الرسمي في تقوقعه وظهور وسائل إعلامية خاصة كان الأمل في التعبير عن دور مصر والتغيير الإيجابي الحاصل في جنبات الحياة فيها، كان الأمل معقودا علي هذه الوسائل الخاصه أن تعوض تراجع جهود (الإعلام) الرسمي في مجال تسويق وترويج وتأصيل دور المحروسه في المنطقه والقارة والعالم أجمع.
ولكن ذلك لم يحدث، وظهرت أدور إقليمية مؤثرة رغم ضخامة الدور المصري، ولكن هناك أبواق إعلاميه مهنيه ذات خطط علميه مدروسة الآداء والنتائج تبرز وبشكل مهني أدوار دولهم والتطور الحاصل فيها داخليا وخارجيا.
وأبواقنا لاتبرز النذر اليسير من دور مصر وجهودها في محيطها الإقليمي والدولي، مما أشاع تراجعا في الدور المصري لصالح دول أخرى، ومما فتح الباب أمام الشائعات ومروجيها بالداخل والخارج إلي الترويج لتراجع الدور والتأثير بل والتطاول أحيانا علي مصر ومؤسساتها ورموزها ودورها.و
هذا بدوره أغضب رجل الشارع وزاد من الضغوط عليه وأحبط الكثيرين من منظومتنا الإعلاميه المتوسعة أفقيا ورأسيا إسرافا وتسطيحا دون مردود وطني علي مصر وشعبها ودورها وجهودها وعلى أبنائها في الخارج أيضا.
ومع جهود مصر التاريخية في قضية فلسطين وجهودها في استقرار ووحدة ليبيا والسودان وسوريا واليمن، بشكل لا يقاربه دور إقليمي آخر، ومع كل التطورات في الداخل المصري، مع كل ذلك لم يفلح إعلامنا في التسويق لهذا الدور الفعلي الكبير، وتضاءلت رسائلنا الوطنيه أمام أبواق الأعلام في منطقتنا.
ومع أن العالم يتغني بأدوار دول شقيقة حولنا في هذه القضايا إلا أن ما يبث عن الدور المصري سواء علي ألسنة مقدمي الخدمه الإعلاميه أو نجوم الشاشات والمحطات أو حتي متحدثي الحكومة والوزارات والهيئات لايرقي أبدا لعظمة وتأثير دور مصر العظيم.
الأداء الإعلامي المتضاءل
والسؤال: هل هذا الأداء الإعلامي المتضاءل عن الدور المصري مقصودا وموجها، والإجابة قطعا لا، فمهم أن تعرف الشعوب دور مصر لخدمة قضاياهم، ومهم للدول ان تعلم حجم الدور ونفوذ إعلام مصر خاصة مع ريادتنا وكوادرنا وخبرائنا في مجال الإعلام والترويج الإعلامي ووضع الخطط والسياسات الإعلاميه التي تعبر عن إستراتيجية مصر إقليميا ودوليا.
والسؤال: ونحن لدينا مجلسا أعلى لتنظيم الإعلام وهيئات وطنية للإعلام والصحافه ونقابات للإعلام والصحافه و(الإعلام) الإلكتروني، ولدينا روادا للمهنه التي أدخلوها في كل دول المنطقه، ولدينا خيرة خبراء الإعلام في منطقتنا ولدينا أئمة أساتذة الإعلام في المنطقه ولدينا خبراء السياسة والتخطيط.
فما الذي يمنعنا من مطابقة الأداء الإعلامي للدور المصري، وتقديم ما يعبر عن مكانة مصر ومكانتها، وما يعيد الثقه في الداخل لإستمرارية الدور المصري وعدم تراجعه، ومايطمئن أبناء مصر في الخارج لمتانة الدور والمكانه لبلدهم.
هذا يتطلب لجنة عليا للتخطيط لمنظومة (الإعلام) المصري الرسمي والموازي والخاص تضم خبراءا من السياسيين والإعلاميين من صناع المحتوي ومن واضعي الخطط العلميه لتضع خطة قوميه إستراتيجيه لمنظومة إعلام مصر تحدد الأهداف والغايات، والوسائل والرسائل.
وترصد وتقيم، وتوجه وتصوب،حتي يظهر للقاصي والداني دور مصر في قضايا المنطقه والعالم، وحتى يسترد المواطن والمغترب ثقته في دور ومكانة بلدهم ومسئولية إعلامهم، وهذه ليست مهمة (الإعلام) الرسمي والموازي فقط بل والخاص والمستقل أيضا.
ولا ضير في ذلك فقد سبقتنا في ذلك المملكة المتحدة وغيرها، حيث قررت علي كل وسائل الإعلام الخاصه دورا ونسبة من مساحات البث للخدمه الوطنية العامة، وليس أهم من ذلك سوي دور ومكانة وسمعة مصر المحروسة.
وخاصة في زمن الشائعات وغياب المعلومات وتنامي أدوار لدول وأبواق لم تكن تحلم بهذا الوضع منذ سنوات حيث كانت يد مصر هى الطولي وصوتها هو الأعلي ونفوذها هو الأقوي وريادتها هى السائدة.. حمي الله مصر أرضا وشعبا ومؤسسات، وألهم إعلامها صوابا مطلوبا.. آمين، وتحيا دوما مصر.