بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
لنستأذن روح المفكر الكبير الراحل الدكتور جلال أمين، في استعارة عنوان أحد كتبه (ماذا حدث للمصريين؟!).، فما طرأ وحدث واستجد، كان فوق التصور وفوق الاحتمال، ولكن هذين الفوقين يعكسان مدى التدنى الذي نتج عنه هذه الأفعال المشينة التى استشرت في مجتمع (المصريين) بما لم يعهده من قبل.
فما هذا الذي شهدناه عبر المواقع الإخبارية الإلكترونية أو البرامج التلفزيونية أو على مواقع السوشيال ميديا، خلال الأيام القليلة الماضية من جرائم (المصريين) سواء جريمة تلميذة المدرسة الراقية في الحي الراقي.
وكذلك جريمة القتل الشنعاء في الأقصر حيث اكتفى الناس بالتصوير بينما يجز القتل رقبة خصمه ويسير برأسه متفاخراً بما جناه بين الناس جهاراً نهاراً؟!
وانظر إلى هؤلاء الذين ألقوا بابنتهم في غرفة مظلمة مقيدة اليدين والقدمين بالسلاسل الحديدية المثبتة في الجدار لمدة ست سنوات، عقاباً لأن زوجها طلقها قيل هذه المدة لشكه في سلوكها.ط!.
وجرائم (المصريين) الأخرى دارت ما بين ذلكم من قتل وابتزاز وسرقة وخيانة أمانة في طول البلاد وعرضها، تعزز الفكرة السوداء غن الانحطاط الذي أصاب ضمير المجتمع في الصميم!
كيف حدث كل هذا من جانب (المصريين)، وما الذي أدى لكل هذا الانهيار؟!
يا علماء الاجتماع.. يا أطباء النفس.. يا أساتذة التاريخ.. يا معلمي الأجيال.. يا أئمة المساجد.. يا قساوسة الكنائس.. أفيدونا فيما جرى في بلاد (المصريين)؟!
– هل هؤلاء هم (المصريين) الذين كانوا بالأمس؟!
– وماذا أصاب ضمائرهم وكيف طفح عليهم كل هذا العنف والوحشية والسفالة مرة واحدة؟!
بالذمة إيه.. صدقتنى ولا صدقت نفسك؟!
جريمة اليوم هى جريمة الأمس
الإجابة: طبعاً نعم وألف نعم وآه وألف ألف آه.. فجريمة اليوم هى جريمة الأمس، هى جريمة أول أمس!
فكك بقى من كل النعر اللى فوق.. والبلد عمرها ما كانت كده ولا الناس كانوا كده..
لا يا حبيبي.. ده كده وكده وكده – على رأي الفنان البديع (عبد المنعم إبراهيم) – في فيلم بين (القصرين).
فمع كل جريمة بشعة تحدث في مجتمع (المصريين) من أى من أنواع الجرائم الجنائية أو انحراف من الانحرافات الأخلاقية من قتل أو بلطجة أو فجور، يبدو وكأننا فوجئنا بها وما تلبث أن تتمصمص الشغاة وتضرب الأكف وتتقطب الجباة ثم تتناثر التساؤلات مع العبارات المكررة مع كل مرة (إيه اللى حصل ده؟!.. وليه بقينا كده؟!).
ثم يبدأ جهابذة التحليلات والتظيرات عن البواعث الحقيقية لهذا التغير الخطير في المجتمع وتتهاوى الرؤى من كل من هب ودب، فهذا يرجعها إلى الحالة الاقتصادية المتردية وانتشار الفقر والجوع.
وذلك يعيد (المصريين) إلى ضعف الإيمان في النفوس الواقفة على حافة الكفر أو سقطت فيه بالفعل، وذاك يبرر ظهورها بانتشار التدين الشكلى متهما الجميع بالنفاق، ثم تتوالى تصفية الحسابات السياسية، فأنصار السلفية يتهمون المجتمع بهشاشة التدين، وأنصار الحداثة يرون أن الجهل والتخلف وراء كل الجرائم.
ثم يقفز أنصار الفترة الملكية ليروا أن عصر فؤاد وفاروق كانت أزهى العصور ليجعلوا من يوليو 52 سبباً لكل النكبات، أما أنصار الناصرية فيتهمون الانفتاح الساداتى أما المباركيون فيرون أن 25 يناير 2011 هو بداية كل هذه الانهيارات الأخلاقية والاجتماعية.
وأكيد أنكم تعرفون ما هو رأي الإخوان والى أين وإلى من تتجه أصابعهم بالاتهام!، لكن المجتمع هو هو والجريمة هى هى والبشاعة والانحطاط وكل كافة شيء كما هو في مكانه.. على حطة إيدك!
يعنى بالفلاحى المفتشر: (العجل لسه بطينه!).
سرقة وتحرش وبلطجة
ففى كل عهد كانت هناك جرائم شنعاء وكان لكل عصر عتاته من المجرمين والمنحرفين.. قتل واغتصاب وحرق وسرقة وتحرش وبلطجة.
فلا تتجاهل أن عصابة (ريا وسكينة) وأشابهها منتشرون في كل العصور الملكية واليوليوية والينايرية، كذلك وبين كل الفئات، فقراء، أغنياء، عالم، جاهل، رجل، امرأة، أستاذ، تلميذ!
كله واخد نصيبه!
فالجريمة لم تترك بيئة ولا مجتمع إلا وظهرت فيه بكل وجوهها البشعة.
فالفساد في كل زمان ومكان وبكل عصر في حياة (المصريين).
هناك جرائم فردية وجماعية، يحفل بها التاريخ المكتوب بما يئن معه الضمير الإنساني الذي لا يملك عبر التاريخ إلا أنينه وبكاءه بالدم والعبر على ما راح واندثر.
كما أن من المؤكد أن ما لم يتناقله الرواة ولم تسطره أقلام المؤرخين من الجرائم الخفية الفردية والجماعية، لهو أكثر بشاعة ووحشية مما وصلنا وعرفناه.
فهؤلاء البكاؤون في كل مناسبة يغضون الطرف عن أحداث بشعة قرأوها أو سمعوا عنها أو عاصروها أو حتى رأوها عياناً بياناً.
ولعل ما نراه فقط هو النتيجة الأخيرة المعلنة التى تقفز على السطح أحياناً، فتبدو كدخان صاعد من جراء تفاعل عناصر العفن الاجتماعى مع الفساد الأخلاقي، فتحدث الجريمة النهائية أو لا تحدث، تشتهر أو تشتهر، يعاقب المجرم أم يفلت من العقاب.
فكل الاحتمالات مفتوحة وكم من جرائم لم يعرفها أحد، بل والأكثر من الانحرافات غير قابل للتصنيف الاجتماعي أو القانونى ولا مجال للإحاطة فما لا نراه ولا نحس به، أكثر بكثير مما نراه أو نشعر به!.
وهذا أو ذاك يعود لأسباب كثيرة تتشابك وتتلاحم، فلا تكاد تستبين منها سبباً واحدا واضحاً.
وعذراً .. هذا يكفى وأظن أن ما أقصده قد وصلك، كي لا أكرر الخطأ وأركب موجات الفراغ فأقع في الفخ نفسه وأبدأ في التحليل والتنظير قبل أن أعد قرار الاتهام لأوجهه إلى جهة أو عصر أو فئة، فمادام على الأرض إنسان، فهناك من يفسدون فيها ويسفكون الدم حتى لو رفعوا رايات الإصلاح وقالوا إنما نحن مصلحون!